«ضيوف الفضائيات»: تخصصات فضفاضة تتوسع وتتضيق بحسب الحدث

من كاتب ومحلّل سياسي إلى خبير استراتيجي واقتصادي... وصولا إلى من يجمع بين كل هذه الالقاب

TT

صفات رنّانة بالخط العريض تملأ الشاشات معرّفة بالمتكلمين. وجوه جديدة وأخرى ألفها المشاهدون واعتادوا عليها في أيام الأزمات تنتقل من وسيلة إعلامية الى أخرى. تحليلات واستنتاجات تصل الى درجة «التنبؤات الأمنية والسياسية» لا تعكس الا توجهات قائلها، مع تبدل في المواقف بما يناسب توجه المحطة. هذا هو باختصار واقع الإعلام العربي «التحليلي» المتّبع على منابر محطات التلفزة وينسحب في بعض الأحيان على صفحات الصحف. فالكثير من التعريفات تطلق على «ضيوف الهواء ونجومه»، وغالبا ما تبدأ بلقب المحلل السياسي والخبير الاقتصادي أو الاستراتيجي والعسكري، وقد تطل علينا التعريفات بصيغة أخرى، بحيث ينتقل اختصاص الخبير او المفكر او المحلل او العضو في مركز الدراسات الاستراتيجية من الشؤون الفلسطينية واللبنانية الى العراقية وربما الصومالية او السودانية، وذلك على إيقاع الاحداث والملفات الساخنة، ومن دون أن يتسنى للمتابع معرفة مصدرها أو «القدرات والخبرات الخارقة» التي تميز هذا المحلل عن غيره وتمنحه هذه الصفة أو تلك. مع العلم أنه ليس غريبا أن تتغير الصفات مع تبدل الأحداث وتبقى الوجوه نفسها من دون تغيير. هذا الواقع يطرح ويستدعي السؤال عن مدى الخبرات المتراكمة التي تمنح هذا الشخص او ذاك صفة المحلل او الخبير ومن يطلقها عليه؟. الملاحظة الاولى هي ان هذه الميول التحليلية التي تبرز فجأة، تغذيها الأزمات العربية المتلاحقة، لا سيما عندما لا تجد وسائل الاعلام طريقة لملء ساعات التغطية الا باستضافة المحللين والوقوف على آرائهم التي تترك للمتابع انطباعا وكأنه يستمع الى ناطقين اعلاميين بأسماء الأحزاب. ومما لا شك فيه أن تخمة البرامج السياسية التي تغزو الفضائيات العربية فرضت هذا الواقع التنافسي الذي فرض بدوره مهمة البحث عن ضيوف يفون بالغرض وان لم يكونوا بالمستوى المطلوب أحيانا. والمعروف ان هذه التحليلات تدخل ضمن سياق النشرات الاخبارية، حيث الاستضافة لا تتعدى الدقائق المعدودة في محاولة من القسم الاخباري إغناء معلوماته على ألسنة اشخاص يحملون صفة خبراء أو محللين.

يقول الكاتب والباحث والخبير العسكري العميد المتقاعد إلياس حنا: «هناك نوعان من الخبراء، الأول يتمتع بخلفية عملية ويدعمها بالثقافة الأكاديمية النظرية، والثاني يعتمد على خلفيته الأكاديمية ويطوّر نفسه نظريا بالمتابعة والقراءة الشاملة». ويضيف «المعرفة السطحية وكتابة عدد قليل من المقالات لا تكفي لتجعل الشخص خبيرا أو محللا». ويشدد على ضرورة أن يكون الخبير مُلماً بالموضوع الذي يتحدث عنه من جوانبه المرتبطة بتاريخه وظواهره ومؤشراته ليصبح قادرا على ترقب ما ستؤول اليه الأحداث، وكي يفهم الماضي والواقع واستنتاج صورة المستقبل بطريقة مميزة تعطي المتابع معلومات جديدة وخاصة، نابعة من جهد هذا المحلل أو الخبير الشخصي.

أما مدير الأخبار والبرامج السياسية في الفضائية اللبنانية (LBCI) مروان المتني فيميز بين نوعين من المحللين والخبراء. ويقول: «بعضهم اعتاد الظهور عبر وسائل الاعلام والبعض الآخر لم يعتد على الأمر، وهنا تكمن أهمية عين المعدّ التي تقدّر أداء النوع الأول ووضعه في المكان والوقت المناسبين بحسب التركيبة العامة التي يحتاجها البرنامج. أما في النوع الثاني الذي يضم أشخاصا لهم خبرتهم في مجال معين ولم يسبق لهم أن ظهروا عبر الشاشة، فتقع على معدّ البرنامج مسؤولية المخاطرة بالأمر، فيضطر الى الاعتماد على حدسه من خلال الحديث القصير الذي يجريه معه عبر الهاتف قبل استضافته، مع العلم أن الحماس الزائد قد يورّط المعدّ ويتحوّل الى مشكلة على الهواء».

ويعتبر المتني أن 90 في المائة من هؤلاء الضيوف خرجوا عن الحيادية التي يفترض أن يتمتعوا بها، ويضيف: «لذا أحرص في البرامج السياسية على استضافة محللين يمثّلون الطرفين، وفي كثير من الاحيان أدعمهم بشخص ثالث حيادي. اما في نشرة الأخبار، ونظرا لضيق الوقت، أكتفي بالحيادي للاضاءة على موضوع معين». ويؤكد أن صفة المصداقية التي يتمتّع بها بعض المحللين تظهر من خلال الاداء في طرحه للمواضيع ومواجهة المسؤولين ليدافع عن رأيه بصدق، كما يتميز مثل هذا الضيف باطلالاته على محطات متنوعة بانتمائها السياسي ولا يقتصر ظهوره على وسيلة من دون اخرى. وفي ما يتعلّق بالصفات التي يعرّف بها الضيوف يقول المتني «أتجنّب استضافة من يقولون عن أنفسهم انهم مفكرون ومحللون استراتيجيون وغيرها من الصفات الفضفاضة، ورغم طرحي السؤال عن الصفة التي يفضلون أن يعرّفوا بها عن انفسهم الا انني لا التزم بما يطلبونه وأعرّف عنهم بما اراه مناسبا مع تخصص كل ضيف وقدراته». ويؤكد أن مسألة تقاضي المال بدل الظهور على الشاشة مسألة عادية مع الضيوف الأجانب وهي تتراوح بين 200 و400 دولار في حين أنها لم تتّبع حتى اليوم مع الضيوف العرب. من جهته يعتبر الأستاذ في كلية الاعلام في الجامعة اللبنانية الدكتور جورج صدقة أن الواقع الاعلامي يعكس الفرز السياسي والطائفي المستشري، الأمر الذي انسحب على المحللّين الذين فقدوا حياديتهم. ويعرف المحلّل بالشخص المتخصص في مجال محدد أو خبير بموضوع معين استمد خبرته من تجربة شخصية عايشها أو ينقل معلومات محددة بصفته شاهداً على الحدث. ويضيف «المشكلة الحاصلة في وسائل الاعلام العربية هي اعتمادها مبدأ تعبئة وقت الشاشات، ولأن الانتاج الوثائقي والدرامي مكلف جدا، لا تجد هذه المحطات وسيلة الا أوفر السبل المتمثلة باستضافة اشخاص لتثير فضول الناس قبل التأكد من مدى قدراتهم وخبراتهم، ومن دون أن يتكبدوا أي خسائر مادية، وهذا ما يدل على الممارسة الخاطئة للمفهوم الاعلامي الذي تعتمده هذه الوسائل والتي تخرج عن مبدأ الاضاءة التثقيفية لتصبح عملية غسل دماغ وترويج قناعات».

ويعتبر حنا أن ظهور المحلل أو الخبير عبر وسيلة اعلامية هو سلاح ذو حدين اما أن ينجح ويثبت نفسه أو ان يفشل ويقضى عليه، وذلك يعود الى عوامل عدة من ثقافة الضيف الشاملة وقدرته على التحليل الى شخصيته الكاريزماتية أو عدمها. ويؤكد انه على الخبير والمحلل أن يتمتعا بالحيادية لأن الانحياز يفقدهما هذه الصفة، لذا عليه ان يعطي رأيه بمهنية من دون اتخاذ موقف من الأطراف، لأن مهمته توضيحية وتحليلية وتثقيفية معمقة من دون تجاهل رأي الأغلبية. ويوضح حنا ضرورة تقاضي الخبير والمحلل بدلا ماليا مقابل ادلائه بتحليله وخبرته التي تدخل في اطار حق الملكية الفكرية «عندما تعطيني حقي يجب أن أعطيك نوعية جيدة». ويؤكد أن هذه السياسة لا تزال مقتصرة على المحطات العربية الفضائية ولكنها لم تتّبع لغاية الآن في المحطات المحلية. الاعلامية في محطة الجديد (NEW TV) التي تقدم البرنامج الحواري السياسي «في الممنوع» كاترين حنا تختار ضيوفها المحللين والخبراء وفقا لمن يخدم بخبرته موضوع الحلقة. وتقول: «في بعض الأحيان يهمني اختيار من يحسب على طرف دون آخر بغض النظر عن رأيي الخاص به ان لم يكن موضوعيا أو ليس مهنيا، خصوصا أن بعض المواضيع تحتاج الى من هو متطرف في آرائه، ولكن من جهة أخرى المواقف السياسية في بعض المواضيع كتلك المتعلقة بالملف النووي الإيراني مثلا، لا تقدّم ولا تؤخّر فأحاول قدر الامكان الاستفادة من خبراتهم من دون التطرق الى التوجهات السياسية».

ويرى صدقة أن خروج المحللين السياسيين عن الحيادية وانحيازهم الواضح جعل وسائل الاعلام تحاول تأمين التوازن بين الآراء، وبالتالي تعمد الى استضافة اشخاص معروفين باختلاف توجهاتهم. ولكنه يعتبر في الوقت عينه أن هذا النوع من البرامج لا يمكن أن يكون حياديا لا بمفهومه ولا بآلية عمله. ويقول: «الوقت الطويل الذي يخصص لهذا المحلل أو ذاك الخبير يخرجه من مهمة العرض والتحليل ويجعله حكما في وضع يعبّر فيه عن آرائه الشخصية وعواطفه ومشاعره التي لا تمت أحيانا الى المهنية بصلة وتصبح في خانة الترويج السياسي، على خلاف الأسلوب المعتمد في وسائل الاعلام الأجنبية، حيث تقتصر استضافة الاشخاص على دقائق معدودة للاضاءة على الموضوع أو توضيح وجهة نظر معينة، مع العلم أن توضيح مسألة ما يجب أن تكون من مهمة ممثل الجهة التي لها علاقة بالحدث كي لا تدخل في اطار التوقعات».

وتعتبر كاترين حنا أن عدد المحللين والخبراء الحياديين قليل مقارنة بأولئك المحسوبين على طرف دون آخر. وتقول: «وجود المحلّل أو الخبير في البرنامج ضروري نظرا لمعلوماته التوضيحية الشاملة التي يقدمها للمشاهدين». وفي حين تؤكد أن مهمة انتقاء الضيوف في برنامج «في الممنوع» تقوم بها بنفسها فتلجأ الى اختيار من تراه مميزا ويمنح الحلقة نكهة خاصة، قد تضطر في بعض الأحيان لاستضافة أشخاص دون المستوى المطلوب لناحية الخبرة والحيادية في البرنامج الصباحي «الحدث» الذي تتناوب على تقديمه مع زملاء لها في المحطة بعدما يكون فريق الاعداد قد اختار هوية الضيف». وتؤكد أن السياسة التي تتبعها المحطة لا تعتمد مبدأ دفع البدل المالي للضيف، «مع العلم أن بعض الضيوف غير اللبنانيين يطالبون بذلك، لكننا نوضح لهم الأمر في البداية».

أما في ما يتعلّق بتحديد الصفات التي تعرّف بالضيف، فتقول: «نطرح عليه هذا السؤال ونعرّف به بالصفة التي يرتئيها، لكن معظمهم يفضّلون صفة كاتب ومحلل سياسي أو محلل استراتيجي التي تكون فضفاضة ولا تناسب عدداً كبيراً منهم لأنها أكبر من الحقيقة والواقع الملموس».