الصحافيون «المتعاونون».. ظاهرة تعيش انتعاشا في عصر الإنترنت

سياسة تقليص ميزانيات الصحف والتلفزيونات والإذاعات ساعدت على زيادة عددهم واستخدامهم

للعمل كصحافي متعاون في الولايات المتحدة مزايا عدة بسبب كون القطاع منظما («الشرق الأوسط»)
TT

يوم الاحد، دفن في نيوزيلندا الصحافي ترنت كيغان (33 سنة) الذي قتل، في الاسبوع الماضي، في كينيا عندما كان يغطي التطورات هناك. كان يعيش في ايرلندا، وحصل على الجنسية الايرلندية، ويعمل صحافيا متعاونا (فري لانس) free lancer مع صحف ومجلات كثيرة. وخلال الخمس سنوات الماضية، تنقل بين العراق، وباكستان، وافغانستان، ودارفور، وغيرها. وفي الشهر الماضي، ذهب الى كينيا للكتابة عن اشتباكات قبلية بسبب تزويرات في الانتخابات العامة.

وجد جثمانه في مجرى مياه قذر بالقرب من طريق رئيسي قرب نيروبي العاصمة. وكان اصيب بضربات قوية في الرأس. وقال مسؤولون في نيوزيلندا انهم يعتبرونه مواطنا نيوزيلنديا، وسيتصلون بحكومة كينيا للتحقيق في الحادث.

ومؤخرا، نشرت جمعية «ريبورترز ويثاوت بوردرز» (صحافيون بدون حدود) ان 213 صحافيا قتلوا منذ بداية حرب العراق، قبل خمس سنوات، منهم 14 صحافيا متعاونا. ومن هؤلاء ثمانية عراقيون. ومن هؤلاء صالح سيف الدين الذي كان يتعاون مع جريدة «واشنطن بوست».

لكن، ليس العمل الصحافي التعاوني كله خطرا على الحياة... حيث له مزايا ومنافع عدة خاصة في عصر الانترنت، حيث نشر مؤخرا ان الصحافي المتعاون يقدر على ان يحقق «دخلا محترما» اذا وضع في سيارته كاميرا وكمبيوتر، وتنقل من مكان الى مكان يرسل الاخبار والصور الى مواقع، وصحف، واذاعات، وتلفزيونات، ومؤسسات حكومية، او خاصة، تدفع لمن يقدم شيئا جديدا ومفيدا.

وساعدت سياسات تقليص ميزانيات الصحف والتلفزيونات والاذاعات على زيادة عدد واهمية الصحافيين المتعاونين. هذا بالاضافة الى ان تقليص ميزانيات شركات ومصانع كثيرة زاد اعتمادها على المتعاونين والمتعاونات، سواء سكرتيرات، او ممرضات، او حتى محامين (توجد منظمة لمحامين يعملون من منازلهم حسب نوع القضايا وعددها).

ينضم عدد كبير من المتعاونين في الولايات المتحدة الى اتحاد يحمل اسمهم. وفي مدينة نيويورك وحدها يوجد اكثر من عشرة آلاف متعاون، منهم الف صحافي وصحافية. وينظم الاتحاد برامج للتأمين الصحي، والتأمين الاجتماعي والتأمين على الحياة.

وقالت سارة هوروفيتسن، رئيس الاتحاد: «نقدر على كل شيء وكأننا نعمل في شركة واحدة. الا شيء واحد يمنعنا القانون منه، وهو ان نتفاوض مع الشركات الكثيرة التي نعمل معها لانها، طبعا، شركات كثيرة».

وسارة تعرف «المتعاون» على انه «كل من يعمل عشرين ساعة في الاسبوع في مؤسسة معترف بها». يعتمد اتحاد الصحافيين المتعاونين على كثير من اجهزة وطرق تنظيم الاتحاد العام. لكنه يختلف عنه في اشياء، مثل ساعات العمل. ويفضل اتحاد الصحافيين المتعاونين التعاون مع الاتحاد العام، بحثا عن تأمينات صحية واجتماعية بأسعار اقل، لانه كلما زاد عدد المتعاونين، قلت تكاليف هذه.

غير ان اتحاد الصحافيين المتعاونين يختلف عن بقية المتعاونين في اكثر من جانب: أولا: لا يحسب العمل بالساعة، ولكن بالقطعة. ثانيا: لا يحكم على العمل مقدما حتى يكتمل العمل. ثالثا: لا يلتزم بعمل في مكان معين أو مكتب معين.

من جهة ثانية يهتم «سيغما دلتا كاي» (اتحاد الصحافيين المهنيين الاميركيين) بالمتعاونين، وينظم شؤونهم، ويقدم لهم النصائح، ويدافع عن حقوقهم. ويفضل وصف «صحافيين مستقلين». وقالت وندي هوك، المسؤولة عنهم في الاتحاد: «الصحافي المستقل هو احسن الصحافيين لانه يقدر على ان يقول انه، نعم، مستقل عن اي رئيس تحرير، او صاحب جريدة، او صاحب دار نشر».

وينظم الاتحاد العام دورات تدريبية للمتعاونين. وكتب واحد منهم في موقعهم، بعد دورة تدريبية: «دائما افتخر بأني صحافي، وان الصحافة هي احسن مهنة. لكن لم يزيد فخري مثلما عندما وجدت هذه المساعدات من اتحاد الصحافيين المهنيين. كنت اعتقد انهم يحسدوننا، لاننا ربما سنتفوق عليهم. او يكرهونا، لأننا نقاسمهم الرزق. او يحتقرونا، لأننا لسنا متفرغين مثلهم».

وكتب آخر: «لا توجد مهنة مثل هذه يهتم العاملون فيها بسمعتهم اكثر من اهتمامهم بأنفسهم».

إلا أن الأمر لا يخلو من المشاكل كذلك، فقبل سنوات قليلة، ظهرت مشكلة في جريدة «نيويورك تايمز» بسبب المتعاونين. نشرت الجريدة تقريرا كتبه متعاون، وكانت في التقرير اخطاء احرجت الجريدة. واشتكى صحافيون متفرغون ان المتعاونين «يخفضون مستوى الجريدة، ويسيئون الى سمعتها. واشترك في النقاش بايرون كالامي، مراقب الجريدة. وقال انه قام باتصالات داخل الجريدة، وجمع معلومات، وعرف ان الاقسام غير الاخبارية تعتمد على المتعاونين اكثر من الاخبارية. ووصلت نسبتهم الى ثمانين في المائة في اقسام معينة (مثل السياحة، والمسرحيات).

وأحس بيل كيلار، مدير التحرير التنفيذي، ان النقد موجه نحوه. لم ينتقد، هو بدوره، ادارة الجريدة، ولم يقل انها هي التي خفضت ميزانية جمع الاخبار والتقارير. لكنه قال انه اضطر لزيادة عدد المتعاونين، حتى تضاعف خلال خمس سنوات منذ سنة 2000.

منذ ان تأسست (سنة 1851)، استخدمت «نيويورك تايمز» المتعاونين. وفي الوقت الحاضر، هناك «دليل المتعاونين» من 48 صفحة. وفي بدايته ان الجريدة لا تفرق بين المتفرغ والمتعاون في نوع الانتاج.

لكن، بعد مشكلة المتعاون، اقترح مسؤولون في الجريدة ان يبلغ القراء، مسبقا، بأن كاتب خبر او تقرير متعاون. واتهموا المتعاون بأنه: اولا: ربما يخلط بين عمله الصحافي واعمال اخرى. ثانيا: ربما يهتم بالمكافأة اكثر من اهتمامه بنوع العمل. ثالثا: ربما يستغل اسم الجريدة لاهداف شخصية.

اشتركت في النقاش وندي هوك، مسؤولة الصحافيين المتعاونين في اتحاد الصحافيين المهنيين الاميركي. وقالت: «يجب ألا يتحول هذا النقاش الى «نحن» و«هم». يحتاج المتفرغون للمتعاونين (لكتابة مواد لا يقدرون او لا يريدون كتابتها). ويحتاج المتعاونون للمتفرغين (لمنحهم فرص التعاون)».

وأضافت: «نعم، ليس المتعاون مثل المتفرغ. لكن، يعتمد كل شيء على رئيس التحرير، وعلى المشرفين على ما يكتب المتعاون. اذا كانوا يريدون نشر مادة تناسب مستوى الجريدة، عليهم تنقيح مادة المتعاون تنقيحا متشددا. واذا كانوا يريدون تحميل المتعاون مسؤولية التقصير في المادة، عليهم ألا يتعاقدوا معه منذ البداية».

وقالت: «المتعاونون الذين يكتبون لجريدة مثل «نيويورك تايمز» لا يفعلون ذلك طمعا في مال بقدر ما يفعلونه بسبب سمعة الجريدة. لهذا، نظلمهم اذا نظرنا اليهم نظرة استعلاء». وقالت: «يضيف المتعاونون نكهة جديدة الى المتفرغين: ليسوا مصابين بمرض البيروقراطية الصحافية، وينظرون الى الاحداث من الخارج، ويتمتعون بحرية اكثر، لانهم اكثر استقلالا، وبالتالي، اكثر حيوية، وإبداعا».

ربما لم يكن ترنت غيغان، الصحافي النيوزيلندي المتعاون الذي قتل في كينيا في الاسبوع الماضي، حذرا بصورة كافية. لكن، لن يقدر صحافي متعاون او متفرغ على ان يتهمه بأنه لم يضحِ بحياته في سبيل المهنة.

* أصل كلمة Free Lancer

* في القرن التاسع عشر في أوروبا، بدأ استعمال كلمة «فري لانس» (التعاون، او العمل من خارج مؤسسة)، وكانت مرتبطة بالحروب. وحسب وصف اليوم، كان هؤلاء «مرتزقة» بمعنى انهم كانوا يستأجرون للقتال بالنيابة عن دولة، او منظمة، او طائفة دينية. كان سير وولتر البريطاني (توفي سنة 1832) اول من استعمل الكلمة في رواية «ايفانهو»، عندما اشار الى جنود مرتزقة يشترون ويباعون. وفي سنة 1903، دخلت الكلمة قاموس اكسفورد للغة الانجليزية. وكتب ارنست هومونغ، شاعر بريطاني (توفي سنة 1921) قصيدة «هدية للامبراطور»، جاء فيها: «ليس هذا عملا جيدا. لا اقدر على التعاون معك. لم تكتب ايجابيا لتكافأ وتشتهر، ولم تكتب سلبيا لتكافأ وتشتهر».