معركة «غوغل» و«فياكوم».. بين «مطرقة» حقوق الملكية و«سندان» الخصوصية

القضية الإعلامية قد تتسبب في كشف معلومات عن ملايين المستخدمين حول العالم

صفحة غوغل الرئيسية منعكسة على عين أحد مستخدمي الانترنت (رويترز)
TT

شغلت قضية المعركة القضائية المشتعلة بين شركتي «غوغل»، صاحبة محرك البحث الشهير على الإنترنت الذي يحمل اسمها وموقع «يوتيوب» لملفات الفيديو، و«فياكوم» التي تملك ستوديوهات كبيرة، مثل «باراماونت بيكتشرز» و«دريمووركس» ومحطات تلفزيون مثل «ام. تي. في»، المتابعين لقضايا الإعلام حول العالم أخيرا. ولمن لم يتابع تفاصيل القضية من أولها، فقد رفعت أخيراً شركة «فاياكوم» دعوى قضائيّة بقيمة مليار دولار ضدّ شركة «غوغل» بسبب رؤيتها أنّ موقع «يوتيوب» الذي تملكه شركة «غوغل» يتعدى بشكل كبير على حقوق ملكيّة الشركة بسبب عدد كبير من ملفات الفيديو الموجودة عليه، والتي يحملها ملايين المستخدمين حول العالم.

وترى الشركة أنّ حوالي 160 ألف «كليب» غير مرخص من برامج شركة «فياكوم» موجود على الموقع، وشاهده أكثر من مليار شخص ونصف المليار.

لكن ما يزيد من أهمية هذه القضية هو ليس كونها قضية مرتبطة بانتهاك حقوق الملكية الفكرية لإحدى أكبر شركات الإعلام في العالم وحسب، أو كونها مؤشرا جديدا حول استمرار تشكل «النموذج» الجديد للإعلام رغما عن مئات القضايا المشابهة، التي كان أبرزها قضية «نابستر» عام 1999. لكن ما يزيد من أهمية هذه القضية هو أنها تسلط الأضواء مجددا على موضوع شائك للغاية وبشكل غير مسبوق، والحديث هنا هو عن مصير المعلومات الشخصية للملايين من مستخدمي الإنترنت، وفي هذه الحالة تحديدا ما يتعلق بمستخدمي موقع «يوتيوب». ذلك لأن «فياكوم» طالبت المحكمة بإجبار «غوغل» على تسليم معلومات من قاعدة بيانات موقع «يوتيوب» التي تحدث في كل مرة يشاهد فيها شخص أي «كليب» على الموقع، وتشمل المعلومات المطلوبة بحسب ما أوردت التقارير الإعلامية: أسماء الـ«يوزرنايم» للمستخدمين (بالنسبة للأشخاص المسجلين كمستخدمين في «يوتيوب»)، أو عنوان الـ«آي. بي» بالنسبة لغير المسجلين. وبحسب ما أوردت التقارير الإعلامية فإن «فياكوم» تقول إنها تريد هذه المعلومات لأنها تريد أن تثبت كم مرة تم مشاهدة ملفات الفيديو التي تعتبرها ملكا لها دون إذنها. وقد أصدرت «فياكوم» بيانا جاء فيه «انه من المؤسف اننا اضطررنا للذهاب إلى المحكمة لحماية حقوقنا وحقوق الفنانين المتعاقدين معنا والذين يعتمدون علينا» مضيفة «لقد وضعتنا غوغل في هذا الموقع بسبب استمرارها في الدفاع عن تصرفاتها غير المسؤولة وغير القانونية المتعلقة بانتهاك حقوق الملكية الفكرية». وحول المخاوف تجاه القرار الذي تسعى «فياكوم» لاستصداره بخصوص معلومات المستخدمين، أوضح البيان: «فياكوم لم تطلب ولن تحصل على أي معلومات تكشف هوية أي مستخدم»، مضيفا: «أي معلومات يحصل عليها مستشارونا، التي لن تتضمن معلومات تكشف هويات شخصية للمستخدمين، سيتم استخدامها حصريا من أجل إثبات موقفنا ضد يوتيوب وغوغل، كما سيتم التعامل معها بسرية مطلقة». من جهتها فضلت شركة «غوغل» عدم التعليق لـ«الشرق الأوسط» حول القضية، ولا ذكر كم عدد مستخدمي موقع «يوتيوب» في العالم العربي (المشمولين في القضية بطبيعة الحال لأن أمر المحكمة يشمل جميع المستخدمين حول العالم) مكتفية بإرسال نسخة من تصريح مستشارتها القضائية العليا، كاثرين لاكافيرا، جاء فيها: «فيما نحن سعداء بأن المحكمة رفضت إعطاء فياكوم حق الوصول إلى ملفات الفيديو الخاصة بالمستخدمين ومعرفة التقنية التي نستخدمها في البحث، فإن أملنا خاب نتيجة اعطاء المحكمة لفياكوم حق الاطلاع على تاريخ المشاهدة»، مضيفة «نطلب من فياكوم احترام خصوصية المستخدمين والسماح لنا بتحليل المعلومات قبل توفيرها بحسب أمر المحكمة». من جهته يقول كريم صيقلي، وهو مؤسس شركة الاستشارات التسويقية الإلكترونية «E-com Lebanon»، لـ«الشرق الأوسط» انه على الرغم من كون «فياكوم» و«غوغل» تدعيان الحرص على خصوصية المستخدمين، فإنه يجب الكشف بشكل واضح للغاية ما هي المعلومات التي سيتم تناقلها بينهما، ذلك لأن غالبية المستخدمين لا يفهمون الشؤون التقنية. لكن هنا يطرح سؤال بديهي نفسه، وهو لماذا تحتفظ مواقع الانترنت بمعلومات مثل هذه عن مستخدميها في جميع الأحوال؟ أما الإجابة التي ستسمعها على الأرجح حول هذا السؤال هو أن هذه المعلومات تستخدم لتحسين الخدمة، وهو ما كان مؤسس «غوغل» لاري بايج كرره في جلسة خاصة شملته وشريكه سيرجي برين ورئيس مجلس إدارة «غوغل» إيريك شميت مع الإعلاميين في مايو الماضي بلندن وحضرتها «الشرق الأوسط»، وأوضح لاري أن هذا الامر يعد في مقدمة اهتمامات الشركة، مضيفا «عليكم أن تثقوا بنا.. بدون الثقة لا عمل لنا»، وموضحا أن الشركة تخسر أكثر مما تربح في حال فقدت ثقة المستخدمين. وأوضح أن الشركة تحتفظ بـ«تاريخ بحوث» شخصية لأغراض تحسين الخدمة وتوفير خدمات أفضل، وأن هناك أخطارا أكبر بكثير تكمن في ما يقوم كثيرون بنشره عن أنفسهم من صور ومعلومات على مواقع التعارف الاجتماعي على سبيل المثال.

هذا فيما يوضح صيقلي أن الغرض الآخر هو الاستفادة من هذه المعلومات لبيع الإعلانات، بحيث تساعد هذه المعلومات في معرفة اهتمامات وتوجهات المستخدمين في مناطق وفئات عمرية معينة. وبالعودة إلى موضوع انتهاك الملكية الفكرية، ثمة سؤال آخر يطرح نفسه هنا... فهل فوز «فياكوم» بالقضية ينهي مشكلة «تسريب» ملفات الفيديو «المملوكة» لجهات إعلامية إلى الإنترنت؟ التاريخ الحديث يقول إن ذلك غير وارد، فمخالفة وتغريم خدمة «نابستر» لملفات الموسيقى الرقمية في مطلع القرن الحالي لم يوقف المستخدمين من تحميل وتبادل الأغاني بشكل غير قانوني، وإن كان «نابستر» نفسه قد توقف عن كونه الوسيلة، فقد وجد المستخدمون مئات الطرق الأخرى. ويرى كريم صيقلي انه بالرغم من أن شركات الموسيقى والأفلام كانت من كبار المتضررين بسبب تسريب المحتوى عبر الانترنت خلال السنوات الأخيرة، إلا أن تطبيق القانون في هذه الحالة يتطلب موارد وجهودا مكثفة، وفي كل بلدان العالم. لذلك، يضيف صيقلي بأن الحل الذي وجدته عدة شركات إعلامية ونظيرتها في مجال الإنترنت هو التشارك في الأرباح. فإذا لماذا اختارت «فياكوم» أن تقاضي «غوغل» بدلا من العمل معها كما هو الحال مع شركات إعلامية كبرى باتت توقع عقودا مع «يوتيوب» لبث محتوى مرخص وإزالة المواد التي تنتهك حقوق الملكية الفكرية كما هو الحال مع هيئة الإذاعة البريطانية «بي. بي. سي» على سبيل المثال؟ يجيب جيرمي زويغ، نائب رئيس «فياكوم» لشؤون الإعلام، في رسالة إلكترونية لـ«الشرق الأوسط»، بالقول: «يعد يوتيوب موقع ملفات الفيديو الوحيد تقريبا الذي لم نتمكن من توقيع اتفاقية مصالح متبادلة معه»، مضيفا «نحن نفضل العمل مع شركائنا في التوزيع، ولدينا اتفاقيات مع مواقع عدة مثل ماي سبيس، وديلي موشن، وفيوه وغيرها». ولعل الخلاصة تكمن في مفارقة لافتة، فـ«غوغل» في موقع لا تحسد عليه حاليا، فهي عند الالتزام بقرار المحكمة تتعرض لخصوصيات مئات الملايين من مستخدمي «يوتيوب» حول العالم، وعند عدم الالتزام تكون قد أقرت بكونها تنتهك حقوق الملكية الفكرية للشركات المنتجة للمحتوى.