ماذا يعني أن تكون.. محرر «نعي»؟

الصحافي المتخصص في «نيويورك تايمز» بيل ماكدونالد يستعرض تجربته وخبراته

صفحة النعي على موقع «نيويورك تايمز» الالكتروني («الشرق الاوسط»)
TT

بيل ماكدونالد، هو محرر صفحة النعي في النيويورك تايمز، وقد انضم إلى الصحيفة عام 1988 وتقلد عدة مناصب بها. وفي فبراير (شباط) 2006، أصبح محرر الصفحة المخصصة للوفيات والنعي. وهو يجيب هنا عن تساؤلات حول أسلوب تغطية الصحيفة لأخبار رحيل الشخصيات البارزة عن الحياة.

أول سؤال لا بد من طرحه على ماكدونالد، هو كيف يعرف نفسه للناس؟ وماذا تكون ردة فعلهم حين يفهمون طبيعة عمله؟ يجيب مبتسما: «تتباين ردود الأفعال، فأحياناً يبدو عليهم التوتر، كما لو أنني سأقبض أرواحهم، وآخرون يبدون إعجابهم بالعمل، وهؤلاء غالباً ما يكونون من بين الملايين من قرائنا المولعين بالصحيفة. وأنا أحب ردة الفعل الأخير أكثر». لكن السؤال الأبرز لدى الاطلاع على النعي الذي يكتب في النيويورك تايمز هو انه يتضمن اقتباسات من الاشخاص الذين تتحدث عنهم، وبالتالي كان لا بد من سؤال ماكدونالد كيف يقدم على الاقتراب من الشخصيات الشهيرة، بينما لا تزال على قيد الحياة لطلب عقد لقاء معها بهدف نشره في خبر نعيها في المستقبل؟ ويجيب ان اللقاءات غالبا ما تتم مع شخصيات بارزة من أجل وضعها في خبر النعي الخاص بها مستقبلاً، ويضيف، نعدهم بعدم نشر أي من الاجزاء التي وردت بالمقابلة حتى وفاتهم. ويهدف هذا الوعد إلى تشجيع الشخص المعني بالحديث بأكبر قدر ممكن من الصراحة. ودائماً ما يراودنا الأمل في أن تتمخض مثل هذه المقابلات عن مفاجآت ومعلومات يتم الكشف عنها للمرة الأولى، لكن ما تكشفت عنه هذه اللقاءات بصورة رئيسة، على الأقل حتى هذه اللحظة، المشاعر الداخلية للشخص الذي نُجري معه اللقاء تجاه أحداث معينة.

ويضيف ماكدونالد: نحرص على طلب عقد مثل هذه اللقاءات مع الشخصيات الشهيرة، سواء كانت في صحة جيدة أو معتلة الصحة. ومن المهم توخي الحذر ومراعاة الأسلوب عند طلب عقد مثل هذه اللقاءات، خاصة مع المرضى منهم. ويضيف، نظراً لأن اللقاء المخصص لصفحة النعي يعد بمثابة «الكلمة الأخيرة» للشخص المعني، فإن ذلك يشكل عبئاً إضافياً يستلزم إخراج اللقاء على الوجه الأكمل. بيد أن ذلك لا ينفي أن هذا العبء الخاص قائم بالنسبة لجميع المقالات، ذلك أن الصحافة في مجملها، مثلما قيل من قبل، ليست سوى «أول مسودة للتاريخ». ونعمل جميعاً على جعل هذه «المسودة» صادقة سلسة بقدر المستطاع. من جهة ثانية يلاحظ قارئ موضوعات النعي في الصحف البريطانية مثلا فرقا عن ما تنشره النيويورك تايمز، فمثلا يلاحظ أن الصحف البريطانية أكثر ميلاً للتركيز على الجوانب السلبية في حياة الشخص المعني. كما أن البريطانيين دائماً ما ينوهون بالخلفية العرقية للشخص، لكن ذلك غير موجود بالصحيفة الأميركية، فما هو رأي بيل ماكدونالد؟ يجيب الصحافي المخضرم: لا بد من مراجعة الصحف البريطانية لأتأكد من وجهة النظر هذه.. لكن ما يمكنني التأكيد عليه أننا لا نتورط في الشائعات والقيل والقال أو شن هجمات مجهولة المصدر. نحن نحرص على التعامل مع صفحات النعي بأكبر قدر ممكن من الأمانة. ويضيف في ما يخص الخلفيات العرقية أو الدينية نذكرها عندما تكون ذات أهمية بالنسبة لحياة الشخص المتوفى، بمعنى أنها أسهمت في صياغة توجهاته. وربما يرى البعض أن الخلفية العرقية والدينية لأي شخص تترك بعض التأثير على حياته، حتى وإن لم يتم الاعتراف بذلك، لكننا نذكر هذه الخلفية فقط عندما يكون مثل هذا التأثير جلياً تماماً. وبما أن نشر التايمز لنعي شخص ما يعد أمرا في غاية الأهمية، يقول ماكدونالد انه يتعرض لضغوط طوال الوقت، مضيفا، وفي بعض الأحيان، تأتي هذه الضغوط من عدد من الأشخاص ـ أقارب أو أصدقاء أو زملاء. ويشنون حملات من خلال البريد الالكتروني. وأنا في الواقع لا ألومهم على ذلك، فهم يكتبون هذه الرسائل نيابة عن شخص أحبوه واعجبوا به واحترموه ـ شخص حقق الكثير من الإنجازات المشرفة التي مست حياتهم. كما أنهم يكتبون هذه الرسائل في أوقات تهيمن فيها العاطفة. وليس من السهل مطلقاً الإجابة على طلباتهم بالرفض، وهذا أحد أكثر الجوانب السلبية في هذه الوظيفة. من جهة ثانية يقول: لكننا نضع معايير معينة ونلتزم بها، والأسئلة الرئيسة التي نطرحها في هذا الصدد: هل هذه الوفاة تعد خبراً وطنياً؟ هل كان لهذا الشخص تأثير كبير على عالمنا بحيث تكون وفاته أمراً ينبغي إخطار القراء بشأنها؟. لكنه في نفس الوقت يشير إلى انه لا بد من الاعتراف بأننا لسنا منزهين عن ارتكاب الأخطاء، فأحياناً نغفل عن طريق الخطأ عن بعض الأشخاص الجديرين بكتابة نعي عنهم. لكننا نولي اهتماماً كاملاً لأي طلب نتلقاه بكتابة نعي عن شخص ما متوفى. من جهة ثانية، تلفت القارئ السرعة التي يتم فيها اعداد النعي، وفي بعض الأحيان يتم تجهيزه في غضون يوم واحد أو أقل. وتتميز نيويورك تايمز بوجود ثلاثة كتاب يعملون كل الوقت مخصصين لكتابة ما تطلق عليه مقالات النعي اليومية، التي يتراوح عدد كلماتها ما بين 200 و1.000 كلمة، أو ربما أكثر، ويتم تحديد موعد زمني للانتهاء من هذه المقالات التي تتطلب بحثا كبيرا والتقصي عن بعض الحقائق خلال فترة زمنية قصيرة. إلا أن ماكدونالد يشير من جهة ثانية إلى وجود حوالي 1.200 مقال جاهز بالملفات، ونعمل على تحديث وتنقيح مكتبتنا باستمرار. والسبب وراء ذلك واضح، فليس بإمكاننا وضع مقال مؤلف من 5.000 كلمة عن رئيس دولة أو كاتب أدبي عظيم، على سبيل المثال، في غضون يوم واحد أو أقل. ومع ذلك، ينتظر قراؤنا منا رؤية هذا المجهود مكتملاً على صفحات الصحيفة في اليوم التالي مباشرة لوفاة الشخص المعني، بل وربما ينتظره قراء النسخة الالكترونية رؤيته في غضون دقائق. لذا، نضطر إلى تجهيز مقالات النعي سلفا. في النهاية يبقى سؤال ماكدونالد، ان كان كتب النعي الخاص به، أو بمن يثق للاضطلاع بهذه المهمة عقب وفاته، فيجيب: النعي الخاص بي لا يزال في صورة موجزة. وفي يوم من الأيام، سأضعه في الصورة الملائمة وأزوده بالصور وأضعه بهدوء في أحد الملفات المستقبلية الخاصة بنا، بين ملفات الأثرياء والمشاهير كي أتظاهر بأنني واحد منهم. في واقع الأمر، لقد قمت بالفعل بكتابة نعي خاص بي في إطار أحد تمارين الكتابة أثناء دراستي الجامعية منذ سنوات عديدة مضت. وقد احتفظت به. لكنني في الوقت الراهن أعمل على كتابة روايتي الرابعة. أما بالنسبة لمن أثق به لكتابة النعي الخاص بي، فهذا في الواقع سؤال صعب ومخيف. لكن أعتقد أن أي شخص في فريق العمل المعاون لي بمقدوره القيام بهذه المهمة، لأنهم جميعاً محترفون.

* خدمة «نيويورك تايمز»