المقدمون الشباب: قلة تحقق خرقا وتصل إلى البرامج الجدية

يواجهون صعابا عدة.. أبرزها صغر سنهم مقارنة بمنافسيهم من الإعلاميين

سحر الخطيب (الصور لـ «الشرق الأوسط»)
TT

لا شك أن السوق الإعلامي اللبناني والعربي يبقى ضيّقا ومحدودا، مقارنة بأعداد الطموحين من الشباب والمتخرجين منهم، مهما كثرت أعداد محطات التلفزيون والفضائيات. ولا شك أيضا أن الواصلين من الشباب إلى «عرش» تقديم البرامج الجدية، يبقون قلة قليلة مقارنة بالفرص المعطاة الى ذوي الخبرة الطويلة في «عالم الشاشة» المليء بالتحديات والمنافسات «المشروعة».

ومن حاول إحصاء الشباب الذين بلغوا مرتبة الحصول على برنامج خاص، غالبا ما يلاحظ ان نوعية هذه البرامج المعطاة لهم تتراوح بين التسلية والترفيه، لتبقى البرامج الجدية والرصينة ضمن «هالة» عصية عليهم أو صعبة المنال.

ومن بين من نجحوا في اجتياز هذه «العتبة ـ العقبة» ودخلوا فلك البرامج الجدية كاسرين قاعدة الصورة النمطية، هناك عصاميون اثبتوا وجودهم وتفوقهم، لا بل قدرتهم على منافسة أصحاب الخبرات الطويلة، فأطاحوا بتلك المقولة الكلاسيكية التي لا تأخذ الشباب على محمل الجدّ في البرامج «الدسمة».

واللافت ان بعض المنتمين الى هذا الجيل الشاب، تحفظوا عن التحدث في هذا الموضوع او تجنبوا الإجابة عن أسئلة ظنا منهم أن من شأنها ان «تصنّفهم» أو تقيم مقارنة مع آخرين.

على اية حال ثلاثة ممن نجحوا في خرق هذا الجدار عارضين تجاربهم ومتحدثين عن الفرص المحتملة أمامهم.

ففيما نفت مقدّمة البرنامج الحواري السياسي «الساعة الخامسة والعشرين» (تلفزيون المستقبل)، سحر الخطيب، أن يكون هذا الواقع صحيحا «في ظل فورة برامج التوك شو الصباحية والمسائية على الشاشات المحلية (اللبنانية)»، رأت المراسلة ومقدّمة فقرة «اعرف عدوّك»، كلارا جحا، ان «هذا المبدأ صحيح وينطبق على غالبية التلفزيونات باستثناء قناة الجديد (حيث تعمل)، المعروفة بإتاحتها الكثير من الفرص أمام الشباب لتقديم برامج جدية. وهذا ما ينطبق على برنامج الحدث (السياسي) الصباحي الذي يتضمّن فقرتي».

أما مقدّم البرنامج الفني «وقف يا زمن» (المستقبل)، وسام بريدي، فلم يخفِ انه خاض «معركة للحصول على هذه الفرصة التي شكّلت تحديا لي حتى أثبت قدرتي على منافسة الأسماء الموجودة على الساحة في هذا المجال»، كاشفا «أجريت نحو 20 إلى 30 تجربة كاميرا خلال سنة ونصف السنة ولم أنجح في الحصول على الفرصة. لكنني لم أُحبَط».

بالعودة الى كل من هذه التجارب، قالت الخطيب، انه «ليس صحيحا أن الشباب يوجهون نحو البرامج الترفيهية أكثر من غيرهم، لأنه في هذه الفترة يتم التركيز عليهم في غالبية البرامج التي تبثها القنوات، حتى الفضائية منها. فالأزمة (السياسية اللبنانية)، التي ولّدت عددا كبيرا من برامج التوك شو، أتاحت لهم الكثير من الفرص. لا بل اننا بتنا نشهد تركيزا على الدم الشبابي في البرامج الحوارية وفي تقديم الفقرات السياسية الصباحية. وحين ينتهي هذا الظرف يبقى على كل منهم الاجتهاد ومتابعة مسيرته ليثبت نفسه».

وأضافت: «لم يكن برنامجا «بصراحة» و«أقوال الصحف»، اللذان كنت أقدمهما بالتناوب مع غيري من الزملاء، هما أول البرامج التي قدّمتها لأنني كنت أقدم برامج تعالج مواضيع غير محلية على القناة الفضائية منها «ويبقى العراق». ولدى انتقالي إلى القناة الأرضية كان قد مرّ على عملي في التلفزيون 8 سنوات. وكان ذلك لدى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، حينها صارت محطة (المستقبل) تخصص هواءها للبرامج السياسية. فعرفني الناس من خلال «أقوال الصحف» الذي كان يبث بعد الظهر، ولاحقا في «بصراحة» الذي كان يعرض عند الحادية عشرة مساء. وهنا لم يكن الهم الأساسي أن اثبت للمشاهد أنني جدية، فهذه طبيعتي. لكن كان همي أن ألتقطه في تلك الساعة المتقدّمة من المساء. ولاحقا، تبيّن لي ان توقيت البرنامج لعب لمصلحتي. فمن ناحية، تكون كل المواقف السياسية قد صدرت وتجمعت لدي. ومن ناحية أخرى، الناس يتفرغون لمشاهدة البرامج السياسية والأخبار في هذه الساعة بما أنهم يبدون اهتماما في الشؤون السياسية، لذلك بتنا حاليا نشهد تزايد أعداد نشرات الأخبار التي تبث في هذا التوقيت».

واعتبرت «أن أي شخص يطل بفقرة صغيرة أو غير صغيرة بغض النظر عن سنّه، يعتبر ذلك مسؤولية بحد ذاتها. فالشاشة تحمّلنا مسؤولية لأنها تجعلنا ندخل الى كل بيت».

وعما إذا كانت تعتبر نفسها قد انضمت الى الخانة نفسها التي تضمّ مقدّمي البرامج الحوارية المخضرمين أو ذوي الخبرة الطويلة، قالت: «إنني أقوم بعملي ببساطة ولا أصنّف نفسي. ومجرّد تأدية عملي لا يعني انه علي تصنيف نفسي (...). واعتقد ان كل إطلالة للإعلامي تضيف خبرة الى رصيده لان كل إطلالة تحمل معها تجربة جديدة. ومجموع الخبرات يشكّل الرصيد الحقيقي. السن لا تشكّل عائقا أمامي لأنني اعمل بجدّية والناس باتوا يدركون هذا الأمر. كذلك الأمر بالنسبة الى ضيوفي السياسيين الذين باتوا يأتون حاملين ملفاتهم معهم إلى الاستديو، إدراكا منهم أنني أطرح أسئلة تشير إلى مدى قيامي بعملي في التحضير. الواقع ان فكرة ان الشباب لا تتاح لهم فرصة الحصول على برامج خاصة بهم هي فكرة نمطية لم تعد صحيحة في عصرنا هذا. فقناة (المستقبل) الاخبارية مليئة بدم الشباب الجديد. خلاصة القول إن السنّ وحدها تتلاشى حين يتّضح للمشاهدين ان المقدّم يقوم بعمله وينجح فيه. الوجه الشاب صار له قيمة اكبر اليوم لأنه يبدي حماسة اكبر ومستعد لإثبات نفسه والتضحية أكثر لإثبات وجوده، فيما المخضرم يحاول حفظ موقعه».

وبدورها روت المراسلة الاخبارية والمقدمة كلارا جحا، كيف تمكنت من الحصول على «فرصة» تقديم فقرتها الصباحية «اعرف عدوّك»، التي تعرض أهم ما جاء في الصحف العبرية والتلفزيونات، فقالت: «الواقع أنني لم اسع للحصول على هذه الفرصة. بعد حرب تموز (يوليو) 2006، طرحت عليّ الإدارة تقديم البرنامج. بداية، فوجئت بمنحهم إياي هذه الفرصة، رغم أن ذلك لا يعتبر جديدا في سياسة المحطة التي تعطي الكثير من الفرص للشباب إيمانا منها بقدراتهم». وأشارت الى انه «تم تأخير موعد انطلاق البرنامج 9 أشهر بسبب الأزمات المتلاحقة التي طرأت على البلاد وأهمها حرب (مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين). فلم يعطَ الأولوية من جانب المحطة، كذلك كنت منهمكة في عملي الميداني مراسلةً في قسم الأخبار، ففضلت تأجيل الأمر. لا أنكر أنني أمضيت في البداية ليالي قلقة عاجزة عن النوم وأفكر من دون توقف. وعندما بدأت، اقترفت الكثير من الأخطاء وعملت على تصحيحها، إذ أخذت كل الانتقادات في الاعتبار. وحتى الآن لا اعتبر أنني وصلت إلى مكان متقدم جدا في عالم التقديم لأنني لا أزال في طور تحسين أدائي».

وأشارت إلى انه «يمكن لأي شخص أن يتولّى تقديم هذه الفقرة طبعا إذا كان يتمتع بمقومات الحضور والصوت والإلقاء، لكن ما يميّزني أنني أعدّ الأخبار وأصوغها وأعمل على تطوير مضمون الفقرة باستمرار، حتى باتت تجذب فئة الشباب من خلال نوعية الأخبار المنتقاة وقوالبها. كذلك أن عملي في قسم الاخبار سهّل استيعاب الجمهور اللبناني لي على الشاشة كونه معتادا عليّ. فلو كنت وجها جديدا لكان الأمر بالتأكيد أصعب بسبب صغر سنّي، ولاحتجت حتما الى جهد اكبر حتى اقنع المشاهد بجدّيتي. ذلك ان اللبناني يتمتع بروح انتقادية ويندر ان نجد لبنانيا لا يهتم بالسياسة»، أضافت: «لا أنكر أنني فرحت بالحصول على هذه الفرصة كونها تمنحني شيئا خاصا بي، لكن ما زلت أفضّل العمل في قسم الأخبار حيث ألاحق الخبر. وإذا خيّرت بينهما، فأختار العمل الميداني».

ورأت جحا ان «الشباب بشكل عام يوجّهون نحو برامج الترفيه ربما لان الناس يتقبلونهم اكثر في هذا المجال، رغم أننا لا ننكر أن الراحل رياض شرارة كان يتمتع بخبرة مهمة جدا ويعمل في المجال الترفيهي، فيما تترك البرامج الجدية والحوارية السياسية لذوي الخبرة، وهذا أمر طبيعي».

وبدوره، روى المقدّم وسام بريدي، كيف خاض هذا المضمار، فقال: «لقد تخرجت في برنامج «استوديو الفن» عن فئة التقديم. بعدها عملت في الإذاعة، حيث اكتسبت خبرة في تحسين تقنيات الصوت ومخارج الحروف، وقد عزّز ذلك ثقتي بالنفس. ثم انتقلت الى تلفزيون (زين) حيث قدّمت برنامجا ترفيهيا شبابيا بمشاركة زملاء وهنا اكتسبت خبرة في التعامل مع الكاميرا، إلى ان اختاروني للانتقال إلى قناة (المستقبل)، حيث قدّمت برنامج الألعاب «السهم» الذي لقي صدى ايجابيا، لكنّه توقف مع حرب تموز (يوليو). وبعد سنة ونصف السنة عدت ببرنامجي الخاص «وقف يا زمن». وهذا الأخير لم يأتني على طبق من ذهب، إنما كافحت وخضت معركة لأحصل على هذه الفرصة، وكانت فكرة البرنامج فكرتي. هنا شعرت بأنني بتّ أتمتع بملعبي الخاص حيث لي أسلوبي وطريقتي في محاورة الضيف. لذلك أنني فرح في ما أقدمه، رغم أنني لم أظهر أقصى طاقتي، لأنني لا أزال اصعد السلم خطوة خطوة. وحتى الآن أعتقد أنني أثبتّ نفسي وتمكنت من إضافة اسمي إلى حلقة مقدّمي البرامج الحوارية الفنية بجدارة، ولم امرّ مرور الكرام، ويعكس قرار الإدارة رفع عدد الحلقات من 26 الى 37 دليل نجاحي، رغم أنهم في البداية شككوا بقدراتي، وافهمهم، ولو فشلت لكنت تخلّيت عن التلفزيون وبحثت عن شيء آخر اقوم به».

وقال: «في البداية شعرت بعبء المسؤولية وكنت حريصا على اختيار ضيوفي ولا أزال. فأذكر أن الإعلامي جورج قرداحي كان ضيفي الأول. حتى أنني اعمد في بعض المرات إلى تأجيل تصوير حلقة ما إذا تعذّر علي استضافة شخصية من المستوى المطلوب. ذلك أنني لا أريد تقديم برنامج صغير يستضيف أيا كان، بل أردت برنامجا مهما يتمتع بمستوى معيّن لينافس غيره من البرامج». وأضاف: «طبعا هناك توفيق من الله، فضلا عن أنني أتمتع بشخصية تعكس الثقة والراحة للضيف الذي أحاوره». وكشف أن هناك «بعض الضيوف الذين فوجئوا لدى تعرفهم إليّ وشعروا بأنهم أمام شاب صغير، لكن سرعان ما تبدّلت نظرتهم حين تحدثوا إليّ وحين بدأت الحلقة. بذلك اثبت أن السن ليس عائقا وأن القدرات تكمن في الشخصية وأسلوب الأداء والجهد الذي يبذله المرء في تحضير عمله وعدم الاكتفاء بالتحضير الذي يقوم به فريق الإعداد مهما كان محترفا (...). لذلك أدعو الشباب إلى أن يؤمنوا بقدراتهم فإذا قدّر لهم لا بد من ان يحصلوا على الفرصة».

ولفت بريدي إلى أن هناك «خيطا يفصل بين السخافة والترفيه، لذلك لا يمكن اعتبار ان تقديم هذه البرامج أمر سهل. فقلّة هم المقدمون الذين يتمتعون بخفة ظل لذلك كثر فشلوا».