كاتب «واشنطن بوست» ديفيد اغناتيوس: كتابة الحقيقة لا تعرضك لآراء الناس

يقول إن على الصحافيين أن يعترفوا عندما يخطئون ويستفيدوا من عثراتهم مستقبلا

ديفيد اغناتيوس («الشرق الأوسط»)
TT

يعد دايفيد اغناتيوس حاليا من ابرز كتاب الرأي في صحيفة واشنطن بوست، والصحافة الأميركية عموما. «الشرق الأوسط» التقت اغناتيوس في واشنطن، وتحدثت اليه في مواضيع عدة، من بينها آراءه في الحروب التي تخوضها أميركا في المنطقة، وتجربته في العالم العربي وتفاصيل حول كيف يكتب مقاله ويعد لمواضيعه، وفيما يلي نص الحوار: > نبدأ من النهاية. هذا هو العمود الذي كتبته امس في «واشنطن بوست». عن افغانستان، وعنوانه: «عدو يهرب»، وطلبت فيه نقل عمليات القوات الاميركية من افغانستان الى باكستان. ألن يوسع ذلك نطاق الحرب؟

ـ انا قلت ان عملية باكستان ستعتمد على نوع القوات التي نرسلها. اذا ارسلنا اعدادا كبيرة من الجنود، ربما سيتحول الوضع من سيئ الى اسوأ. لهذا، يجب ان نرسل قوات خاصة، تعرف كيف تنسق مع القوات الباكستانية.

> كتبت هذا العمود من جلال اباد، في افغانستان، وركزت فيه على مقابلاتك مع قادة القوات الاميركية هناك. هل قابلت عامة الناس لتعرف وجهة نظرهم؟

ـ لم يكن ذلك سهلا، وبالطريقة التي تجعلني اطلع على وجهات نظر مفيدة.

> يصف مواطنون افغان القوات الاميركية انها قوات احتلال، ولهذا، يحق لهم مقاومتها؟

ـ انا افهم مقاومة اللبنانيين للقوات الاسرائيلية عندما غزت وطنهم. وافهم ردود فعل الفلسطينيين نحو القوات الاسرائيلية في الضفة الغربية وغزة. لكن، يختلف الوضع في افغانستان، لان مركز منظمة «القاعدة» هناك، ولان القوات الاميركية تتحالف مع حكومة افغانستان ضد المنظمات الارهابية.

> سنة 2004، بعد سنة من غزو العراق، كتبت عمودا بعنوان «اعلام حمراء واعتذارات». وتحدثت فيه عن «نقد ذاتي» لانك قصرت في بعض تعليقاتك. هل استعجلت في تأييد غزو العراق؟

ـ اثر فيّ كثيرا ظلم نظام صدام حسين للعراقيين. وبالاضافة الى التقارير والآراء التي كتبتها عن ذلك، كتبت رواية «ضفة الخوف». لهذا، لم احس بالأسف على نهاية النظام. لكني وجدت اننا لم نضع استعدادات كافية وكاملة عن ما بعد ذلك. خططنا للمدى القريب، ولم نخطط للمدى البعيد. في البداية، كان هناك استعلاء من جانبنا، واصدر بول بريمر، حاكم العراق، قرارات عقدت الوضع اكثر.

> في وقت سابق، قابلت «الشرق الاوسط» جيم هوغلاند، كاتب عمود مثلك في «واشنطن بوست». وكان بقوة، ايد غزو العراق. لكنه قال لنا: «يجب ان اعترف اني اخطأت في اشياء كثيرة في العراق».. هل يكفى الاعتذار؟

ـ تحدث زميلي هوغلاند عن اخطائه. وانا اتحدث عن اخطائي، واقول ان هناك اشياء كثيرة كنت اتمنى لو عرفت تفاصيلها قبل ان اكتب عنها. وطبعا، تعلمت الدرس، وهو ان احاول ان اجمع مسبقا معلومات كافية عن ما اريد ان اكتب عنه.

> في وقت سابق ايضا، قابلت «الشرق الاوسط» هيلين توماس، صحافية اميركية من اصل لبناني. وقالت: «انتم عرب وانا عربية». وانها تعرف ان كثيرا من زملائها الصحافيين الاميركيين حملتهم موجة الغضب على هجوم 11 سبتمبر، والرغبة في الانتقام، وهي نفس الموجة التي جعلت كل الاميركيين تقريبا يؤيدون خطوات بوش العسكرية. هل هذا صحيح؟

ـ مثل غيرهم، يخطئ الصحافيون، وطبعا، يجب عليهم، عندما يتأكدون من اخطائهم، ان يعترفوا بها، ويستفيدوا منها في المستقبل.

> وماذا عن اكاذيب السياسيين؟ والصحافيون، خاصة في اميركا، يتمتعون بحرية بدون حدود لكشف اكاذيبهم؟

ـ نعم كانت هناك «الكذبة الكبرى»، وهي ادعاء ادارة الرئيس بوش بأن صدام حسين كانت عنده اسلحة دمار شاملة وقت الغزو. وبأنه كان يتعاون مع منظمة «القاعدة». ربما انشغل الصحافيون بمتابعة اخبار الحرب والاستعداد لها، ولم يكن عندهم وقت كاف للتأكد منها.

> زرت دولا عربية واسلامية، وعملت فيها. ما هي انطباعاتك عنها؟

ـ عرفت العرب والمسلمين وانا صحافي شاب يطارد الاخبار. واعرفهم الآن وانا اكتب اعمدتي ورواياتي. عرفت فيهم حبا وعطفا، ووجدت وسطهم نسبة غير قليلة من اصدقائي. هؤلاء افادوني، ولا يزالون. واليوم، سأقابل بعضم جاءوا الى واشنطن (لحضور المنتدى الاقتصادي الاميركي العربي).

> ما نصيحتك للصحافيين الاميركيين الذين يذهبون الى دول عربية واسلامية؟

ـ طبعا، لا بد من مقابلة المسؤولين لمعرفة آرائهم، لكن، اهم من ذلك، مقابلة عامة الناس، قرية قرية، وشارعا شارعا. عرفت ان التفاصيل الدقيقة لموضوع معين تزيد تركيز القارئ عليه، بالمقارنة مع كتابة كلام عام. وايضا، ساعدتني هذه التفاصيل الدقيقة على كتابة رواياتي.

> كيف تعد لمقالاتك؟

ـ اختار موضوع العمود. واجمع المعلومات الاساسية. وأتصل بناس لهم صلة بالموضوع للحصول على اقوال. واسافر الى الاماكن المختلفة لاشاهد بعيني، واتصل مباشرة بالناس هناك. ودائما، ابحث عن معلومات جديدة لم تنشر من قبل. > هل تستخدم التسجيل والنوتة؟ وكيف؟

ـ عادة، استعمل نوتة اكتب عليها اجوبة كل من اقابل. لكن، اذا كانت المقابلة مع شخص مهم، مثل الرئيس بوش، استعمل جهاز تسجيل، بالاضافة الى النوتة.

> ككاتب عمود هل تقوم بمقابلات وتنشرها الصحيفة في صفحات الأخبار، أم فقط في عمودك الصحافي؟

ـ في صحيفة «واشنطن بوست» اكتب العمود فقط. واشترك في الاشراف على موقع «بوست غلوب» العالمي التابع للصحيفة. واذا عثرت على معلومات لا تناسب العمود، ورأيت ان الصحيفة يمكن ان تستفيد منها، ارسلها الى صحافيين فيها. > ما علاقة كاتب العمود في البوست بغرفة الأخبار؟

ـ بالنسبة لي، عندي مكتب في المبنى لاكون قريبا من التطورات. واذا لم اذهب الى هناك أتصل كثيرا بالذين يعملون هناك. لكن، ليست عندي الآن وظيفة ادارية في الصحيفة.

> لماذا، وكيف، بدأت تكتب روايات؟

ـ كتبت «عملاء الموت» بعد تجربة بيروت عندما كنت مراسلا لصحيفة «وول ستريت جورنال». كما قلت، جمعت تفاصيل كثيرة لم اكتبها كلها في الصحيفة، واستفدت منها في الرواية. عرفت ان علي حسن سلامة، مساعد عرفات، كان يجمع معلومات لوكالة الاستخبارات المركزية (سي اى ايه). وان عرفات كان يعرف ذلك. وعندما ضربت السفارة الاميركية في بيروت، كان من بين القتلى روبرت ايمز، مسؤول الاستخبارات فيها. واقترح اصدقاء له ان تنشر القصة الكاملة في رواية، ان لم تكن في صحيفة، وبطريقة غير مباشرة، ان لم تكن بطريقة مباشرة.

> وماذا عن آخر رواياتك: «جسم الاكاذيب» التي صدرت في السنة الماضية؟

ـ عن روجر فيريس، عميل استخبارات اميركية ينسق قتل ارهابيين خططوا لقنابل سيارات في دول اروبية. وكما قلت، استفدت من تفاصيل كثيرة لم اقدر على نشرها في عمودي.

> ما هو الفرق بين كتابة خبر او عمود، وبين كتابة رواية؟

ـ هو الفرق بين كتابة خمسمائة صفحة عن شخص واحد، وكتابة خمسمائة كلمة عنه. بين التفاصيل والملخص. بين السطح والتغلغل في العمق. اقدر على ان اقول ان الرواية هي صحافة خيال عميقة لا تحاسب عليها. ولكن العمود هو صحافة الواقع الذي تحاسب عليه كلمة كلمة.

> هل يحاسبك الناس كلمة كلمة في اعمدتك؟

ـ مؤخرا، لم اعد اهتم برأي الناس فيما اكتب، ولا حتى في رأيي فيما اكتب، بقدر اهتمامي بكتابة الحقيقة. لأن كتابة الحقيقة لا تعرضك لرأي الناس فيك. ومؤخرا، زاد اهتمامي بالحقائق الجديدة. مثل ما كتبت مؤخرا من افغانستان. اقابل المسؤولين والخبراء، واجمع منهم معلومات وانشرها على الناس. مثل عمود امس الذي تحدثنا عنه.

> ولكن، اين رأيك عندما تحول العمود الى معلومات؟

ـ كما قلت، لم اعد اهتم كثيرا برأيي. لكنك، اذا دققت فيما اكتب، ربما ستقدر على ان تعرفه.

> تسافر وتجمع معلومات وتكتب عنها. ماذا عن كتاباتك عن السياسة المحلية، عن واشنطن؟

ـ افعل نفس الشيء. سافرت مع السناتور اوباما، وجمعت معلومات قبل ان اكتب عمودا عنه. واقابل مسؤولين هنا في واشنطن، واقابل خبراء في اي موضوع سياسي او اقتصادي قبل ان اكتب عنه.

> ما هو رأيك في اوباما؟

ـ كل ما اقدر على ان اقوله لك هو انه ظاهرة جديدة في السياسة الاميركية، ويقدر على ان يفتح صفحة جديدة في علاقاتنا بين بعضنا. وانا كنت من اوائل كتاب الاعمدة الذين رافقوه وكتبوا عنه.

> اعرف انك لن تقول لي اذا كنت ستصوت له او لا؟

ـ انا دائما اتحاشى تصنيف نفسي تصنيفا حزبيا، وهل انا جمهوري او ديمقراطي. لكني اقدر على ان اقول انني اعطف على اوباما لانه، كما قلت ظاهرة جديدة، لكني اضيف، سريعا، انه، في الجانب الآخر، لا يملك خبرات كثيرة، وعنده مشاكل ربما تضع عراقيل امامه.

> كيف تقارن نفسك مع كتاب اعمدة آخرين؟

ـ اولا، احرص على ان افعل ما اريد، واكتب ما اريد. لكن، استطيع ان اقول ان عملي كمخبر صحافي (مثل مع صحيفة «وول ستريت جورنال»)، وعملي كمدير تحرير (مثل مع صحيفة «انترناشونال هيرالد تربيون») افادا نوعية الاعمدة التي اكتبها.

> هل «دخلت الشهرة رأسك» (اصبت بالغرور)؟

ـ اخطائي التي تحدثت عنها، واعترافي بها، وعهدي بأن اتعظ منها، تحول دون ذلك.

> في الماضي، قابلت «الشرق الاوسط» ليونارد داوني، رئيس تحرير تنفيذي «واشنطن بوست»، وقال ربما نفس الشيء. لكنه قال: «احس وكأني مايسترو فرقة اوركسترا موسيقية عالمية»، يقصد اهمية «واشنطن بوست»، وتأثيرها على الاحداث الداخلية والخارجية؟

ـ اكتب على لساني بأني احس مثل عازف قيثارة في هذه الاوركسترا.

> ما هي الخدمات التي تقدمها لك «واشنطن بوست» لتكتب ما تكتب؟

ـ كل مساعدة اريدها، سواء في السفر، او في جمع المعلومات. ويوجد في الصحيفة جهاز للمساعدة اذا اردت مساعدة. ومن اهم ثروات «واشنطن بوست» هي فريقها الصحافي، لاني اقدر على ان اقابل صحافيا متخصصا في موضوع معين، واستفيد من معلوماته. وايضا، لا تطلب مني «واشنطن بوست» ان اذهب الى المكتب بانتظام.

> كيف تقضي يومك؟

ـ احاول ان اكتب في الصباح، ثم اقابل مصادر المعلومات. واحاول الا احارب الوقت بأن اجمع معلومات عمود في نفس يوم كتابته. عندي مكتب في «واشنطن بوست»، وعندي مكتب هنا في منزلي، وعندي مكتب ثالث لكتابة رواياتي، مكتب سري، حتى زوجتي لا تعرف اين هو.

> ما هو موقع زوجتك وبناتكما الثلاث في عملك؟

ـ ليست زوجتي صحافية، ان كان هذا ما تريد ان تعرف. ربما ابعد ما تكون عن الصحافة، عندها دكتوراه في الكمبيوتر. وكل ما اقدر على قوله لك ان زوجتي تحبني وتحب عملي.

> لا بد انهم يقلقون عليك عندما تسافر الى مكان بعيد خطير مثل افغانستان؟

ـ احس بذلك كثيرا عندما اذهب الى الغرفة التي فيها البدلة الواقية من الرصاص، والتي احملها معي عندما اسافر الى مناطق حرب. بنتي الصغيرة هي الاكثر قلقا عندما تراني افعل ذلك.

> اليس مؤسفا ان بنتك، بسبب الاحداث الاخيرة، كونت فكرة سلبية عن العرب والمسلمين، وخاصة عندما تسافر الى بلادهم؟

ـ دعني اقول لك الجانب الآخر من سؤالك، وهو عن بنتي: الوسطي والكبرى. تدرس الكبري الطب، وفي الصيف الماضي ذهبت الى لبنان، وعادت بانطباعات ايجابية. وهي الآن في رواندا تعمل في مجال محاربة «الايدز». وسنزورها هذا الصيف. وتدرس الوسطى في جامعة كولمبيا في نيويورك. وتهتم بدراسات الاسلام والمسلمين. مؤخرا، اتصلت بي، تسألني عن موضوع له صلة بالقرآن الكريم. وعن احاديث رواها البخاري.

> لكن، لم ترث بناتك الصحافة عنك؟ ـ يبدو انهن، مثل والدتهن، يملن نحو العلوم.

* سيرة ذاتية

* ديفيد أغناتيوس ـ ولد سنة 1950. ودرس في مدرسة سنت البانز الكاثوليكية في واشنطن. ثم في جامعة هارفارد. ثم في جامعة اكسفورد. كان والده، بول اغناتيوس وزيرا للبحرية، ورئيسا لشركة «واشنطن بوست».

ـ عمل صحافيا في مجلة «واشنطن مونثلي» (الشهرية). ثم في صحيفة «وول ستريت جورنال»، حيث غطى وزارة العدل، ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه)، والشرق الاوسط.

ـ في سنة 1986، انتقل الى صحيفة «واشنطن بوست».

ـ ما بين 2000 و2002، عمل رئيس تحرير تنفيذيا لصحيفة «انترناشونال هيرالد تربيون» التي تصدر في باريس (كانت شراكة بين «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست»، التي انسحبت من الشراكة مؤخرا).

ـ يكتب عمود رأي في «واشنطن بوست»، بالإضافة الى كتابات في «اتلانتيك مونثلي» و«فورين افيرز» و«نيو ريبابليك».

ـ كتب ست روايات لها صلة بعمله كصحافي: «عملاء الموت» و«سيروا» و«ضفة الخوف» و«اساءة الفصل» و«ملك الشمس» و«جسم الاكاذيب». (الآن، يصور الاخير كفيلم، بطولة: رسل كرو، وليوناردو ديكابريو).

ـ كتب مقدمة كتاب «عدو مقاتل»، وهو مذكرات معظم بيك، البريطاني من اصل باكستاني الذي قضى خمس سنوات في سجن غوانتنامو بتهمة الارهاب.