«إدارة الإعلام».. الصحافة بمفهوم «خدمة المستهلك»

ورشة عمل تشدد على التعامل مع قطاع الإعلام كأي قطاع تجاري

TT

«إدارة الاعلام» كان عنوان ورشة عمل أقيمت أخيرا في الجامعة الأميركية ببيروت، عنوان مثير وبعيد عن الدورات والندوات الإعلامية التقليدية التي تغطي عادة مواضيع مثل «الصحافة الاستقصائية» أو «أخلاقيات العمل» أو غيرها.

وتحظى «إدارة الإعلام» بخصوصية فريدة في العالم العربي، حيث يواجه القطاع مشاكل عدة، من بينها أن كثيرا من المؤسسات العربية غالبا ما تعود ملكيتها الى سلطات رسمية او أحزاب، وبالتالي لا تتوقف عند الاستراتيجيات والاتجاهات المتحكمة بقطاع الاعلام ولا تهتم بالتنافس المهني لتضع اولويات مرتبطة ارتباطا وثيقا بـ«الشخص» وليس بالمفهوم الواسع للعمل الاعلامي الحديث.

تولى التدريب طوال ثلاثة أيام الخبير الاعلامي بول بولس الذي عمل في شركة «ليو بورنيت» للاعلانات وتلفزيون «ال بي سي» والذي يرأس شركة «سكوير وان» للاستشارات الاعلامية. واستعرض مع المشاركين المشهد الاعلامي في العالم العربي، كما قام بمراجعة الاتجاهات الاعلامية الاقليمية والعالمية، بالاضافة الى الممارسات العالمية الجيدة والدراسات والاستطلاع لما يريده المستهلك من وسائل الاعلام وأهمية بناء العلامة التجارية عبر المنصات الاعلامية وقضايا أخرى في التكنولوجيا والاعلام الالكتروني.

بولس سلط الضوء على أهمية تحليل سوق الاعلام وبناء العلامة التجارية عبر المنصات الاعلامية. وهذه المهمة تستوجب قيادة وإدارة تنفيذ وارادة لإعادة النظر في التفكير والتركيز ووضع خطة للمؤسسة الاعلامية وتعريف العاملين فيها اليها. وأوضح لـ«الشرق الاوسط» بأن «مفهوم ادارة الاعلام محور غير موجود على الخريطة الاعلامية في العالم العربي. فالاهتمام بالاعلام يقتصر على الكتابة وصياغة المضمون. في حين ان هذا القطاع لا يقوم ويستمر ويتطور بمعزل عن عامل الاستثمار، تماما مثل أي قطاع آخر. هو لا ينشأ او يستمر من العدم، وانما يدور في فضاء له حركته العملية».ويضيف: «تهدف هذه الدورة الى تعريف الاعلاميين الى المعادلة التي تتحكم بالفضاء العملي لمؤسساتهم. ومن الضروري ان يعرف هؤلاء السياق الذي يجب عليهم ان يفهموه ليتمكنوا من طرح مبادراتهم بما يفيد مؤسستهم. وبالتالي ان يجيدوا العمل داخل محيطهم».

ويشدد بولس على ضرورة وضع المستهلك في المرتبة الاولى من سلم اولويات كل مؤسسة اعلامية. يقول: «اصر على الكلمة. فالاعلام سوق استثمار مثل شركات الهاتف المحمول او اي سوق أخرى. وبالتالي يستدعي هذا الواقع التركيز في ادارة الاعلام على نقاط مركزية لتغيير المفهوم القديم لهذا القطاع». ويشير الى تعدد المقاربات لدى المؤسسة الاعلامية للوصول الى المستهلك. وهذا لا يعني ان على المؤسسة ان تنفذ سياسة «الجمهور عاوز كده» على حساب اخلاقيات المهنة ومستوى الموضوعية والحرفية. يقول: «كل هذه القيم يجب ان تبقى موجودة. ولا يتم تلبية حاجة المستهلك بطريقة تشبع غرائزيته. وانما اجد سبيلا ثالثا يشكل نقطة لقاء لما يطلبه وبما يفكر به من يرسم السياسة الاعلامية للمؤسسة. ونقطة اللقاء هذه تقودنا الى مكان جديد». وبالتالي الفرق كبير بين مقولة «الجمهور عايز كده» و«المضمون الغائب عن المستهلك» وكأن الاعلامي يعمل لنفسه ولدائرته الضيقة. فالمكان الجديد المنشود يحركه عامل التفاعل، بحيث لا يبقى العمل الاعلامي أحادي الوجهة وانما يصبح فعل مشاركة، اي ان يشارك المستهلك في صناعة الفضاء الاعلامي للمؤسسة. «ادارة الاعلام» تدرب الاعلاميين، سواء كانوا مسؤولين في مؤسساتهم او محررين لينجحوا في تقديم مادة ناجحة تثير جدلا وتفاعلا وتفتح باب النقد والحوار مع المستهلك. وهكذا تبدأ الاجابة عن امر اساسي وهو كيفية تمكين المؤسسة من العمل ليس لتأمين استمراريتها وانما لوضع خطط تحمل الرؤى او تؤمن لها التطور في المستقبل.

هنا ينتقد بولس الفجوة بين القطاع المهني والقطاع التعليمي للإعلام. ويقول ان المنحى العملي للإعلام في الشرق الاوسط معزول في شرنقته. وبالتالي يجب تجسير هذا الفجوة. ويذكر بمدى التغيير الذي طرأ على الساحة الاعلامية وعالم الاتصالات مع الانترنت الذي غير سلوك تعامل الناس مع الاعلام، كما غير اسلوب التسوق والشراء لدى الشركات والناس، ما أدى الى تحطيم بعض المؤسسات الاعلامية وتأسيس أخرى أكثر حداثة بأسلوب جديد في التفكير لضمان النجاح. الا انه ينبه من العواقب الرقمية. ثم يوضح: «الانترنت ليس وسيلة اعلام بل منصة اعلامية. وبالتالي يجب على المؤسسات الاعلامية عدم اعتبار موقعها على الانترنت نسخة أخرى أو نشرة اضافية، وهو ليس وسيلة أساسية للنشر أو الاذاعة، وانما منصة للاتصال الشخصي والتعاون. وهنا تبرز أهمية علم الشبكات لفهم الانترنت وامكانياته التي تمنح المؤسسة جماهير جديدة وتفتح لها أسواقا وآفاقا جديدة خارج نطاق الاعلام التقليدي».

بول بولس ليس أكاديميا. وانما يدرب انطلاقا من خبرته المهنية في هذا المجال، وهو يجد ان فتح حوار مع المستهلك أكثر من ضروري، لأن عدم القيام بالامر يعني ان هذا المستهلك سيسبق الوسيلة الاعلامية بعشر سنوات على الاقل ان هي بقيت في مكانها وتعمل لنفسها ولمرجعيتها التي تمولها ولدائرتها الضيقة. يقول: «مثل هذه الدورة هي الوسيلة لتغيير الذهنية الاعلامية السائدة لتتجه الى خارج نطاق المهات المحددة. فالمؤسسة الاعلامية تحتاج الى مدخول معين يأتي من الاشتراكات والاعلانات. وتغيير النظرة ستؤدي الى تغيير في دينامية العمل. والشائع في عالمنا العربي ان معظم العاملين في قطاع الصحافة يكتبون وينشرون من دون التفكير في المستهلك. لكن اذا نظرنا الى العالم الذي يواكب التغيير السريع في الإعلام، لوجدنا ان هذا التغيير يأخذ الامور من النقطة الاخيرة، اي من المستهلك والرأي العام».