كيف تدير صالة التحرير؟

«واشنطن بوست» تنحي مسؤولة تحرير بسبب «تدني معنويات» موظفيها رغم كونها صحافية فذة

الحفاظ على معنويات الصحافيين مرتفعة من ابرز مهام مديري التحرير («الشرق الأوسط»)
TT

كان لافتا قرار المحرر التنفيذي لصحيفة «واشنطن بوست»، ليونارد داوني في الأسبوع الماضي بأن يطلب من مساعدة مدير التحرير لشؤون الأخبار القومية، سوزان غلاسر، التنحي من منصبها بعد نحو عام ونصف فقط من توليها له، وذلك بعد «تدني الروح المعنوية» بين الصحافيين الذين يعملون تحت إدارتها، بحسب ما نقلت صحيفة «نيويورك تايمز»، وأكد محرر الإعلام في «واشنطن بوست»، هاورد كورتز، الذي كتب في مقال له الأسبوع الماضي ان قرار داوني جاء بعد توصية لجنة من كبار المحررين التي أجمعت أن أسلوب غلاسر الذي وصفه بـ«الشرس» في الإدارة قد تسبب في انخفاض جدي بمعنويات الموظفين. وفيما القرار بحد ذاته يعد مؤشرا واضحا على مدى أهمية كون من يتولون المناصب الإدارية في مجال الصحافة متمكنين من حسن الإدارة، فإنه يدل من جهة أخرى على أنه ليس كل من هم بارعون تحريريا يصلحون كمديرين، سيما وأن غلاسر وصفت من قبل مسؤوليها نفسهم في العام الماضي بأنها «النجمة الصاعدة في الجريدة»، حتى أن ليونارد داوني نفسه وصفها بأنها من «أكثر صحافيي الجريدة موهبة ورؤية». ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» محتوى رسالة إلكترونية أرسلتها غلاسر لزملائها قبل مغادرة منصبها قائلة فيها ان العمل معهم كان «شرفا وامتيازا»، مضيفة أن ذلك يعود لقدرة هذا الفريق على «إنتاج صحافة شجاعة في أوقات عصيبة»، وكانت «واشنطن بوست» فازت خلال العام الماضي بست جوائز «بولتزر»، من ضمنها واحدة للتغطية القومية عن قصة حول سلطات نائب الرئيس الأميركي، ديك تشيني، الخفية، لكن يبدو أن ذلك لم يشفع لغلاسر عن «شراستها». والواقع إن إدارة الصحافيين تعد تحديا، سيما مع ما هو معروف عن تنامي الـ«أنا» بينهم وكذلك ضغوط العمل المتنوعة، وربما كان من سلبيات القطاع ككل أنه لم يخلق نماذج إدارية متعارف عليها كما هو الحال على سبيل المثال في قطاعي البنوك أو الإعلانات، لذلك كان لافتا معرفة وجهة نظر كبريات صحف العالم في الموضوع. تقول أليسون سمايل، مديرة التحرير في صحيفة «انترناشونال هيرالد تريبيون» بباريس، في حديث عبر الهاتف مع «الشرق الأوسط» ان جزءا من التحدي هو أنك في الصحافة ليس لديك أهداف محددة مثلا كما هو الحال في قطاع البنوك أو الإعلان، ففي هذين القطاعين تستطيع أن تلزم الموظف بنتائج مالية معينة، فيما ذلك غير وارد في الصحافة. فإذا كيف يتم تقييم الصحافيين؟ سيما وأنك لا تستطيع قياس الأداء بعدد القصص التي ينتجها كل صحافي، ففي حين قد ينتج أحدهم قصة كل يوم، فإن آخر قد يعمل أكثر على قصة معينة تكون حصرية أو «خبطة». تجيب أليسون أنها خضعت لتدريب خاص في تقييم الموظفين، وأنها تتبع قاعدة هي أن لا تسأل شخصا واحدا عن آخر، وإنما على الأقل شخصين، مضيفة أن عناصر عدة تدخل ضمن التقييم كالأداء المهني، القدرة على الكتابة بسلاسة والخروج بعناوين مميزة وغير ذلك. وتوضح أليسون كذلك أن الصحافيين كذلك يستطيعون تقييم المشرفين عليهم، وذلك عن طريق التقييم الذاتي، بحيث يطلب من كل صحافي ذكر الأسباب التي يعتبر أنها تعيق عمله على سبيل المثال. من جهتها توضح كاثرين ماثيس، مسؤولة التواصل المؤسساتي في شركة «نيويورك تايمز» (المالكة للصحيفة التي تحمل الاسم نفسه، وصحيفة «هيرالد تريبيون» كذلك) بأن الشركة توفر برنامجا تدريبا مكثفا لكل من المديرين الحاليين والجدد. وتضيف في رسالة إلكترونية لـ«الشرق الأوسط» بأن الشركة لديها سياسة واضحة فيما يخص المحررين والمديرين، مضيفة «نحن لا نعتبر أنهم مسؤولون فقط عن الصحافة التي ينتجونها، ولكن عن الإدارة الفعالة للأناس الذين يشرفون عليهم، وللموارد المتاحة لهم ومن ضمن ذلك ميزانياتهم». وهنا تعود أليسون سمايل لتقول ان للصحافيين صفات خاصة كذلك، فهم بطبعهم فضوليون وكثيرو المراقبة، ويتميزون بحب تحليل الكلمات بسبب طبيعة عملهم، لذلك ليس مستغربا أن يتم تناقل وتحليل عباراتك كمسؤول تحريري ضمن فريق العمل. أيضا تقول أليسون ان على مديري التحرير أن يكونوا سلسين، فأنت تتعامل مع مصحح أو مدقق لغوي مثلا وكذلك مع مراسل حرب في منطقة نزاع في مكان ما في العالم، وتضيف «ولكل منهما أهميته في إنتاج الجريدة.. لكن هناك طريقتين مختلفتين للتعامل مع كل منهما على حدة». وتوضح انه حتى في مثال مراسل الحروب، فهناك ظروف تحتم عليك التعامل معه بشكل مختلف وفي أوقات مختلفة، ففي حين قد يكون يحدثك من خط التماس وتحت ظروف صعبة ويصعب عليه إرسال القصة، فعليك كمسؤول تحرير خلق طريقة للحصول على المعلومات منه، لأنه في النهاية المطلوب هو ملء تلك المساحة المتاحة للقصة على الصفحة الأولى. من جهة ثانية قد يكون نفس مراسل الحرب ذلك تعرض لحادث مفجع، فهنا على مدير التحرير أن يتحول إلى مصدر للطمأنينة والدعم المعنوي. أمر آخر تعتبر أليسون انه على من يكون في منصب إداري بالصحافة التمتع به، وهو القدرة على معرفة ماذا يهوى كل شخص، ومحاولة ترتيب الأمور بحيث تصل لأفضل النتائج، مشبهة الأمر بأنّه إلى حد كبير مثل عملية الـ«كاستينغ» (اختيار الأدوار) التي تحصل في أفلام السينما. من جهة ثانية وبالعودة إلى سوزان غلاسر، وفيما لم يتسن الحصول على تعليق من «واشنطن بوست» لهذه القصة، فإن محرر الإعلام في البوست هاورد كورتز كان انتقد بدوره في مقاله المذكور أعلاه قرار إدارة جريدته تنحية غلاسر في وسط فترة تغطية الانتخابات الأميركية، مضيفا أنه المحرر التنفيذي في الجريدة، ليونارد داوني، رفض الإدلاء بأي تعليق خارج المذكرة التي صدرت من قبله في هذا السياق والتي أثنى فيها على عمل غلاسر عقب الاعلان عن تنحيتها.