عودة الحنين الى الراديو في المغرب

الإذاعات المغربية تقترب من مستمعيها عبر تقديم نشرات أخبار بالعامية

TT

بعدما ساد الاعتقاد أن عصر الاذاعة قد ولى، عاد المغاربة من جديد يحنون الى الراديو، والدليل هو تزايد عدد المحطات الاذاعية الخاصة خلال السنوات الأخيرة.

وكانت الهيئة العليا للاتصال المرئي والمسموع المعروفة اختصارا باسم «الهاكا»، قد وافقت على منح تراخيص البث لـ 10 محطات اذاعية محلية في المرحلة الاولى، تبث على موجة «اف ام»، من ضمن 31 مشروعا اذاعيا، توصلت اليه الهيئة، و3 مشاريع تلفزيونية، حصلت على رخصة بث قناة تلفزيونية واحدة هي «ميدي سات»، التي انطلقت في 1 نوفمبر (كانون الاول) عام 2006، وهي الواجهة التلفزيونية لإذاعة البحر المتوسط الدولية «ميدي 1»، التي شرعت في البث عام 1984، وهي مؤسسة برأس مال مغربي ـ فرنسي.

وفي ظل مناخ التنافس الاذاعي، بحثت كل قناة عن ما يميزها عن المحطات الاخرى، فمحطة «أطلنتيك» مثلا هي اذاعة متخصصة في شؤون الاقتصاد والمقاولات والاستثمارات، وتبث الموسيقى كذلك، وهي في ملكية شركة «ايكوميديا» التي تصدر صحيفتي «ليكونوميست» الناطقة بالفرنسية و«الصباح» بالعربية، وتغطي الاذاعة مدن الدار البيضاء والمحمدية والرباط والقنيطرة، والضواحي. اما «راديو اطلس» و«أكادير بلوس» فهما مشروعان يديرهما الصحافي المغربي عبد الرحمن العدوي المقدم السابق لنشرات الاخبار في القناة التلفزيونية المغربية الاولى، الذي اشتغل ايضا لسنوات بقناة «ابو ظبي».

والمحطتان الاذاعيتان تهتمان بمجال الترفيه والموسيقى والاخبار والسياحة. بالنسبة لمحطة «هيت راديو» ويوجد مقرها بالرباط، وهي قناة اذاعية موجهة للشباب، وتهتم بالموسيقى. أما اذاعة «شذى Fm» بالدار البيضاء لصاحبها رشيد حياك، وهو مدير شركة الانتاج الفني «تسجيلات القاهرة»، فهي قناة اذاعية عامة، تبث برامج اجتماعية ومسابقات واخبارا فنية الى جانب حصة كبيرة من الموسيقى المغربية، وتشمل التغطية مدينة الدار البيضاء والضواحي ومدينتي سطات والجديدة وضواحيهما.

ومن بين الاذاعات التي حصلت على رخص البث مجموعة «فاس اف ام» و«مراكش اف ام» و«أكادير اف ام»، وإذاعة «كاب راديو» التي تبث من طنجة (شمال المغرب)، التي استطاعت في فترة وجيزة ان تجتذب عددا كبيرا من المستمعين باعتمادها على اللهجة المحلية لأهل الشمال، الى جانب اللهجة الامازيغية الريفية، ولم تكتف هذه الاذاعة بتقديم برامجها باللهجات المحلية،بل حتى نشرات الاخبار قدمت بالعامية،فكان الامر بمثابة «صدمة» لآذان المستمعين،دفعتهم الى متابعتها بفضول اكبر.

وقبل عام التحقت اذاعة جديدة بالركب تحت اسم «اصوات» لصاحبها الاعلامي التهامي الغرفي، تبث برامجها من ستوديوهاتها بالدار البيضاء، وتلتقط في غالبية المدن المغربية، وعرفت الاذاعة نجاحا كبيرا بدورها، نظرا الى اعتمادها على كوادر صحافية، وليس مجرد هواة، ومن بينهم من كان لديه تجربة طويلة في التلفزيون مثل المذيعة سناء الزعيم، التي تخلت عن بريق الكاميرات، وقبلت ان تتواصل مع مستمعيها من وراء المايكروفون لمناقشتهم قضاياهم ومشاكلهم الاجتماعية بحرية وبلغة بسيطة وقريبة منهم، وهذا هو سر نجاح هذه الاذاعات، فالمغاربة يشعرون بأن اعلامهم لا يتحدث بلغتهم، فلغة التلفزيون تختلف عن لغة الشارع، ليس بسبب هامش الحرية المسموح به، بل بسبب نوع من التحفظ واحيانا التصنع على مستوى التعبير واللغة والمضامين، الذي يقف عائقا امام تحقيق التواصل الجيد،وهذا راجع ربما الى الرقابة الذاتية التي يمارسها الاعلاميون والمشاهدون والمستمعون على حد سواء، وان كانت الامور بدأت تسير في اتجاه التغيير الى حد ما في السنوات الاخيرة.

لكن وقبل انطلاق بث هذه الاذاعات كانت اذاعة «ميدي 1» الخاصة هي الاذاعة الاكثر استماعا، منذ انطلاقها عام 1984، وهي اذاعة عامة تعتمد على الاخبار والموسيقى، وكانت الاذاعة الوحيدة التي يسمح لها ببث الاعلانات التجارية، ثم بعد ذلك بسنوات، أي عام 2003 حصلت اذاعة «سوا» الاميركية، على ترخيص البث من الحكومة المغربية، وكذا الاذاعة المغربية الرسمية، فهل كان نجاح «سوا» التي تراجعت بدورها امام الاذاعات المغربية الجديدة، حافزا لاصحاب هذه المحطات للتقدم بطلبات انشاء اذاعاتهم الخاصة؟ يقول رشيد حياك لـ «الشرق الأوسط»: ان اذاعة «سوا» نجحت لانها جاءت في الوقت المناسب، فالمستمع المغربي كان متعطشا لسماع اذاعة جديدة، تعتمد على تقنية جيدة على مستوى الصوت، بالاضافة الى اهتمامها الكبير بالاغنيتين الشرقية والمغربية، واضاف ان المحطات الاذاعية المغربية الجديدة لا تقل مستوى عن «سوا»، لان جميع اصحاب المحطات لديهم استراتيجية اعلامية، ويمتلكون تقنية جيدة، حيث استفدنا من الخبرة الفرنسية الطويلة في هذا المجال، لذلك فجو المنافسة مفتوح امام الجميع، وكل اذاعة ستجد مكانها. وفي ظل تعدد القنوات التلفزيونية،وطغيان سلطة الصورة،كيف ستنجح هذه الاذاعات من كسب ود اصحاب الاعلانات التجارية،وتحقيق الربح طالما انها محطات اذاعية تجارية؟ يجيب حياك: ان تصبح للاذاعة المكانة التي كانت لها في السابق، ويتحلق افراد الاسرة حول الراديو كما كان الامر من زمان،مسألة صعبة جدا، في ظل تعدد المحطات التلفزيونية الفضائية، الا انها غير مستحيلة، في رأيه، والمراهنة حاليا على الاستماع الفردي للاذاعة في البيت، اوفي مكان العمل، او في السيارة او التاكسي وحتى الحافلات، كما نراهن على ان تكون الاذاعة قريبة جدا من المستمعين، بحيث يمكنهم المشاركة في جميع برامجها عبر الاتصالات الهاتفية.

اما بخصوص المداخيل، فقال حياك: انه لا يمكن الحديث عن تحقيق ارباح ، بعد فترة قصيرة من البث، فالامر يحتاج الى وقت حتى تحقق الاذاعة شعبية واسعة، وبالتالي تحظى بثقة المعلنين.

من جهته، قال كمال لحلو، صاحب مؤسسة «نيو بوبليسيتي» الاعلامية، التي حصلت على تراخيص بث اذاعات «اف ام» الجديدة: «أطلس»، و«سوس»، و«سايس» بالاضافة الى «كازا اف ام»: ان تحرير الاعلام المرئي والمسموع، يعتبر قفزة نوعية ومحطة مهمة لا تقل اهمية عن الاحداث الكبرى التي عرفها المغرب، مثل انشاء هيئة الانصاف والمصالحة، وتغيير قانون الاسرة، مشيرا الى ان عددا قليلا من الدول العربية استطاعت تحقيق هذه الخطوة.

واوضح لحلو ان نجاح تجربته راجع الى عدد من النقاط، يأتي على رأسها التواصل المباشر مع المستمعين عبر المكالمات الهاتفية من خلال عدد من البرامج التي تبث على الهواء مباشرة، حيث اثبتت هذه التجربة درجة التزام ووعي المستمع المغربي بقضاياه المحلية، كما تستضيف هذه البرامج، من حين لآخر مسؤولين كبارا للاجابة عن تساؤلات السكان. وتلائم الاذاعات برامجها مع الفصول، والمواسم مثل شهر رمضان والاعياد الدينية والوطنية.

والى جانب البرامج المحلية، تبث الاذاعات برنامجين عن هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي)، وهما البرنامج اليومي «حديث الساعة» الذي يعنى بالشؤون الدولية والعربية،وبرنامج «بي بي سي اكسترا» وهو برنامج اجتماعي وثقافي، حيث يحقق البرنامجان نسبة استماع عالية، على حد قوله.