كيف خطف «فارس الظلام» الأضواء؟

صالات السينما تعرض الفيلم الجديد في ساعات الفجر الأولى لمواكبة الطلب المنقطع النظير

أحد الملصقات الترويجية لفيلم «فارس الظلام» («الشرق الاوسط»)
TT

هناك «جنون البقر» و«انفلونزا الطيور».. لكن يبدو أن أحدث «حمى» أصيب بها العالم ترتبط بالوطاويط، والحديث هنا هو بالتأكيد عن الفيلم الهوليوودي الجديد «ذا دارك نايت» (فارس الظلام) الذي يتحدث عن مغامرات الشخصية الكارتونية الأميركية الخيالية الشهيرة «بات مان» (الرجل الوطواط) والذي اكتسح صالات السينما في دول عدة.

وقبل أيام تناقلت وكالات الأنباء خبر تحطيم الفيلم الجديد للرقم القياسي في صالات السينما الأميركية، حيث حقق في عطلة نهاية الأسبوع الأولى لطرحه في الولايات المتحدة أكثر من 158 مليون دولار، فيما تجمع المئات مساء الثلاثاء الماضي في ساحة «ليستر سكوير» بالعاصمة البريطانية لندن لمشاهدة حفل افتتاح الفيلم الذي حضره مخرجه كريستوفر نولن وعدد من أبطاله من بينهم كريستيان بيل الذي يلعب دور «بروس واين/بات مان» للمرة الثانية. وفي استعراض بسيط للحال في الولايات المتحدة منذ الأسبوع الماضي، يذكر أنه لم تكف اكثر من 4000 صالة سينما حول البلاد، ونحو 100 صالة سينما تعرض بنظام «آي- ماكس» الفائق الجودة لتغطية الطلب الشديد (حيث بدأ الناس يحجزون أماكنهم من إبريل الماضي) فاضطر اصحاب الصالات الى عرض الفيلم في ساعات متأخرة من الليل وحتى ساعات الصباح الأولى، واضطر محبو «بات مان» إلى اللجوء إلى «السوق السوداء» المتمثلة في مواقع المزادات الإلكترونية كي يتمكنوا من شراء التذاكر بعد أن بيعت جميع الأماكن، دافعين مبالغ وصلت الى 5 أضعاف السعر الأصلي، حيث يطلب بعض الباعة 60 دولارا للتذكرة الواحدة. ويتوقع أن يتكرر الحال نفسه في المملكة المتحدة، حيث تبدأ عروض الفيلم رسميا من الغد، وبزيارة موقع سينما «آي – ماكس» على الانترنت يتبين ان جميع الأماكن (485 مقعدا) في غالبية العروض قد بيعت سلفا حتى الثالث من أغسطس المقبل، باستثناء بعض العروض الخاصة مثل عرضي الثانية والنصف والخامسة والنصف صباحا (فجرا) في عدد من هذه الأيام. لكن ما هو «سر» هذا الإقبال الشديد على فيلم «الرجل الوطواط» الجديد؟ بعيدا عن الحملة التسويقية المتعددة الوسائط التي نفذتها ستوديوهات «وارنر بروذرز» المنتجة للعمل السينمائي.. لا بد من التوقف قليلا عند «بات مان» كماركة، وعند أبطال مجلات المغامرات المصورة (كوميكس) الأميركية، مثل «سبايدرمان» (الرجل العنكبوت) و«سوبرمان» الذين تحولوا إلى ظاهرة أخيرا في عالم السينما.

وبالنظر إلى غالبية هذه الشخصيات، نجد أنها تتشارك في صفات عدة مع أكبر الماركات في العالم، فمثلا كما لمشروب «كوكا كولا» اسم آخر تعرف به لدى محبيها وهو Coke يعرف «باتمان» بـ«فارس الظلام» و«سبايدرمان» بـ«سبايدي». وكما لـ«كوكا كولا» علامة تجارية أو «لوغو» يميزها، فكذلك هو الحال مع «بات مان» حيث بات رسم الوطواط داخل الدائرة شعارا يميز الماركة (وكذلك حرف الـ S في حالة الحديث عن «سوبرمان»). من جهة ثانية، وفي اشارة إلى جاذبية الماركة حول العالم، فكما تلاحظ عند شراء عبوة من المشروب الغازي في بلد عربي أو أوروبي، فإن الكتابة عليها ستكون باللغة المحلية، كذلك هو الحال مع مجلات الـ«كوميكس» أو الأعمال التلفزيونية أو السينمائية التي تترجم إلى اللغات المحلية. لكن الأهم من ذلك كله هو أن «بات مان» يتشارك مع أقوى الماركات العالمية في خاصية تنافسية أخرى، فحين تتحدث عن «الرجل الوطواط» أنت تتحدث عن نحو 70 عاما من التاريخ (ظهرت الشخصية لأول مرة عام 1939)، وعلاقة عاطفية ربطت أجيالا بعد أجيال بهذه الشخصية. وتتجلى أهمية هذه الخاصية تحديدا، عندما ننتبه أن فيلم «ذا دارك نايت» هو عمليا إعادة تأتي بعد نحو 20 عاما لقصة فيلم «بات مان» الأول الذي انتج عام 1989 وحكى قصة نزاع الرجل الوطواط مع شخصية الـ«جوكر» (التي لعبها الممثل المخضرم جاك نيكلسون). وبالمناسبة، فإن الفيلم هو ثاني عمل سينمائي عن شخصية «بات مان» يخرجه كريستوفر نولن بعد فيلمه الأول عام 2005 والذي حمل عنوان «بات مان بيغينز» (بداية الرجل الوطواط)، والذي يروي قصة نضوج رجل الأعمال بروس واين وتحوله إلى «فارس الظلام».

وتعرف ظاهرة «العودة» السينمائية هذه باسم Reboot، وبحسب ما يقول النقاد فإن الأمر يتطلب «ماركة» قوية ومعالجة فنية لا تخيب آمال ملايين المعجبين حول العالم، لذلك فإن قلة فقط من «الماركات» هي التي تستطيع تنفيذ هذه العودة. ومن أبرز الأمثلة بالإضافة إلى «بات مان» حدث الأمر نفسه مع فيلم «كازينو رويال» عام 2006، الذي عاد إلى بدايات شخصية «جيمس بوند» بعد سلسلة أفلام ومغامرات عدة، وفيلم «ترانسفورمرز» (المتحولون) الذي انتج العام الماضي وأعاد إطلاق قصة الرجال الآليين الآتين من الفضاء الخارجي والذين يتحولون إلى سيارات وطائرات وأشكال مختلفة على الأرض إلى بدايتها. ولعل فكرة عدم تخييب آمال المعجبين حول العالم هي أكثر الصفات التي تتشارك فيها هذه الأفلام مع الماركات العالمية، لكون ذلك يعني عمليا «التحكم في الجودة» Quality Control فيما يعد مخرج الفيلم بمثابة «مدير ماركة» أو Brand Manager، عليه إرضاء مالكه، وكما يعلم الكثيرون من أهل التسويق فإن أحد الفروق بين «المنتج» و«الماركة»، هو أن الأول مملوك من قبل منتجه، فيما الثانية ملك لمستخدميها ومحبيها.. وهم في حالة «بات مان» يقدرون بالملايين.

* أوجه الشبه بين «الوطواط» و«الغراب»

* من بين الحوادث المؤسفة التي تعرض لها فريق عمل فيلم «ذا دارك نايت» كانت وفاة الممثل هيث ليدجر (الذي يؤدي شخصية الـ«جوكر» الشريرة في الفيلم) بعد فترة وجيزة من انتهاء التصوير في يناير 2008، وذلك جراء تأثره من جرعة مضاعفة من دواء مخدر كان يتعاطاه. وعلى الرغم من ان ستديوهات «وارنر بروذرز» لم تعمد الى الاستفادة من موت ليدجر لترويج الفيلم عبر حملتها، الا انه لم يكن هناك مفر من تحول الحدث بشكل غير مباشر إلى سبب لازدياد الاهتمام بفيلم «ذا دارك نايت»، لدرجة تذكر بما حصل مع فيلم «ذا كرو» (الغراب) عام 1994. ولمن لا يذكر «ذا كرو»، فهو فيلم الـ«أكشن» الذي توفي خلال تصويره الممثل براندون لي (نجل فنان الكونغ فو الشهير الراحل - بروس لي، الذي توفي كذلك بظروف غامضة)، وذلك بعد أن تسبب خطأ بتعرضه لإطلاق نار حقيقي خلال أداء أحد المشاهد، وحيكت حول الموضوع نظريات مؤامرة عدة، وكانت النتيجة نشوء قاعدة مهووسين بكل ما يتعلق بذلك العمل السينمائي يمكن لأي متصفح للانترنت معرفة مدى انتشارها حتى اليوم. الجدير بالذكر هو التحفظ الشديد الذي أبداه فريق العمل حول التعليق عن الموضوع، لا سيما عند سؤال وسائل إعلام عدة لهم عن وجود رابط بين الاداء الموصوف بـ«فوق العادي» لليدجر في شخصية «الجوكر» (وهو مجرم مختل عقليا يسعد عند الحاق الألم بالآخرين)، وما جرى له. في حين اثنى فريق العمل على اداء ليدجر وتصرفاته، ومنهم من اعتبر انه يستحق الفوز بجائزة «اوسكار» عن ادائه، الأمر الذي تناقشه منتديات عدة على الإنترنت.