.. وفي مصر ظاهرة «احتكار الضيوف» من قبل القنوات إلى انتشار

TT

تفخر كل قناة فضائية بأن تضع عبارة «حصريا» على شاشتها، وتعود الجمهور العربي أن يستمع إلى تلك الكلمة بشكل متكرر، ممزوجة ببعض التباهي عند عرض إحدى الفضائيات مسلسلا أو فيلما جديدا أو عند الإعلان عن الانفراد بنقل بطولة مهمة في كرة القدم لتشجيع الجمهور على التسابق للاشتراك في القناة خاصة لو كانت مشفرة. وشيئا فشيئا حتى يصبح ضيوف البرامج من فنانين ونجوم ومحللين رياضيين وسياسيين، وغيرهم تحت لافتة «حصريا» وكأن ثمة تعاقدا سريا، أو غير مرئي لاحتكار الضيوف. في مصر ظهرت «موضة» احتكار الضيوف لأول مرة مع انطلاق بعض الفضائيات الرياضية واشتراطها على محلليها الرياضيين عدم الظهور على شاشات أخرى، ومنحتهم مقابل ذلك أجرا مجزيا، لتضمن استقطاب جمهور هؤلاء المحللين لها، ثم امتدت الظاهرة لتشمل احتكار بعض المحللين السياسيين في بعض القنوات الإخبارية، وتحديدا بعض المتخصصين في ملف الجماعات الإسلامية الراديكالية، ثم انضم للركب علماء الدين فوقع بعضهم عقود احتكار، في ظل نسبة المشاهدة للقنوات الدينية والتنافس بينها لنيل جزء من كعكة الإعلانات المغرية، ثم اتسعت الظاهرة بشكل أكبر وشملت بعض الصحافيين ممن يقدمون قراءاتهم للصحافة اليومية، ودخل كذلك الممثلون والمطربون تحت هذا البند، حيث تخضع استضافة بعض الفنانين في الفضائيات المختلفة لإشراف الشركات المنتجة، والتي قد تجبر نجومها على الظهور في قنوات بعينها دون الأخرى.

الصحافي نبيل عمر نائب رئيس تحرير الأهرام الذي يطل على شاشة فضائية (الساعة) بشكل حصري لتقديم تحليلاته للأحداث الجارية، لا يسمي الأمر احتكارا، بل يراه تقديرا ملائما لوقته وجهده من قبل (الساعة) فإذا كان هناك الحافز المادي، فلماذا أظهر مجانا وبشكل غير منتظم، ما دامت إحدى القنوات ستوفر لي الأمرين الحافز المادي والانتظام في الظهور، بالإضافة للتقدير المهني.

لا يمثل الأمر في ظن عمر مشكلة ما دامت المحطة تحتكره في مجال بعينه فقط فهناك - بحسب تأكيده - مجالات وموضوعات أخرى من الممكن أن يتحدث عنها في فضائيات مغايرة.

الظاهرة بحسب نائب رئيس تحرير الأهرام، إيجابية تصب في مصلحة الإعلامي وتحوله إلى نجم، لكن قبل هذا يجب أن يكون هذا الشخص له قيمة حتى تتسابق عليه الفضائيات، والتي لولاها لما تم احتكاره، فمثل كرة القدم الأمر احتراف وذلك يعني الإجادة.

خالد صلاح رئيس تحرير جريدة «اليوم السابع»، أطل بداية على شاشة فضائية OTV كضيف، ثم تحول تدريجيا إلى مذيع بجوار المذيع الأصلي للبرنامج الذي يظهر فيه، صلاح يرفض تسمية عقده مع القناة بعقد احتكار، رغم أنه يرى أن من حق المحطة ذلك، ويضرب مثلا بأنه لا يوجد صحافي يعمل في جريدتين في وقت واحد.

وفي اعتقاد محمد فوزي الذي يعمل منتجا فنيا للبرامج في إحدى الفضائيات أن أسباب اتجاه القنوات الرياضية المصرية إلى احتكار ضيوفها ومنعهم من الظهور في برامج أخرى إحساسها بالعجز عن احتكار بطولات رياضية في ظل التنافس بين الشبكات الكبرى مذكرا بمشهدين شهيرين في الشارع المصري أولهما احتشاد المصريين على المقاهي لمشاهدة مباريات كأس العالم الماضية عام 2006 التي أقيمت في ألمانيا واحتكرت إذاعتها شبكة art والمشهد الثاني احتشادهم طلبا لمشاهدة كأس الأمم الأوروبية الأخيرة بعد أن احتكرتها فضائية الجزيرة الرياضية. وأضاف فوزي: القنوات الرياضية تفعل هذا مع النقاد والمحللين ونجوم الكرة السابقين نظير أموال طائلة كان من الممكن أن توجه لشراء البطولات.

ويعتبر فوزي أن فضائية «مودرن سبورت» المصرية سباقة في مجال احتكار الضيوف وتحاول قناة «الحياة» حاليا، وفي ظنه أن كلمة احتكار توغلت بشكل غير مسبوق في عالم الفضائيات العربية سواء فيما يتعلق بالضيوف أو البطولات أو النجوم وذلك له مردود سيئ على المشاهد بحسب تعبيره.

كلمة السر في موضوع الاحتكار هو المقابل المادي في رأي خالد فاروق مدير الإنتاج بإحدى الفضائيات، مشيرا إلى أن للاحتكار ثمنا ماديا باهظا يتلقاه المطرب من الشركة المنتجة وفي مقابل ذلك يوقع عقدا يتضمن بنودا تتحكم في عدد مرات ظهوره في الفضائيات وحفلاته وإعلاناته وإذا خالفها عليه دفع غرامة مالية ضخمة، «فالمال كل شيء».

أما الدكتور حسين أمين أستاذ الإعلام بالجامعة الأميركية، فيرى أن السبب في بروز ظاهرة احتكار الضيوف كثرة الفضائيات والتنافس الشرس بينها، وهو يراها ظاهرة إيجابية وتؤسس للنجومية بشرط معرفة من هو النجم الحقيقي، فبحسب أمين يضفي الإعلام العربي أهمية مبالغ فيها على الفنانين تحديدا، فهم أكثر الفئات ظهورا بشكل حصري في الفضائيات وذلك يرسب ثقافة داخل وجدان المجتمع العربي أن هؤلاء هم النجوم الحقيقيون، مشيرا إلى أن احتكار الإعلام للمحللين السياسيين والصحافيين يعيد التوازن إلى المجتمع في المفهوم الحقيقي لكلمة نجم.

ولفت أمين إلى أن ظاهرة احتكار الضيوف تصب في مصلحة المشاهد والضيف والقناة أيضا، فهي في مصلحة المشاهد لأنه يتوجه مباشرة إلى القناة التي يريد أن يسمع فيها نجمه المفضل ويستطيع الاستحواذ على المعارف التي يريدها، وفي مصلحة القناة الفضائية لأنها ستتمكن من المنافسة ونيل اهتمام المشاهد، وهو في صالح الضيف لأنه بجوار التقدير المادي هناك التقدير المعنوي. وأشار أمين إلى أن احتكار الضيوف يعطي للفضائيات بعض الخصوصية في عصر التعددية مضيفا: إذا كان هناك رجل دين يتحدث جيدا وله جمهوره فلا مانع من أن تحتكره إحدى القنوات حتى تضمن استقطاب عدد كبير من المشاهدين ومتابعي الرجل إليها.