الصحف الدولية تنقل معركتها إلى الخليج

سعيا لكسب «سوق» الوافدين.. والقراء المحليين المتحدثين بالانجليزية

عدد من الصحف الدولية التي افتتحت مراكز طباعة في الإمارات (تصوير حاتم عويضة)
TT

بينما تتراجع ارقام توزيع الصحف ومداخيلها الإعلانية في الغرب، يتطلع الناشرون وأصحاب الصحف شرقا صوب مناطق نامية، كالهند والصين والشرق الأوسط، حيث يشهد القطاع نموا متسارعا، يواكب النمو الحاصل في قطاعات أخرى. وخلال الأشهر القليلة الماضية، تجلى مدى اهتمام لافت لدى الصحافة الغربية بـ «سوق» منطقة الشرق الأوسط، وتحديدا الخليج العربي، ويعود ذلك لأسباب عدة لعل من أبرزها ارتفاع عدد الوافدين المتحدثين بالانجليزية، حيث يقدر عدد المقيمين البريطانيين بأكثر من 100 الف شخص فضلا عما يزيد على مليون سائح سنويا.

وبالتالي شهدنا «ولادة» طبعات «شرق اوسطية» من مجموعة من كبريات الصحف العالمية اتخذت من الإمارات العربية المتحدة مقرا إقليميا لها. فقبل أسابيع أطلقت صحيفة «فاينانشال تايمز» طبعة خاصة للمنطقة، مع إعلان رفع عدد مراسليها الموجودين في الإمارات إلى 4، وتعيين متعاونيين في كل من قطر والسعودية. من جهة ثانية، أعلنت صحيفة «انترناشونال هيرالد تريبيون» في مطلع مايو (ايار) كذلك أنها وقعت مذكرة تفاهم مع مؤسسة دبي للاستثمار، تتيح لصحيفة «خليج تايمز» الإماراتية الصادرة بالانجليزية، أن تطبع «الهيرالد تريبيون» في إمارة دبي. وبذلك أصبحت الصحيفة متوفرة في نقاط البيع، وللمشتركين وفي الفنادق عبر الإمارات العربية المتحدة، منذ 5 مايو الماضي. وفي مايو 2007 أي قبل عام أعلنت شركة «نيوز إنترناشونال» مالكة صحيفتي «تايمز» و«صنداي تايمز» عن بدء طباعة النسخة الدولية من الصحيفتين في دبي، وذلك بالاشتراك مع مجموعة SAB MEDIA التي تتخذ من جدة في المملكة العربية السعودية مقراً لها، وفي ذلك الوقت قال جورج بروك، وهو محرر عدد يوم السبت الأسبوعي من جريدة «تايمز»، في محادثة هاتفية مع «الشرق الأوسط» بأن «الطلب على النسخ الورقية لم يمت، لكن فعليا فإن الطلب يزداد في مناطق معينة من العالم». ويختلف الأسلوب الذي تسعى من خلاله الصحف المنافسة في المنطقة، ففي حين تصدر «ذا تايمز» طبعتين دوليتين، احداهما خاصة بالولايات المتحدة والأخرى تخص بقية العالم (هي نفسها التي تطبع في دبي)، وتصر «هيرالد تريبيون» على عدم المساس بـ «هوية الصحيفة» أي كونها دولية، فإن فاينانشال تايمز اختارت خطا مغايرا، حيث تختلف طبعتها الصادرة في الإمارات عن بقية طبعاتها، وذلك من حيث توزيع وترتيب الأخبار، كما تخصص صفحتين للتغطية المحلية الإقليمية يومي الثلاثاء والخميس (لا تنشر في الطبعة الدولية) يكتب فيها كتاب أعمدة متخصصون من المنطقة. كذلك ومع تنامي الاهتمام بالمنطقة، تسعى كل صحيفة من الصحف الكبرى إلى التركيز على الخواص التي تتمتع بها، لتتميز في أذهان القراء عن منافسيها.

وعلى صعيد المثال، يقول إيخيلس تسالتاس، نائب رئيس «الهيرالد تريبيون» لشؤون التوزيع والتطوير: ان ما يميز صحيفة «انترناشونال هيرالد تريبيون» هو كونها «دولية بحق»، وليست تابعة لبلد ما. كذلك يقول ان ما يعطي الصحيفة خاصية تنافسية كذلك «هو شراكتنا مع الخليج تايمز بسبب معرفتها بالسوق ومشتركيها وقرائها الموجودين أساسا».

وفي هذا السياق، يذكر أن الهيرالد تريبيون لا تصدر مع «خليج تايمز» (كما كان شكل التعاون مع الـ «ديلي ستار» اللبنانية في لبنان مثلا)، وانما بشكل مستقل. فكيف إذا تستفيد الصحيفة الدولية من شراكتها مع «خليج تايمز»؟ يقول تسالتاس انه يمكن أن يحدث أن تصمم عروض تسويقية تجمعهما (الخليج تايمز والهيرالد تريبيون) معا، ويضيف انه حين اعلن عن اطلاق الهيرالد تريبيون في الامارات خلال العيد الثلاثين لصحيفة «خليج تايمز» تم توزيع اشتراكات مجانية على الحضور لمدة 3 أشهر، لغرض تعويدهم على الصحيفة ومن ثم قياس من سيستمر بالاشتراك. ويضيف تسالتاس انه بحكم قصر مدة التجربة فإنه من المبكر تقييم اداء الصحيفة. ويوضح تسالتاس كذلك ان النمو في المنطقة ومنطقة اسيا يعطي الجريدة توازنا دوليا بحق، فلم يعد معظم الثقل في اوروبا وحدها. ويضيف: «لقد استطعنا مضاعفة الطبعة الاسيوية من 45 الفا الى 90 الفا، وحاليا نطبع في الشرق الأوسط 10 آلاف ونسعى لزيادتها بالتأكيد». وفيما لم يحدد تسالتاس الرقم الذي يود أن يصله توزيع الصحيفة، فإن أدريان كلارك، ناشر صحيفة «فاينانشال تايمز» في الشرق الأوسط وإفريقيا بالإضافة إلى أوروبا (باستثناء المملكة المتحدة) كان أكثر دقة.

حيث قال كلارك لـ «الشرق الأوسط» ان طموح صحيفته هو الوصول الى 15 ألف نسخة في المنطقة من الرقم الذي بدأت به الصحيفة وهو 4000 نسخة، وردا على سؤال إن كان يقصد المبيعات أم التوزيع «بالنسبة لنا التوزيع والمبيع هما نفس الشيء». ويضيف كلارك أنه لا يعتبر أن الفاينانشال تايمز «جديدة» على السوق، فهو يشدد على نقطة أنها لطالما كانت متوفرة في الاسواق عبر استيرادها، وان ما جرى مع الصحيفة في هذا السياق يعد «تطورا» (وليس اقتحاما حديثا للسوق). ويشير كلارك إلى نقطتين تهمانه كناشر للفاينانشال تايمز وهما المنطقة (الشرق الأوسط) تشكل قصة نجاح اقتصادي لافتة ونموها كسوق بالنسبة للصحيفة من جهة ثانية. أما ما يميز الفاينانشال تايمز فيقول كلارك: «نحن نختلف عن الصحف الأخرى، فنحن في الأساس صحيفة تبيع ثلثي نسخها خارج موطنها، ولسنا مثلا مثل التايمز أي صحيفة بريطانية قررت السفر للخارج». لكن بالإمكان القول كذلك، ان التايمز والانترناشونال هيرالد تريبيون لا تشكلان منافسين حقيقيين للفاينانشال تايمز لأن الأخيرة هي اقتصادية بحتة، ولكن ماذا إذا قررت صحيفة مثل «وول ستريت جورنال» الأميركية الاقتصادية المتخصصة اطلاق نسخة شرق اوسطية، يجيب كلارك «نحن نرحب بالمنافسة لأن ذلك في مصلحة الجميع». ويشير من جهة أخرى إلى أن قطاع تنظيم المؤتمرات هو من مصادر الدخل الاساسية لـ «فاينانشال تايمز»، ويضيف بأن الصحيفة تنشط في هذا المجال في الامارات والخليج. وردا على سؤال حول ما اذا كان ازدياد نسبة الوافدين المتحدثين بالانجليزية هو السبب الرئيسي وراء خطوة الفاينانشال تايمز هذه، اوضح كلارك بأن صحيفته لا تنظر فقط الى الوافدين المتحدثين باللغة الانجليزية، وينوه بأن الانجليزية هي لغة الأعمال الدولية، فلذلك هم يهتمون حتى بكبار رجال الأعمال العرب، وكل الجنسيات الأخرى. رد مشابه جاء من تسالتاس الذي أوضح أن الصحيفة بدورها تسعى للتركيز على القراء المحليين، لأن ذلك يعطي قيمة مضافة كذلك للمعلنين في الصحيفة، رغم أنه يعترف في نفس الوقت بأن صحيفته لا تسعى للمنافسة في تغطية الشأن المحلي.