جهاز «ريد آند غو» يحاول دعم مبيعات الصحف الفرنسية

تجربة إعلامية فريدة تجري في فرنسا

جهاز ريد آند غو («الشرق الاوسط»)
TT

يعتقد «بول فرانسوا فورنيير»، المسؤول التنفيذي بشركة «فرانس تيليكوم» في باريس، أنه توصل إلى وسيلة للمساعدة في إحياء صناعة الصحف تتمثل في صندوق بلاستيكي مستطيل الشكل أسود اللون له شاشة في حجم صفحة الكتاب. يعرض الجهاز مجموعة من الروابط تخص العديد من الصحف الفرنسية تحمل اللونين الأسود والرمادي وصورا تشبه إلى درجة كبيرة الصورة التي تخرج عليها النسخ المطبوعة من الصحف. وعندما يقوم «فورنيير» بالنقر على أحد الروابط بقلم معين، تظهر العناوين الرئيسة الخاصة بعدد اليوم من صحيفة «لو موند»، على سبيل المثال. ويؤدي النقر مرة أخرى إلى ظهور مقال كامل بحجم الشاشة بصورة مطابقة لما عليه المقال في النسخة المطبوعة. يذكر أنه حتى الآن انضمت سبعة إصدارات فرنسية إلى «فرانس تيليكوم» لإجراء اختبار لإصدار صحيفة إلكترونية، ما يعني توفير نسخة طبق الأصل من نظيرتها التقليدية. يحمل المشروع اسما إنجليزيا هو «ريد آند غو» (اقرأ واذهب). وحتى الآن، حصل 120 شخصاً داخل فرنسا على أجهزة للقراءة الالكترونية، ما يسمح لهم بتحميل محتويات الصحف من مختلف أنحاء فرنسا عبر الشبكة اللاسلكية التابعة لـ«فرانس تيليكوم». جدير بالذكر أن «فرانس تيليكوم» ليست أول شركة تقتحم مجال التعامل مع نسخ الكترونية طبق الأصل من النسخ الورقية للصحف، حيث يسمح جهاز «ذي كيندل»، الذي يبيعه موقع «أمازون» على شبكة الانترنت، باشتراك العملاء في النسخ الالكترونية لـ19 صحيفة من شتى أنحاء العالم، بما فيها «نيويورك تايمز». إلا أن جهاز «ريد آند غو» يحوي إضافة تجعله مختلفا عن «ذي كيندل»، وهي الإعلانات. وحتى هذه اللحظة، تقتصر هذه الإعلانات على مجرد عينات من «أورانج»، وهو الاسم الذي تقدم من خلاله «فرانس تيليكوم» معظم خدماتها. لكن إذا نجح الاختبار، سيتم توفير هذه الخدمة على المستوى التجاري ـ الأمر الذي قد يحدث في العام المقبل. وترمي «فرانس تيليكوم» لبيع إعلانات خاصة بها إلى جانب الإعلانات الواردة بالصحف، بحيث تتقاسم العائد مع الإصدارات. من جهته، قال «فورنيير»، النائب الأول لمسؤول الإعلانات على الإنترنت داخل الشركة: إن شركته ترغب في مساعدة الصحف على تحقيق النجاح داخل العالم الرقمي، وهو الأمر الذي واجهت هذه الشركات صعوبة في الوصول إليه بمفردها. وتدرس «فرانس تيليكوم» إقرار منتجها الجديد داخل أسواق أخرى، مثل بريطانيا، حيث تملك الشركة شبكات هاتف جوال. وأكد «فورنيير» بقوله: «نحن نعمل على دعم هذا التحول. ولا نرمي للاضطلاع بمهام الصحف، فنحن، على أية حال، لسنا بارعين في مجال الكتابة».

وبمقدور الصحف الفرنسية استغلال هذه المساعدة، خاصة وأن الإحصاءات تكشف تراجع عوائد الإعلانات بالنسبة للصحف الوطنية اليومية بنسبة 9% في العام السابق فقط. أيضا، توضح الأرقام الصادرة عن الاتحاد العالمي للصحف أن 42% فقط من البالغين يقرأون الصحف بانتظام داخل فرنسا، مقارنة بـ48% في الولايات المتحدة و73% في ألمانيا. ومثلما الحال في الكثير من الأسواق الأخرى، لم تتمكن الزيادة في معدلات قراءة النسخ الالكترونية وعوائد الإعلانات بها من تعويض التراجع الذي تشهده النسخ المطبوعة. ومع وجود 24 مليون مشترك في خدمة الهاتف الجوال في فرنسا، يتوافر أمام «فرانس تيليكوم» جمهور عريض من العملاء المحتملين بالنسبة للخدمة الجديدة. في المقابل، بمقدور جهاز «ريد آند غو» تعزيز استخدام شبكة الهاتف الجوال عالية السرعة التي تمتلكها الشركة. وفي هذا الإطار، أوضح «ريتشارد شيم»، المحلل بشركة «آي دي سي» في كاليفورنيا، أن: «هناك دوافع على جميع الجوانب، ومن الواضح أن الأمر يشكل تغييراً يحظى بالترحيب من جانب الشركات المسؤولة عن الصحف القديمة». وتتضمن الإصدارات الفرنسية السبعة المشاركة بخدمة «ريد آند غو» معظم كبريات الصحف اليومية على مستوى البلاد، مثل «لو موند» و«لو فيغارو» و«لو باريزيان» و«ليبراسيون»، التي ستنضم للاختبار خلال هذا الشهر، إضافة إلى صحيفة «لوكيب» الرياضية اليومية و«ليز إكو» المعنية بالنشاط التجاري، إلى جانب مجلة «تيليراما» الأسبوعية المتخصصة في مجال الترفيه والثقافة. كما تتوافر بالخدمة بعض الكتب والمحتويات الأخرى. من ناحيتها، تساءلت «ماريك فان دير دونك»، بشركة «برايس ووتر هاوس كوبرز» في هولندا، حول السبب وراء سماح الصحف لجهة خارجية بتنمية النشاط التجاري الخاص بالصحف الالكترونية، بدلاً من القيام بذلك الأمر بنفسها. وحذرت من أنه: «إذا لم تتحرك صناعة الإعلام بسرعة كافية، فإن عناصر أخرى سوف تدخل بمجال نشاطها التجاري وتستولي عليه، مثلما فعلت غوغل في مجال الإعلان البحثي». إلا أن «باسكال لاروش»، مدير شؤون النسخ الرقمية في صحيفة «ليبراسيون»، أشار إلى أن الصحيفة تنظر إلى المشروع باعتباره تكملة لمنتجاتها القائمة بالفعل، مشدداً على أن: «هذا لن يحل محل الصحيفة. ونأمل في حال نجاحه أن يشكل بداية نمط جديد من الدعم» لصناعة الصحف. وأشارت «فان دير دونك» إلى أن بيع الإعلانات بالنسبة لجهاز «ريد آند غو» سينطوي على تحديات كبيرة، نظراً لأن عملاء وسائل الإعلام يبدون تشككهم حيال الصحف الالكترونية، الأمر الذي يرجع في جزء منه إلى عدم وجود معايير متفق عليها لتقدير حجم جمهور الإعلانات المنشورة عبر مثل هذه الصحف. كما سيتعين إقناع المستهلكين أيضاً، حيث كشف استبيان عالمي أجراه «برايس ووتر هاوس كوبر» في وقت قريب أن القراء في المتوسط لا يبدون استعدادهم سوى لدفع 47% من قيمة النسخة الورقية من مجلة ما مقابل الحصول على الإصدار في نسخته الالكترونية.

* خدمة «نيويورك تايمز»