حمى أوباما.. انحياز إعلامي أم كاريزما؟

صحافي تلفزيوني قال عنه إنه مثل «المرض المعدي» .. وأغلبية الأميركيين يعتقدون أن الصحافة تميل له فعلا

اوباما خلال القاء كلمته في برلين (رويترز)
TT

في الأسبوع الماضي قال السيناتور جون ماكين، مرشح الحزب الجمهوري لرئاسة الجمهورية، إن الإعلام الأميركي «وقع في حب» السيناتور باراك اوباما. وأصدرت حملته شريطي فيديو عن تغطية القنوات التلفزيونية لاوباما على أنغام أغنية للمغني فرانكي فالي. تقول بدايتها: «تعبدك عيناي. رغم أن يديّ لم تلمسك. من على بعد مليون ميل. وأنت لا تراني. أنت قريب مني. رغم انك بعيد».

ربما ليس حباً، لكنه انحياز، وربما ليس انحيازاً، لكنه ميول.

وذلك لأنه لا يمكن القول إن أغلبية الصحافيين الأميركيين ينحازون نحو حزب دون الآخر. بل إن الصحف الرئيسية تمنع صحافييها من ذلك، وتحرص على تقديم تغطية إعلامية مهنية محايدة.

هل يميل الصحافيون نحو اوباما؟ أو هل تميل الظروف نحوه؟

ظل اوباما هو الذي يفاجئ الصحافيين. منذ بداية السنة: خلال الانتخابات الأولية، فاجأ السيناتور ادوارد كنيدي الصحافيين عندما أعلن انه يؤيد اوباما ضد هيلاري كلينتون. وقبل ذلك، فاجأ اوباما الصحافيين عندما فاز في ولاية ايوا على هيلاري كلينتون. بل إن ظهوره على المسرح الأميركي، وقفزه، خلال ثلاث سنوات، من مجهول الى ربما رئيس لأميركا والعالم الحر، فاجأ الصحافيين، ولا يزال.

في الجانب الآخر، لم يفاجأ الصحافيون بترشيح السيناتور ماكين لرئاسة الجمهورية (ترشح مرات كثيرة، ولم يفز). ولا بشخصيته (عرفوه منذ ان كان يحارب في فيتنام). ولا بآرائه (ظل يتحدث لأربعين سنة في الكونغرس).

لكن، يظل السؤال.

في جانب، قال كريس ماثيو، من تلفزيون «ام اس ان بي سي»: «اوباما هدية العالم لنا». وقال لي كوان، من تلفزيون «ان بي سي»: «ليس سهلا أن أكون محايدا. اوباما مثل مرض معد».

في الجانب الآخر قالت اندريا متشل، من تلفزيون «ان بي سي»: «بعد أشهر في تغطية اوباما، صرت أحس انه يستفيد منا أكثر مما نستفيد منه. نعم، حملته الانتخابية منظمة ومخططة، لكنها حملة من نوع لم نشهد له أي مثيل». وفي الوسط، نفت أغلبية الصحافيين أنهم ينحازون مع أو ضد اوباما. مثل ديفيد غريغوري، من تلفزيون «ان بي سي»:، الذي قال: «الإعلام الأميركي خيمة كبيرة، يتساوى تحتها كل الناس».

لكن، تعتقد أغلبية الشعب الأميركي ان الصحافيين منحازون نحو اوباما. قال ذلك مركز «راسموسين» للاستفتاءات: قالت نسبة خمسين في المائة إن أغلبية الصحافيين تريد فوز اوباما، مقابل نسبة خمسة عشرة في المائة فقط تريد فوز ماكين.

لكن، ينقسم الأميركيون حسب انتمائهم الحزبي. قالت نسبة أربعين في المائة من الديمقراطيين إن الصحافيين يحاولون ألا ينحازوا إلى جانب دون الآخر. وقالت نسبة ثلاثين في المائة إن الصحافيين ينحازون نحو اوباما. لكن، في جانب الجمهوريين، قالت نسبة ثمانين في المائة إن الصحافيين ينحازون نحو اوباما، وقالت نسبة عشرة في المائة فقط إنهم لا ينحازون لأي جانب.

ولا يمكن وصف تلفزيون «فوكس» بأنه يميل نحو اوباما. هذا هو تلفزيون روبرت ميردوخ، ملياردير الصحافة الأميركي الاسترالي، وناشر صحف الإثارة، الذي لا يخفي ميوله نحو اليمين.

يحاول تلفزيون «فوكس» أن يقدم تغطية متوازنة. لكنه، من وقت لآخر، يلمح إلى سواد لون اوباما وزوجته. مرة قال إن اوباما صافح زوجته «مثلما يصافح الإرهابيون بعضهم بعضا». ومرة وصف زوجة اوباما بأنها «ماما»، وهذا وصف ليس طيبا للنساء السوداوات.

في الأسبوع الماضي، ساهم موقع «موف اون» الليبرالي في جمع أكثر من نصف مليون توقيع، أرسلها الى تلفزيون «فوكس» تدعو الى «وقف الهجوم العنصري ضد اوباما».

وقال هوارد كيرتز، مسؤول الإعلام في جريدة «واشنطن بوست»: «لا ينحاز الصحافيون ضد اوباما، ولا مع اوباما. ينحاز اوباما مع نفسه، ويجبر الصحافيين على نقل ذلك».

وظهر ذلك في الأسبوع الماضي خلال جولة اوباما في العراق وأفغانستان والأردن وإسرائيل وألمانيا وفرنسا وبريطانيا.

برهن اوباما على انه ليس ذكيا فقط كسياسي، لكن، أيضا، كمسؤول علاقات عامة، يعرف كيف يجعل (أو يجبر) الصحافيين على متابعته وتصويره والكتابة عنه. نظم رحلة عشرة أيام في سبع دول جمعت مناظر مثيرة: أولا: وسط الأفغان بسراويلهم الطويلة. ثانيا: مع الجنرال بيتريوس في طائرة هليوكوبتر فوق بغداد. ثالثا: في مؤتمر صحافي في الأردن وخلفه معبد هيركيوليس (آله القوة عند قدماء اليونان). رابعا: يخاطب ربع مليون ألماني في ميدان رئيسي في برلين. خامسا: يتلاطف مع الرئيس الفرنسي ساركوزي على عتبات قصر الاليزيه. سادسا: يدافع، أمام عشرة داوننغ ستريت، عن رئيس وزراء بريطانيا براون الذي انخفضت شعبيته.

قال كيرتز: «تسيطر هذه الصور على أي صحافي، مهما كان الصحافي ومهما كان السياسي».

وعلق جيري رافشون، مستشار الإعلام للرئيس السابق جيمي كارتر: «في عصر التلفزيون، تقود الصور الناس، ولا يقود الناس الصور».

وكتب جو كلاين في مجلة «تايم»: «نجاح ليس له مثيل». هل كانت التغطية الإعلامية مثيرة لان ثلاث اكبر قنوات تلفزيونية أرسلت اكبر نجومها؟ أو لأنها أرسلت اكبر نجومها لأنها كانت تعرف ان الجولة مثيرة. (أو، على الأقل، جولة ليس لها سابق. لم يحدث أن قام بمثلها مرشح لرئاسة الجمهورية).

رافق اوباما أهم ثلاثة نجوم أخبار التلفزيون في أميركا: كاتي كوريك (سي بي اس)، شارلز جبسون (اي بي سي)، وبريان وليامز (ان بي سي). كلهم اشترطوا مقابلات خاصة مع اوباما، وكلهم نالوها، وكل المقابلات قدمت دعايات إضافية لاوباما. ولم يقل أي واحد منهم أن اوباما استغله. ام هل هو حسد السيناتور العجوز ماكين على منافس في نصف عمره تقريبا؟. يوم خاطب اوباما ربع مليون ألماني في ميدان رئيسي في برلين، ذهب ماكين الى مطعم ألماني في ولاية ايوا، وسأل صحافيون بعضهم بعضا: «لماذا مطعم ألماني؟ هل لأن اوباما في ألمانيا؟ وماذا يعني ذلك؟» على أي حال، دخل المطعم الصحافيون وكاميرات التلفزيون. وفي نشرة أخبار المساء، ظهرت صور رجل عجوز يأكل في مطعم ألماني في ايوا، مباشرة بعد صور سيناتور شاب يشعل الحماس في الألمان (رغم أنهم لن يصوتوا له).