مناصرو التيبت يعلّمون الصين فن العلاقات العامة

حملات إعلامية منظمة تمكنت من تحويل الأنظار من تحضيرات الأوليمبياد إلى أحداث القمع وانتهاك حقوق الإنسان

TT

عقدت سلسلة من الجلسات التدريبية الخاصة باستراتيجية العلاقات العامة، بعد فوز الصين بتنظيم دورة الألعاب الأوليمبية بوقت قصير. ولكن لم تكن الحكومة الصينية هي التي تعقد الجلسات: ولكنها كانت تعقد من قبل الجماعات المؤيدة للتيبت في الولايات المتحدة وخارجها. وقد قام المتظاهرون بسرعة بتنظيم خطط الاتصالات والتركيز على إرسال الرسائل فيما بينهم وإقامة المعسكرات التي يقومون فيها بتدريب الأعضاء على مهارات المقابلات الشخصية وكيفية الهبوط من المرتفعات – كما ظهر في الاستعراض الذي أقيم على جسر جولدن جيت. ونتيجة لكل هذه الأنشطة، فقد نجح المتظاهرون في تنظيم انقلاب جماهيري. وبدلا من أن تستغل الصين دورة الألعاب الأوليمبية في صالحها، فإنها قد فوجئت بنفسها تقف موقفا دفاعيا، وقد قام المتظاهرون بتحويل الموضوع من إقامة دورة للألعاب الأوليمبية في بكين إلى ما يحدث من قمع في التيبت، بالإضافة إلى انتهاكات حقوق الإنسان في الصين واستثماراتها في السودان. ويقول كالايان ميندوز وهو منسق جماعة «طلاب من أجل التيبت الحرة»، وهي إحدى الجماعات النشطة: «في بادئ الأمر، كان هناك شعور قوي باليأس بعدما فازت الصين بتنظيم دورة الألعاب الأوليمبية. ولكن بعد مرور خمس دقائق فقط، أدركنا أن هذه الدورة ستكون فرصة عظيمة لشعب التيبت لعرض مشكلته على العالم كله».

وعلى الرغم من النجاحات التي حققتها الصين في المجال الاقتصادي والعسكري، إلا أنها لا تزال متأخرة في مجال العلاقات العامة الذي يماثل الأسلوب الغربي. ومن نواحٍ عدة، فإن الصين تواجه نفس التحدي الذي واجهته شركات مثل: فيليب موريس ووول مارت، في السنوات الأخيرة، حيث واجهت صعوبات شديدة من قبل المتظاهرين وناشطي الاتحادات المختلفة الذين كانوا يصرون على إيصال رسالتهم بأساليب أكثر حنكة وخبرة. من جهته يقول ونكي جاو، وهو متحدث باسم القنصلية الصينية في نيويورك: «لا يمكن سماع صوتنا. يجب علينا تحسين صورتنا».

وعلى الرغم من أن الحكومة الصينية لم تتمرس بعد في فن مخاطبة الجماهير، إلا أنها – ومع الاهتمام الذي توليه لتنظيم دورة الألعاب الأوليمبية – تستكشف الأساليب الأميركية في المجالات المتعلقة بالعلاقات العامة. وحسب تقرير أخير في جريدة الفايناشيال تايمز، فإن الحكومة الصينية تبحث في الوقت الحاضر عن كيفية تحسين صورتها وعلاقاتها العامة. وقد أفاد رؤساء تنفيذيون من خمس شركات متخصصة في العلاقات العامة ولها حضور كبير في بكين، بأنهم لم يتلقوا بعد أي اتصالات فيما يتعلق بهذا المشروع. وقد أفاد السيد جاو من القنصلية الصينية بأنه لا يعرف إن كان هذا التقرير صحيحا أما لا، إلا أنه يرى أن هناك حاجة لبعض المساعدة في هذا الإطار. وقد أفاد بقوله: «من وجهة نظري، من المفيد الحديث عن صناعة العلاقات العامة، والبحث عن المساعدة في هذه الصناعة لنرى إن كان بمقدورنا تحسين صورتنا أمام وسائل الإعلام».

ويقول دافيد ليو، وهو المدير التنفيذي لفرع شركة ويبر شاندويك في الصين، انه بعد فشل الصين في الفوز بتنظيم دورة الألعاب الأوليمبية عام 1993، نصح المسؤولون عن تنظيم دورة الألعاب بتوظيف شركة علاقات عامة قبل المحاولة التالية لتنظيم دورة الألعاب الأوليمبية. وقد فازت شركة ويبر شاندويك المملوكة لمجموعة إنترببلك، بالعقد، وأفاد السيد ليو بأن نصيحته كانت تتلخص في أن تفصل الصين بين سجلها في حقوق الإنسان وعرضها باستضافة دورة الألعاب الأوليمبية. كما أفاد كذلك بأن الشركة أعلمت اللجنة الأوليمبية بأنه في حالة السماح لبكين بتنظيم دورة الألعاب، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى بعض الاحتجاجات على عدد من الجبهات. وقد قال ليو: «إذا تم منح الصين حق استضافة الأولمبياد، فإن ذلك يبدو تعاطفا معها، ومن الطبيعي أن الصينيين يتطورون في كثير من الأمور».

وفي الوقت الحالي، فإن اللجنة المنظمة في بكين توظف شركة هيل آند نولتون للعلاقات العامة، والتي تمتلكها مجموعة دبليو بي بي، للعمل على تنظيم حملة العلاقات العامة الخاصة بهذه الأولمبياد. ويقول الرئيس التنفيذي لشمال آسيا بالشركة، جيمس هيمويتز: «إن مجال العمل محدود، لأن اللجنة غير مخولة بالتعليق على سياسة الحكومة الصينية». وقد أفاد بأنه على الرغم من ذلك، إلا أن اللجنة ترحب بنصائح الشركة. وقد أفاد هيمويتز بقوله: «أعتقد أن الصورة تتضح أكثر وأكثر بشأن الصين – فيما يتعلق بالشركات الخاصة والقطاع الحكومي – فهي تحاول فهم كيفية التفاعل أكثر وأكثر مع المجتمع الدولي، بما في ذلك العمل مع وكالات دولية للاتصالات على المستوى الدولي والوكالات التي تعمل في مجال العلاقات العامة. إنهم يحاولون».

ومن ناحية أخرى، يستخدم المعترضون استراتيجية ذات جانبين، أحدهما استراتيجي والآخر يتعلق بالضرورة الملّحة. ولا تمتلك هذه الجماعات التي يتم تمويلها من قبل المتبرعين، إلا القليل من المال للقيام بالإعلانات الخاصة بها. ويقول وانجشوك شاكابا وهو عضو مجلس إدارة في لجنة التيبت والولايات المتحدة: «إن مؤسساتنا صغيرة إلى حد ما، والطريقة الوحيدة لإيصال كلمتنا هي الإعلام».

ولكي توصل كلمتها، فإن الشبكة الدولية لدعم التيبت (وهي جماعة مقرها لندن، وتتعاون مع مؤسسات شبيهة) كانت ترسل نشرات إعلامية للمؤسسات الأعضاء التي يبلغ عددها 153 مؤسسة.

ويقول أليسون رينولدز الرئيس التنفيذي لهذه الجماعة: «لقد كنا نرسل ملخصات يومية بصورة منتظمة لما يجدّ من أخبار وأحداث وما يحدث من تطورات سياسية وكل ما يجدّ بشأن الوضع في التيبت».

كما ترسل جماعة طلاب من أجل التيبت الحرة (وهي عضو في المؤسسة الدولية) نقاطا للحديث وقوالب للنشرات الإخبارية وخططا للتظاهر، لمجموعاتها المرتبطة بها والبالغ عددها نحو 650 مجموعة. ويشترك في هذا، طالبان من صفحة طلاب من أجل التيبت الحرة على موقع الفيس بوك، وهي تضم الآن نحو 37900 عضو، وهناك كذلك صفحة موقع اليوتيوب، حيث ينشر المنظمون تقارير ومشاهد يرسل بها المتظاهرون. وتعقد جماعة طلاب من أجل التيبت الحرة مؤتمرا كل شهرين لأعضاء جماعات مناصرة التيبت، ويتم فيها التركيز على التدريب على التعامل مع وسائل الإعلام. وتغطي جلسات المؤتمرات كل شيء بدءا من الإدلاء بالتصريحات إلى الرد على أسئلة الصحافيين. ويقول مندوزا: «تدرك الجماعة فعالية وسائل الإعلام ودورها في توصيل رسالتنا، ومن ثمّ فإن تدريب أعضاء الجماعة على التحدث إلى وسائل الإعلام من الوسائل التي نضمن بها توصيل رسالتنا للجمهور المستهدف».

وتعقد الجماعة «معسكرات عمل» تستمر أسبوعا، أربع مرات في السنة للتركيز على كيفية القيام بالمظاهرات، وفيها يتعلم الحاضرون تنظيم الاحتجاجات وكيف يتعاملون مع رجال الشرطة، كما يتدربون على إقامة الأنشطة التي تجذب انتباه الرأي العام. ومن الملاحظ أن نهج جماعات مناصرة التيبت قد خطف الأضواء من قضية دارفور، على الأقل خلال الأسابيع الأخيرة، ويقول جيل سافيت، المدير التنفيذي لجماعة «حلم دارفور»: «من الأفضل أن يكون هناك مزيد من الضغوط على الصين. لقد أعجبت كثيرا بعدد الحاضرين، والطريقة التي يجتمعون بها».

وقال جين جرابوسكي، وهو متخصص في أزمات العلاقات العامة من شركة ليفيك سترتتيجيك كوميونيكاشنز، وعمل في مجال سحب الألعاب الصينية غير المطابقة للمواصفات من الأسواق: «إن النجاح الذي حققه المحتجون حتى الآن لم يكن مفاجأة له». وأضاف: «الحكومة الصينية لا تزال حديثة العهد بالتحديات واللعب على ساحة عالمية. واللعب على الساحة العالمية اليوم لا يعني فهم كيفية التحكم في الرسائل الصادرة من الوزارات الحكومية الرسمية أو الرسائل التي يتم إعدادها ونشرها في الإعلام الإخباري العالمي فحسب».

كما أردف: «هناك المدونات ومواقع الإنترنت. هناك عالم كامل من التواصل عبر الإنترنت، الذي ما زالت الحكومة الصينية تبدو لا تفهمه أو تقدره».

* خدمة النيويورك تايمز