«واشنطن بوست» تختار رئيس تحرير «وول ستريت جورنال» السابق رئيسا لها

في سبتمبر يتولى النيويوركي رئاسة أعرق الصحف الأميركية

TT

في مؤشر قوي على حدوث انتقال من جيل إلى آخر داخل واحدة من أبرز الصحف الأميركية، وقع اختيار الرئيسة الجديدة لـ«واشنطن بوست» يوم الاثنين على شخص من خارج المؤسسة لتولي منصب رئيس التحرير. ومن المقرر أن يتسلم ماركوس دبليو. بروكلي، مدير تحرير «ذي وول ستريت جورنال» سابقاً، مهام رئيس التحرير التنفيذي بـ«واشنطن بوست» في الثامن من سبتمبر (أيلول)، في وقت تشهد فيه صناعة الصحافة تحولات كبرى. ولكونه في الـ47 من العمر، يعد «بروكلي» في سن تؤهله للاستمرار في هذا المنصب لسنوات عدة مقبلة، والعمل جنباً إلى جنب مع الرئيسة «كاثرين ويماوث»، 42 عاماً، التي تولت هذا المنصب منذ خمسة شهور ماضية. ويتولى بروكلي منصبه الجديد خلفاً لـ«ليونارد داوني»، 66 عاماً، الذي تولى قيادة فريق العمل الإخباري بـ«واشنطن بوست» على امتداد 17 عاماً، ونجح في توجيه الصحيفة للحصول على العديد من الجوائز، منها ست جوائز «بوليتزر»، وهو أكبر عدد تحصل عليه الصحيفة على مدار تاريخها. إلا أن «بروكلي» و«ويماوث» يتوليان قيادة الصحيفة في وقت تواجه فيه، مثلما الحال مع الصناعة الصحافية ككل، إجراءات تخفيض في الميزانية وتضاؤل أعداد العاملين في صالة التحرير وتراجع عوائد الإعلانات ومعدلات التوزيع. من جهته، علق بن سي. برادلي، مدير التحرير التنفيذي سابقاً الذي عمل نائباً لرئيس شركة «واشنطن بوست»، على الأمر بقوله: لا أعتقد أن الاختيار يتعلق برغبتها في إحداث تحول بالمكان بقدر ما يتعلق باضطرارها لذلك، فهي تشعر بالحاجة الملحة للتغيير والتكيف، ونحمد الله على ذلك. في الوقت الحاضر، تحاول «واشنطن بوست» تحقيق تناغم بين عملياتها الإخبارية المطبوعة والمرتبطة بشبكة الانترنت ـ وهو أمر نجحت «وول ستريت جورنال» النيويوركية بالفعل في تحقيقه ـ وتحتل هذه المهمة الأولوية على رأس أجندة «ويماوث» التي تعد أول رئيس لـ«واشنطن بوست» تتمتع بسلطة السيطرة المباشرة على موقع الصحيفة على الشبكة. يذكر أن العمليتين تم الإبقاء عليهما منفصلتين بدرجة نادرة الحدوث في صناعة الصحافة ـ بل إن الموقع يمتلك صالة تحرير منفصلة في فيرجينيا ـ الأمر الذي أسفر عن حدوث ازدواجية واندلاع حروب على فرض النفوذ. وفي بيان لها، أعلنت «ويماوث» أن خبرة «بروكلي» بصحيفة «وول ستريت جورنال» تساعدنا على الإبحار بعالم الإعلام الجديد. ويأتي قرارها بتجاوز المرشحين لمنصب مدير التحرير من داخل الصحيفة واختيار «بروكلي» بعد فترة قصيرة من بدء عملها كرئيسة للصحيفة كشفت خلالها بالفعل عن عزمها إحداث تحول جوهري بالصحيفة المرموقة التي تعاني من أوضاع مالية مضطربة. وتمثل «ويماوث» الجيل الرابع من أسرتها في تولي رئاسة الصحيفة التي اشتراها جدها الأكبر، «أوجين آي. مير»، عام 1933، وتعد الخليفة المحتمل لخالها «دونالد إي. جراهام»، 63 عاماً، الرئيس والرئيس التنفيذي لـ«شركة واشنطن بوست» التي تملك مجلة «نيوزويك» وشركة «كابلان» التعليمية. إلا أن وقوع اختيار «ويماوث» على «بروكلي» تحديداً يعد مثيراً للدهشة داخل صحيفة تشتهر بتغطيتها السياسية، حيث يرى بعض المحررين والمراسلين داخل «واشنطن بوست» أن تغيير القيادة في خضم سباق انتخابي محتدم على الرئاسة ربما يؤتي بنتائج سلبية على سير العمل. ورغم أن «بروكلي» يتمتع بخبرة ضئيلة في واشنطن، فإنه ساعد داخل «وول ستريت جورنال» على الإشراف في تغطية الحملات الرئاسية وعمل من قبل كمراسل بدول أجنبية. ويؤكد زملاؤه السابقون أنه لا يجد صعوبة في التأقلم مع المجالات الجديدة. على سبيل المثال، قال ستيفن جيه. أدلر، رئيس تحرير «بيزنس ويك» والمحرر السابق بـ«وول ستريت جورنال»، إن «بروكلي» يمتلك أحد أكثر العقول ذكاءً، ولديه القدرة على تخزين قدر هائل من المعلومات والتعمق بسرعة في أي موضوع. وحتى الآن، لم تتضح ماهية الدور الذي سيضطلع به «فيليب بينيت»، الذي يأتي في المرتبة الثانية في رئاسة التحرير بعد «بروكلي»، الذي يحمل منصبه اسم رئيس التحرير الإداري وكان من المرشحين لتولي منصب رئيس التحرير. وأشار بعض الأفراد الذين ناقشوا الأمر مع المسؤولين التنفيذيين داخل «واشنطن بوست» ـ وأصروا على عدم الكشف عن هويتهم خشية إثارة غضب هؤلاء المسؤولين ـ إلى أنه يجري حالياً مناقشة إقرار ترتيبات داخل الصحيفة يتم بمقتضاها إقرار وجود أكثر من رئيس تحرير إداري بالصحيفة. كان من بين المرشحين الآخرين لمنصب رئيس التحرير التنفيذي جوناثان لاندمان، نائب رئيس التحرير الإداري بصحيفة «نيويورك تايمز»، وجون ميتشام، مدير تحرير «نيوزويك»، ودافيد إجناتيوس صاحب عمود ثابت في «واشنطن بوست». يذكر أنه عندما تولى بروكلي منصب رئيس التحرير الإداري في «وول ستريت جورنال»، وهو أرفع منصب هناك فيما يتعلق بصالة التحرير، في مايو (أيار) 2007، لقي الاختيار قبولاً كبيراً من قبل زملائه. وبعد سبعة شهور، تم شراء الصحيفة من قبل شركة «نيوز كوربوريشن» المملوكة لروبرت مردوخ. وعمد مردوخ ورئيس الصحيفة الذي عينه، روبرت تومسون، إلى إجراء عدد من التغييرات في فحوى الصحيفة وأسلوب تنظيم صالة التحرير ـ وهي تغييرات عارضها معظم العاملين بالصالة. في أبريل (نيسان) تقدم بروكلي باستقالته ليصبح مستشاراً لـ«نيوز كوربوريشن»، موضحاً أنه: لقد تولدت لدي قناعة بأن مالكي الصحيفة ينبغي أن يختاروا رئيس التحرير الإداري بأنفسهم. ثم حل تومسون محل بروكلي. وشعر بعض الزملاء السابقين لبروكلي بالمرارة لأنه لم يحارب ضد التغييرات التي أقرها الملاك الجدد للصحيفة، بينما رأى آخرون أنه كان من المتعذر عليه الاحتفاظ بمنصبه منذ البداية. ورحل بروكلي عن «وول ستريت جورنال» وبحوزته مكافأة خدمة قدرتها تقارير صحافية بعدة ملايين من الدولارات. ومن غير الواضح بعد ما إذا كان الانضمام إلى «واشنطن بوست» سيحدث تغييراً في شروط الحصول على هذه المكافأة. وقد رفض كل من بروكلي وويماوث إصدار تعليق من أجل هذا المقال. داخل «واشنطن بوست»، يقف بروكلي في مواجهة العديد من التحديات الخطيرة. منذ عام 2000، تراجعت معدلات توزيع الصحيفة على مدار أيام الأسبوع فيما عدا السبت والأحد إلى 673.000 نسخة، بعد أن كانت 800.000. ومع ذلك لا تزال الصحيفة في المركز السابع بين الصحف الأميركية من حيث معدلات التوزيع. أما موقع الصحيفة على شبكة الانترنت فيجتذب أكثر من 9 ملايين زائر شهرياً، وذلك طبقاً لما أشارت إليه مؤسسة «نيلسون أونلاين»، ما يضعها في المرتبة الثالثة بين الصحف على شبكة الانترنت. إلا أنه مثلما الحال مع جميع الصحف الأخرى، عجزت «واشنطن بوست» عن تحويل هذا الإقبال الشديد على موقعها على شبكة الانترنت إلى دولارات كافية للتغلب على خسائرها المادية الناجمة عن تراجع توزيع نسختها المطبوعة. واستجابت الصحيفة للضغوط الاقتصادية من خلال تقليص أعداد فريق عملها الإخباري مما يزيد على 900 شخص في مطلع العقد الحالي إلى قرابة 700 شخص، ومن المتوقع أن يقر المسؤولون التنفيذيون بالصحيفة المزيد من إجراءات خفض أعداد العاملين خلال السنوات القليلة المقبلة. وتكشف الإحصاءات أن قسم الصحف داخل «شركة بوست» التي تتألف في الجزء الأكبر منها من «واشنطن بوست» ذاتها، حقق أرباح تشغيل تقدر بـ1.2 مليون دولار فقط خلال الربع الأول من العام الحالي، على دخل إجمالي بلغ 206.1 مليون دولار، بانخفاض عن 14.9 مليون دولار كأرباح تشغيل عن عام مضى. وبصورة إجمالية، تواجه «شركة بوست» تهديداً أقل جراء التحولات الطارئة على الصناعة الصحافية عن غالبية الكيانات الصحافية الأخرى، نظراً لكونها أقل اعتماداً بكثير على الصحف، وتعززها شركة «كابلان» التعليمية التابعة إليها وممتلكاتها المرتبطة بوسائل الإعلام المسموعة والمرئية. وتوضح الأرقام الصادرة عن الشركة أنها حققت مكاسب بلغت 39.3 مليون دولار خلال الربع الأول، بانخفاض قدره 39% عن العام السابق، رغم تحقيق 8% زيادة في إجمالي الدخل ليصل إلى 985.6 مليون دولار. يذكر أن قيمة أسهم الشركة تراجعت بنسبة 42% عن الذروة التي بلغتها عام 2004، الأمر الذي يعكس تراجعا أوسع نطاقاً داخل الصناعة. فيما يتعلق بـ«ويماوث»، فهي حفيدة كاثرين جراهام، التي تولت لفترة طويلة منصب رئيسة «واشنطن بوست»، وابنة لالي ويماوث، مديرة تحرير «نيوزويك» ومراسلة الشؤون الخارجية. مارست ويماوث مهنة المحاماة لسنوات عديدة قبل الانضمام إلى «شركة بوست» عام 1996 للعمل كمحامية بها، وتركزت معظم خبرتها داخل الشركة بمجال الإعلان.

وقد أشار الكثير من الأفراد الذين عملت معهم أو استشارتهم ـ وطلب الكثير منهم عدم الكشف عن هويتهم خوفاً من إغضابها ـ إلى أن «ويماوث» تتميز بقدر كبير من الذكاء وتبدي عزماً واضحاً على التحرك بسرعة للتأقلم مع التحديات الناشئة عن شبكة الانترنت، منوهين بأنها أقل مراعاة لتقاليد «واشنطن بوست» عن سابقيها. وقد تحدثت ويماوث لبعض الوقت عن رغبتها في تقلد منصب داخل صالة التحرير، الأمر الذي كان سيبدو للبعض انتهاكاً للفصل التقليدي بين العمليات التجارية والصحافية، لكن المسؤولين بالشركة أوضحوا أن هذه الفكرة تم صرف النظر عنها. في أعقاب توليها مهام منصبها الجديد، أجرت ويماوث مشاورات مع عدد من الأفراد داخل وخارج الشركة بشأن مديري التحرير المحتملين. ويرى الكثير من هؤلاء الأشخاص أن ويماوث اعترفت بنقص خبرتها في المجال الصحافي وسعت بحكمة لطلب مشورة الكثير من الأفراد على نطاق واسع.

* خدمة «نيويورك تايمز»