«الإعلام الانتخابي» في لبنان.. العين بصيرة ويد القانون قصيرة

اللبنانيون ينتظرون مشهداً إعلامياً عاصفاً مع اقتراب موعد مناقشة قانون الانتخاب

تنتشر صور المرشحين والشعارات الداعمة لهم بكثرة في لبنان («الشرق الاوسط»)
TT

ينتظر اللبنانيون مشهدا اعلاميا عاصفا مع اقتراب موعد مناقشة مشروع قانون الانتخاب، الذي سيشكل العودة الفعلية لمجلس النواب الى مزاولة عمله التشريعي في المدى القريب. فهذا المشروع هو الاول على الاجندة النيابية فور الانتهاء من مناقشة البيان الوزاري ومنح الحكومة الثقة. والمشهد الموعود بالاحتدام يتعلق ببند الاعلام الانتخابي، الذي يبدو سلفا قضية خاسرة نظرا الى ان وسائل الاعلام اللبنانية، وتحديدا المحطات التلفزيونية الفضائية، مملوكة من القوى السياسية وفق خريطة محاصصة طائفية. كما ان التجارب السابقة تشير الى غياب ادنى مقومات المهنية والموضوعية عندما تندلع حروب اهل السياسة النظرية والفعلية، كما شهد لبنان في الاعوام الثلاثة الماضية. وبالتالي لن يعول اللبنانيون كثيرا على أي بند متعلق بالاعلام الانتخابي. ليبقى الكلام عن وجوب ضمان فرص عادلة ومتساوية بين المرشحين المتنافسين مجرد حبر على ورق حسب ما يعتقد الكثيرون. فعين المشرّعين بصيرة لكن يد القانون في لبنان لا تزال قصيرة وعاجزة عن ضبط الاعلام الانتخابي.

هذا الواقع دفع بوزير العدل السابق والنائب الحالي عن بيروت بهيج طبارة الى الاعلان بأنه اذا بقي الوضع الاعلامي والانفاق الانتخابي على حالهما، فهو لن يترشح في الانتخابات المقبلة.

وزير الاعلام اللبناني الدكتور طارق متري ليس متفائلا بدوره بشأن ما يمكن ان يصدر عن المجلس النيابي في مسألة الاعلام الانتخابي. فقد قال لـ«الشرق الأوسط»: «القوانين الحالية لا تعطي للسلطة حيزا للتصرف حيال ما يمكن ان تشهده الساحة الاعلامية مع انطلاق الحملات الانتخابية بعد عدة أشهر». واضاف ان توفير اطار لضبط الاعلام والاعلان الانتخابيين ينتظر بدء مجلس النواب بمناقشة مشروع قانون الانتخابات في فترة قريبة، كما هو متوقع. وفي حين أوضح متري ان حرية التعبير في لبنان هي أكثر منها في اي مكان في العالم، اشار الى ان اقصى ما يمكن الوصول اليه في هذا الاطار هو ميثاق شرف اعلامي، يلزم وسائل الاعلام بالاخلاقيات المهنية والموضوعية ومصلحة المواطن، وليس المصلحة الضيقة للمرشحين. وحرص على اهمية تثقيف المواطنين بشأن حقوقهم الانتخابية وعدم الانجرار وراء البروباغندا التي يمكن ان تلجأ إليها بعض المنابر الاعلامية.

مدير قسم الاعلام والتواصل وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة القديس يوسف في بيروت البروفسور باسكال مونان يسترجع التجارب السابقة ويقول: «في غياب تنظيم الاعلان والاعلام الانتخابيين في لبنان في الدورتين الأخيرتين عامي 2000 و2005، غرقت وسائل الاعلام في بحر الفوضى، وخاضت الجهات والأطراف السياسية عبرها مواجهات ومعارك خرج منها خاسرون ورابحون، لكن الخاسر الأساسي كان المساواة والحرية وحق الناس في الاعلام والمعرفة». الاعلامي الآتي من عالم السياسة طانيوس دعيبس يبدو أكثر تشاؤما في امكانية فرض ضوابط على وسائل الاعلام المرئية. ويقول: «لا شيء يمكن ان ينجز في مسألة ضبط الاعلام الانتخابي. فالمحطات التلفزيونية الحالية ستبقى خنادق ومتاريس لأصحابها. ربما يشعر بعضها بشيء من الخجل ويلتزم بحد ادنى من الموضوعية. لكن لا يمكن ان نتوقع اعلاما سليما في نظام طائفي وفي دولة آخر من يحكم فيها هو القانون. ذلك ان اللبناني تعود تغييب القانون لمصلحة المصالحات العشائرية والتسويات الفوقية والصفقات المشتركة بين المتخاصمين. وبالتالي هناك مراحل عديدة قبل الوصول الى تطبيق قانون قادر على ضبط الاعلام الانتخابي». مونان يفضل اقتراح الحلول من خلال تجربته الاكاديمية، فيشير الى ان «صحة التمثيل لا تتوقف فقط على تقسيم الدوائر الانتخابية وعلى اجراءات ادارية ولوجستية مفروضة اذا لم يتم تنظيم الساحة الاعلامية بشقيها الاعلامي والاعلاني انطلاقا من قواعد مدروسة مرنة قابلة للتطبيق». وهو يختصر القواعد الأساسية لتنظيم الاعلام والاعلان الانتخابيين ببنود أهمها التمييز بين الاعلام والاعلان في اطار الحملات الانتخابية. ويقول: «الامر ضروري بسبب اختلاف طبيعة ووظيفة كل من الاعلام والاعلان. فالأول ساحة اللقاء الأساسية بين المرشح والناخب. ويفترض ان يتم فيها عرض البرامج والأفكار والآراء، بهدف اطلاع الناس على ما يجب ان يعرفوه قبل الذهاب الى صناديق الاقتراع. وكل ما يتجاوز هذا اللقاء الضروري يصنف في خانة الإعلان، حتى ولو كان هذا الظهور الاعلامي مجانيا. وانطلاقا من هذا التعريف يمكن أن يصبح ظهور المسؤولين والمرشحين للنيابة في وسائل الاعلام اعلانا انتخابيا، حتى عندما يتناول نشاطا غير انتخابي». دعيبس يعتبر انه «وفي ظل الواقع الاعلامي الحالي تبدو القوانين اشبه برش السكر على السم. فوسائل الاعلام التي تعكس المحاصصة الطائفية في لبنان هي ادوات معارك وليست وسائل اعلامية. معظمها جزء من الاسلحة المستخدمة بين الاطراف السياسية. وبالتالي ليست محكومة بقوانين وآليات عمل تمنع تحولها الى سلاح في المعارك».

الا ان مونان يشير الى «امكانية ضبط الاعلام من خلال تخصيص برامج حوارية تعنى بالاعلام الانتخابي شرط أن تراعى التعددية، وأن يعطى جميع المعنيين بالانتخابات حق الرد والتوضيح عند تناول مسائل تعنيهم مباشرة». كما يشير الى ضرورة تحديد الوقت لكل من المرشحين لتأمين المساواة بين المرشحين وحتى لا يحتكر المتمولون الكبار من المرشحين المساحة الاعلانية الانتخابية في وسائل الاعلام.

كما يقترح مونان التمييز بين وسائل الاعلام في التنظيم الانتخابي. يقول: «لأن هذه الوسائل مختلفة بطبيعتها، وبالتالي بحجم تأثيرها. ويفترض ان تتم مراعاة ذلك في أي تنظيم انتخابي مقترح. والافضل في هذا المجال ان تعطى الحرية للإعلام المكتوب من دون أية قيود كون المتلقي في هذه الحال يسعى بذاته الى هذا الاعلام من خلال شراء الصحيفة أو المجلة. اما الصورة فتختلف في الاعلامين المسموع والمرئي، حيث الرسالة الاعلامية تدخل من دون استئذان كل بيت». ويذكّر مونان بأنه «حرصاً على تمكين الناخب من التفكير في خياراته ينبغي ان يلحظ القانون فترة للصمت الانتخابي ملزمة لوسائل الاعلام المرئية والمسموعة قبل أربع وعشرين ساعة من العملية الانتخابية، تمتنع فيها عن بث الاعلانات الانتخابية وأي حوار أو لقاء مع المرشحين. كما ينبغي في يوم الاقتراع منع بث أي نداءات موجهة الى الناخبين من اي فريق معني بالانتخاب تشكل تدخلاً في الاستحقاق الانتخابي، وتؤثر في حرية الناخبين».

لكن المتابع للواقع اللبناني يعرف يقينا ان لا اصلاحات حقيقية يمكن ان تحصل في الفترة الفاصلة بين اقرار قانون الانتخاب وموعد الانتخابات. لذا يجد دعيبس «ان الاعلام الانتخابي سيكون جزءا من المشهد السياسي. ويشير الى ان استحالة تحديد سقف الانفاق الانتخابي بسبب تضارب الامر مع السرية المصرفية. ما يؤدي الى عجز عن مراقبة كل ما يتعلق بالاعلام او الاعلان خلال الحملات الانتخابية». ويقول: «وسائل الاعلام اللبنانية غير جاهزة لتطبيق الحد الأدنى المتوفر في قانون الاعلام بشكل متوازن وكفيل بتحقيق العدل للمرشحين، وذلك وسط انعدام الآليات التي تسمح بتحديد ظهورهم بحصص متساوية. ففي مشروع القانون الحالي نجد بعض العناوين من دون اقتراحات قوانين تضبط التنفيذ وتؤدي إلى الاصلاحات المطلوبة» دعيبس لا يعتبر ان حل المسألة يكون بإلغاء الملكيات وانما بوضع قوانين ناظمة وقابلة للتنفيذ. ويقول: «يجب منع استخدام الوسيلة الاعلامية من قبل مالكها وكأنها منبر لرأيه. وإلا كيف تقوم هذه الوسيلة بدورها؟ فالاعلام يبقى خدمة عامة بمعزل عن مالك الوسيلة الاعلامية. كان وهذه الخدمة العامة هي حق من حقوق المواطن وليست خدمة خاصة لصاحبها او للجهة الرسمية التي تملكها. فامتلاك الدولة اعلاما رسميا لا يخولها استخدامه منصة للسلطة».

ويشير دعيبس الى «ان الاعلام ليس دكانا لصاحبه. ولا يحق لمالك المحطة المرئية ان يستثمرها من دون ان يضمن حق المتلقي المنبثق من شرعة حقوق الانسان. ولكن اين نحن من هذا المفهوم في لبنان؟ بالنسبة لكل وسائل الاعلام الللبنانية ومن دون استثناء نجد ان هناك إساءة في استخدام حرية التعبير. الا ان هذا لا يعني التعرض لحرية التعبير وإنما وضع قوانين ناظمة تضمن تأمين الخدمة العامة». ولفت الى ان مالكي المؤسسات الاعلامية يملكون حرية تحويل مؤسساتهم الى خنادق ومتاريس. لكن العاملين في هذه الوسائل الاعلامية ليسوا أحرارا ولا يمارسون حرية التعبير وليس باستطاعتهم العمل وفق الاخلاقيات المهنية والموضوعية. وانما عليهم ان يعملوا وفق إرادة مالكي المحطات».