هذه المدينة الجميلة.. المعذبة

كال بيري خلال تغطية الأحداث الأخيرة (الشرق الأوسط)
TT

لقد هدأت الأمور الآن – لكن التفاؤل ليس شيئا سهلا نجده في طرقات بيروت. وأخشى القول بأن الأمور هادئة، حيث إنها يمكن أن تنقلب إلى النقيض في لحظة واحدة. . فالحفر التي خلفتها طلقات الرصاص في كل مكان من حولنا. ومنذ ستة أيام شاهدت الطلقات النارية من حولي واستمر إطلاقها لما يزيد على الساعة وسط العاصمة مع المصور الخاص بنا. وقد صاح بعض الجنود لنعدو إلى موقعهم عندما بدأ إطلاق النار. وكان يبدو عليهم القلق بسبب الطلقات التي يطلقها القناصة ولكن يبدو أنهم قد اعتادوا على ذلك. ولسوء الحظ، فقد شاهد الجميع في هذه المدينة تلك الأمور من قبل. لقد انتشر الجيش في ربوع المدينة. كما انتشرت العربات المصفحة في وسط المدينة. ولا أعتقد أننا يمكن أن يفهم ما يحدث إلا إذا كنا هناك واعتدنا على ما يحدث. لقد رجع الجيش إلى بيروت الغربية حيث اختفى رجال حزب الله بسهولة كما جاءوا بسهولة – وتركوا كل شيء في صمت، بعد أن كانوا هناك بالمئات. وقد لاحظت في المنطقة المسيحية أن الجيش يتأهب في كل زاوية. فلا أحد يرغب في انخراط الميليشيات المسيحية لأن الجميع في بيروت يمكن أن يتذكروا الحرب الأهلية الدموية – حيث كانت الميليشيات المسيحية منخرطة تماما في المعارك آنذاك. يجب أن نعلم جميعا كم تبدو بيروت جميلة – ولكن ما هو أكثر من ذلك كيف أن هذه المدينة قد لفها صمت مطبق. فعندما كانت الطلقات النارية في كل مكان من المدينة، كان الناس يجلسون في المقاهي المجاورة يستمتعون بشراب بعد الظهيرة. وهكذا كان شارع جميزة الشهير. إنني أتذكر أن ذلك الشارع كان مفتوحا أثناء الحرب مع إسرائيل. ولكن الوضع هنا مختلف – فالأمر أسوأ من نواح عدة. فهذه حرب أهلية ويمكن أن تصيب الجميع ممن يعيشون هنا. وبالنسبة للكثيرين، بمن في ذلك الموظفون التابعون لنا، فإن الحرب مع بلد مجاور خير من الحرب الأهلية داخل البلد ذاتها. إنه شعور رهيب أطبق على كل أركان هذه المدينة. إن الجميع هنا يفكرون في كيفية مغادرة بيروت إذا تحولت الأوضاع إلى ما هو أسوأ من ذلك. والجميع يقوم بتخزين الطعام والماء – ويتجهزون لما هو أسوأ. وقد سمعت أخبارا كثيرة عن تعرض الصحافيين لإطلاق النار وعن إصابة عدد منهم. وقد شاهدت شيئا لم أكن أعتقد أنني سوف أراه في حياتي كلها – مواطنين عراقيين يهربون من القتال هنا في بيروت ولا يستطيعون اللجوء إلى مكان. وقد سألني أحدهم: من الفائز في هذا القتال؟ لا شك أنه الجيش – الذي لم ينشق وقام بتطهير الشوارع من المسلحين دون إطلاق نار. لا شك أن هناك تعقيدا كبيرا هنا في لبنان. ولكن الفائز الحقيقي هو لبنان وشعبه – الذي يأمل في تجنب الانزلاق إلى الطريق المرهب المظلم الذي يودي بلبنان إلى تهلكة الحرب الأهلية.

* مراسل الـ «سي إن إن» بيروت - خاص بـ «الشرق الأوسط»