مدللو الإعلام.. بين الموهبة الطبيعية و«صنع» خبراء التسويق

TT

من أجمل ما قيل في وصف الشهرة والنجومية وتعامل الإعلام معها في عالم اليوم ما قاله الصحافي الأميركي بوب غرين. غرين يرى : «أن النجومية الجديدة لا تحتاج لأي جهد أو دفع تكلفة... والنجوم المزعومون لـ «برامج الواقع» مثل «سيرفايفور» (الناجي) و«بيغ بروذر» (الأخ الأكبر) صاروا مشهورين لا لشيء إلا لكونهم موجودين. فما عليك إلا أن تكون موجوداً في المكان المناسب والزمان المناسب». الحقيقة أن علاقة الإعلام بالمشاهير علاقة لا تخلو من التعقيد. ففي حين يُعدّ في صميم الدور التقليدي للإعلام ملاحقة أخبار المشاهير، أضحى جزءاً أساسياً من تكوينه ودوره اليوم «صنع» المشاهير و«تعليب» شهرتهم هذه و«تسويقها» أيضاً.

التقدم الهائل في تقنيات الاتصالات والنقل أسهم في تنامي العرض والطلب، كما بات وقت الفراغ المتاح أكثر فأكثر لمواطني المجتمعات الأكثر اكتفاء مجالاً لمتابعة قضايا خارجة عن مجرد التركيز على كسب لقمة العيش. وبالتالي حتى في مجتمعات لا تعد غنية بمقاييس معدلات الدخل الفردي كالمجتمع المصري أو المجتمع الهندي - مثلاً - تلعب السينما دوراً مهماً جداً في الحياة الاجتماعية والثقافية. حتى أن «بوليوود» (اللقب الشائع اليوم لصناعة السينما الهندية) جعلت من نجوم السينما الهندية من كبار المشاهير، بل أساطير حقيقية تنتقل من الشاشة بعد الاعتزال إلى الحياة السياسية من أوسع أبوابها.

في الدول المتقدمة طبعاً لعبت شهرة أهل الفن، ولا تزال تلعب، دوراً محورياً في الحملات والدعايات الانتخابية، بل في الترويج لأحقية الحروب إذ كان جزءاً من نشاطات نجوم هوليوود الترفيه عن العسكريين الأميركيين إبان الحرب العالمية الثانية، والحرب الكورية وحرب فيتنام، إلى أن طالت الحرب الأخيرة وتوسعت فصار الاحتجاج عليها منبراً لعدد من نجوم الشاشة. ولقد برز كثيرون من مشاهير السينما والمسرح والغناء في أميركا وأوروبا في عالم السياسة على رأسهم: الرئيس رونالد ريغان والسناتور جورج مورفي والسناتور فرد طومسون والحاكم أرنولد شوارتزنغر و«العمدة» كلينت إيستوود في الولايات المتحدة. والوزيرة غليندا جاكسون في بريطانيا، والوزيرة ميلينا ميركوري في اليونان وغيرهم كثيرون. وحتى خارج مجال السياسة تمكن فنانون وأدباء وعلماء وأطباء من اجتذاب الاهتمام الإعلامي إما لتميزهم وتفردهم أو لريادتهم في مجال ما او بسبب «الكاريزما» التي يتمتعون بها وبين هؤلاء: المغنية والممثلة الأميركية الشهيرة مادونا التي شقت لنفسها طريقاً مميزاً استثنائياً، والممثلات العالميات إليزابيث تايلور ومارلين مونرو وجاجا غابور وبريجيت باردو لحياتهن الخاصة المثيرة والدسمة، والمغني الأيرلندي بوب غيلدوف الذي اجتذب أنظار العالم لعمله الإنساني في مكافحة الجوع في افريقيا، وجراح القلب الجنوب افريقي الدكتور كريستيان بارنارد أول «زارع قلوب» ناجح في العالم، والملياردير العالمي بيل غيتس رئيس شركة مايكروسوفت العملاقة، والشخصية التلفزيونية الأيرلندية تيري ووغان في بريطانيا، والعديد من نجوم الرياضة المتفوقين.

في معظم حالات هؤلاء روى الإعلام عطش الجمهور ولاحق منجزات مشهودا لها أو نمط حياة مثيرا للفضول أو المشاعر إيجابياً أو سلبياً. غير أن ثمة حالات أخرى أسهم فيها الإعلام في صنع شهرة أشخاص قد لا يتمتعون بصفات مميزة باستثناء تحدّرهم من عائلات شهيرة، أو تمتعهم ـ أو تمتعهن ـ بالوسامة وجمال الشكل، أو استغلال حوادث ما مثيرة للجدل في مسيرة حياتهم واستغلالها بذكاء عبر وكلاء وخبراء ترويج حولوا هؤلاء الأشخاص إلى سلع تجارية مربحة. ومن هؤلاء بلا شك أبناء عائلات كنيدي وروكفلر وثاتشر والأسر الأرستقراطية الأوروبية، والوريثة الأميركية باريس هيلتون، و«السوبر موديلات» مثل نعومي كامبل وكايت موس، والمغنية بريتني سبيرز، وبطلة فضيحة البيت الأبيض مونيكا لوينسكي، ومقدمة البرامج التلفزيونية البريطانية السويدية الأصل أولريكا جونسون. في الكثير من هذه الحالات يعتمد «صنع» الشخصية الإعلامية على تفاهمات مباشرة أو غير مباشرة مع وكلاء أعمال هؤلاء، أو عن طريق اكتشاف أطراف ثالثة أخرى تساهم في استمرار عملية الإمداد بالشائعات والأخبار والصور، والاستعانة بخبراء علم نفس وتسويق يقدّرون الفائدة المتوقعة من «ثقل» التغطية المعطاة لهذه الشخصية أو تلك.