الإعلام اللبناني يخلع ثوب الفتنة ويرتدي زي الوطنية.. فهل فات الوقت؟

مجموعة من الأعمال المصورة من بينها كليب «مش هيني الواحد يكون لبناني» تختصر معاناة الشعب وتدعو لوحدته

لقطة من كليب «مش هيني الواحد يكون لبناني» («الشرق الاوسط»)
TT

«مش هين تكون لبناني» (ليس سهلا أن تكون لبنانيا) جملة تحمل بين طيات كلماتها مسيرة حياة المواطن اللبناني مع المعاناة المستمرة والموت السريع ثم الاستنهاض من جديد ليعود وينتفض ويثبت أنه قادر على تجاوز كل الأزمات بل الانتصار عليها بجهوده الشخصية من دون منّة من أحد. هذا باختصار ما جسّده الفيلم الوطني القصير الذي تعرضه المؤسسة اللبنانية للارسال منذ اليوم الثاني لاعلان اتفاق الدوحة وحمل عنوان «مش هيّن تكون لبناني». فيلم حرّك مشاعر الكثيرين بدقائقه المعدودة، من خلال مشاهده المنتقاة من الأحداث اللبنانية والحروب المتتالية وكلماته العاطفية الوطنية أهمية أن يكون الانسان لبنانيا لأن «الواحد منا هو لبناني عن جدارة»، كما جاء في أحد مقاطع الفيلم وأكّده منفذ العمل الخبير الاعلاني رمزي النجار. نص متكامل لناحية المصطلحات المنتقاة بدقة على وقع الموسيقى التي تترافق مع المناظر الخلابة التي تتميّز بها الطبيعة اللبنانية ومشاهد حية مناقضة أخذت من الأحداث المدمرة والانفجارات التي وقعت في الآونة الأخيرة في مناطق لبنانية عدة، لكنها استعادت نشاطها بعد فترة وجيزة. وتركز بعض مشاهد الفيلم على أشخاص من مختلف الأعمار لا سيما الأطفال، تكفي ملامح وجوههم المتناقضة بين الحزن والفرح لتعبّر عما قد تعجز عنه الكلمات والحكايات. عبارات عميقة تدخل في صميم المواطن اللبناني الذي يشعر بأنه يتابع حكاية حياته الشخصية، لا سيما وأن النص قرأ بالعامية اللبنانية، فقال: «بتزرع ما بتحصد. كلن مرتاحين ما عداك. بتنزف ما بجف الدم. الأيادي كتيرة واللبناني وحدو بعمّر من لحمو ودمو... بدا قدرة وقوة مش متوفرة بحدا تاني... بدك فعلا تكون من قلب قلبك لبناني... يمكن لأنو لبنان كبير ونحنا صغار... بالاسم هني مسؤولين وأنت السائل والمسؤول... اعتز، افتخر بجهدك وتذكر انو مش هيّن تكون لبناني...». حروف وكلمات لا تحتاج الا الى لحظات تأمّل لندرك في النهاية أن حكاية كل فرد لبناني لا تشبه الا ذاتها ولا يمكن أن يتحملها الا من هو بالفعل عن جدارة لبناني. هي معاناة تمثل لسان حال كل لبناني يحاول أن يستمر رغم كل الصعوبات. يعتبر النجار أنه استطاع بهذا العمل تجسيد الهاجس الذي لطالما راوده وهو تكريم الفرد اللبناني بذاته لأنه الوحيد الذي يمثل رأسمال هذا البلد الصغير، معتبرا أن هناك اجحافا بحق هذا الفرد الذي يعيش المعاناة والصبر والتعب والتضحية والاستشهاد فيما كل الانجازات والنجاحات تنسب الى غير مستحقيها من الرموز والأسماء الكبار الذين يحتلون الأماكن الأمامية ولا يعيرون المواطن العادي اهتماما. ويشبه نجار كل مواطن لبناني بخلية قوية وجميلة ستصبح بالتأكيد أكثر صلابة اذا انصهرت في نسيجها الجماعي ووصلت الى بناء مجتمع أقوى وأنجح. ويضيف «هذا ما حاولنا التعبير عنه في هذا الفيلم القصير، لأن المطلوب هو أن تُبذل جهود مضنية لننقل قوة الفرد الى قوة الجماعة ونصل الى مرحلة نقول فيها الجوامع المشتركة بدلا من القواسم المشتركة». ويؤكد نجار أن فكرة «مش هين تكون لبناني» ليست طارئة أو مستجدة، ويقول «صورنا هذا الفيلم قبل أشهر عدة وكنا ننتظر لحظة فرح وتأمل، وليس أملا لأننا على يقين أن الأزمة لا تنتهي بمجرد اعلان نوايا، وكنا نراهن على الوقت المناسب والمزاج الوطني الإيجابي لبثه عبر الشاشة وتكريم المواطن اللبناني من خلاله، فاذا باتفاق الدوحة أتى ليكون مناسبة لتسليط الضوء على هذا الفرد الذي أظهر عن جدارة أنه لبناني، لأن الانتماء الى هذا البلد وظيفة صعبة استطاع الشعب اللبناني أن يبرع في مزاولتها». لا تقتصر هذه الصورة المعبّرة والتي تعكس حكاية اللبناني الناجحة على فيلم «مش هين تكون لبناني» انما يبدو أنه وبعدما افتقد الاعلام اللبناني صورة الوحدة الوطنية وتحول بكل وسائله الى أبواق تنطق باسم الأفرقاء السياسيين المتخاصمين طوال ثلاث سنوات متتالية، واصبح مثالا يحتذى به في ما يتعلق بالحملات السياسية والشعبية المغرضة، عاد محاولا ارتداء ثوب الهداية والمصالحة الاعلامية من خلال عدد هائل من الاعلانات التي سخرت محتوياتها ومصطلحاتها لخدمة المصالحة الوطنية وتجسيد ما أعلن عنه في اتفاق الدوحة صورة وصوتا، كتلك التي تؤكد «راجع لبنان أحلى من ما كان... كلنا أيمان بلبنان». لكن يبقى السؤال الى أي حد تتمتع هذه الاعمال التي تبثها بعض وسائل الاعلام المحلية بالمصداقية، بعدما خاض الاعلام «حروبا شرسة» لنصرة الفريق السياسي الذي ينتمي اليه؟

يرى الأستاذ في كلية الاعلام في الجامعة اللبنانية الدكتور جورج كلاس أن هذا النوع من الاعلانات أو الأفلام الوطنية يترك وقعا سلبيا على المشاهد اللبناني بدل أن يكون ايجابيا، ويعتبر أن هذه الفورة تذكّرنا بالوضع العراقي المتردي بدل أن نشعر أننا انتصرنا على مشكلاتنا وتجاوزناها. ويقول: «علينا أن نتعامل مع الواقع بتلقائية وعفوية، اذا أصررنا على تذكير الشخص باستمرار وبشكل دائم أنه بصحّة جيدة سيأتي يوم ويشعر بأنه مريض، لذا فان اللبنانيين لا يحتاجون لمن يذكرهم دائما ان السياسيين تصالحوا، لأنه على العكس فهذا دليل على أنهم في مأزق. لذا فان المواطنين سيعتادون على وضعهم الجديد يوما بعد يوم متجاوزين كل الأزمات من دون حاجة لمن يقول لهم ان زعماءهم اتفقوا». ويوضح قائلا «اعتقد أن الاعلام اللبناني اليوم هو في مرحلة المبارزة بعدما مرّ في مرحلة الفوضى ثم مرحلة الحرب الاعلامية المركزة. وان كان مسؤولو المؤسسات الاعلامية يسعون للعمل للسلام فعليهم كي يحققوا هدفهم أن يستغنوا كليا عن ألفاظ الحرب وكل ما يذكرنا بها».

من جهة أخرى، يقول نجار «الفائدة لن تكون عينية ولا مباشرة، انما بالتأكيد ستساهم في ترسيخ وعي إيجابي ومحاولة لتغيير المصير من القاتم الى المشرق». ويضيف «لكن لا بد من التأكيد أن هناك أنواعا عدة من الرسائل، بعضها علمية واضحة وذات قضية نبيلة تتوجه الى القلوب والعقول في آن معا، وبعضها الآخر هي رسائل ملغومة تعتمد على البروباغندا وتخاطب الغريزة، وهذا ما ليس مقبولا لأن اعتماده سيرخي بظلاله السلبية والهدّامة في الأوساط الاجتماعية، مع التأكيد أن الاعلام اللبناني قادر أن يستعيد دوره العقلاني وليس الغرائزي المعبئ، وعليه أن يتذكّر دائما أنه السلطة الرابعة وليس المرآة التي قد تعكس صورة مشوهة وأبشع من الحقيقة، لذا فهو قادر على أن يكون الدواء والعلاج معا».