شوارع مصر ساحة لحرب «أفيشات»

تزدهر في الصيف وتتنازع عليها وكالات الإعلان

افيشات الافلام.. بين الماضي والحاضر («الشرق الاوسط»)
TT

حرب إفيشات الأفلام تشهدها حاليا شوارع القاهرة، والطرق الكبرى بين المحافظات. ومع ارتفاع حرارة الصيف تزداد هذه الحرب سخونة، خاصة بين وكالات الإعلان المالكة للافتات بعضها بعضا، وبينها وبين شركات الإنتاج ومصممي الأفيش، الذين يرونه ليس مجرد وسيلة لإعلانات دعائية للأفلام فحسب، بل لوحات فنية، تواجه اتهامات بالسرقة، وتتصارع في جذب عين المشاهد، في طريقة تلخيص احداث الفيلم في لقطة فنية مكثفة، وكذلك طريقة وضع أسماء أبطال الفيلم، وأحجام صورهم، كما تختلف أحجام الأفيشات، وأماكنها وطرق عرضها.

ومن أشهر مصممات الأفيشات في مصر سارة عبد المنعم،التي حصلت على عدد من الجوائز على الأفيشات التي صممتها، وكانت بدايتها مع السينما الشبابية، مع فيلمي «صعيدي في الجامعة الأميركية»، و«همام في أمستردام» من حوالي عشر سنوات، وأصبحت صاحبة أكبر عدد من الأفيشات في السوق المصري.. تقول سارة لـ«الشرق الأوسط» إنها تحدد فكرة الأفيش في البداية عن طريق قراءة ملخص للفيلم، فأحيانا يكون موضوع الفيلم هو البطل في الأفيش، وأحيانا يكون اسم الفيلم نفسه هو البطل مثلما فعلت في ملصق فيلم «حرامية في كي جي تو» أو «أكاديمية الحب» أو «ابن عز». اختلف تصميم الأفيش الآن، ففي حين كان في الماضي من الممكن أن يكون رسما كاريكاتوريا أو صورة من الفيلم أو لوحة بالزيت أصبحت تعتمد الأفيشات في معظمها على الجرافيك، وترى سارة أن هذه هي ضريبة التكنولوجيا، وهذا موجود في العالم كله. لكن الظاهرة التي أصبحت منتشرة في الفترة الأخيرة هي اللحاق بطرق التسويق العالمية حيث وجود أكثر من أفيش للفيلم الواحد، أفيش استباقي، وملصقات أخرى للفيلم مثلما حدث مع فيلم «ليلة البيبي دول» أو «مرجان أحمد مرجان» أو «كتكوت»، وتبرر سارة هذا بأنها من الممكن أن تكون قد صممت أكثر من أفيش بالفعل، أو أن يطلب منتج الفيلم منها هذا. لكن الاتهام الموجه لبعض الأفيشات المصرية بأنها مقتبسة من أفيشات أفلام أميركية ترد عليه سارة بعصبية بأن هذا نقد ساذج يوجهه بعض نقاد السينما عندما لا يجدون عيبا في الأفيش، أو لا يجدون شيئا ليكتبوه.

الخطوة التالية بعد تصميم الافيش هي عرضه في الشوارع وهذه مسؤولية الوكالات الإعلانية التي تلجأ إليها الشركات المنتجة للأفلام، وتقول سارة التي تملك أيضا وكالة إعلانية بالإضافة لكونها مصممة للأفيشات إن حجم الأفيشات وأماكن توزيعها في الشوارع يختلف باختلاف الميزانية التي تحددها الشركة المنتجة، وتؤكد سارة على وجود حروب مستعرة بين العديد من وكالات الإعلان على عرض الملصقات، وأن الحرب تتزايد على كل الأماكن، وبحسب سارة فالأماكن التي تشهد صراعا أكبر هي كوبري المحور، وكوبري أكتوبر والمهندسين، وتعتبر سارة أن المكان ليس هو وحده الحكم في نجاح فيلم أم لا، فشكل الأفيش نفسه أحد العوامل المهمة، لكنها ترفض اعتبار شكل الأفيش أحد أسباب نجاح فيلم ما، وتقول هو أحد عوامل النجاح مثل عوامل أخرى موجودة في الفيلم، لكن لا يمكن القول ان الأفيش هو سبب نجاح فيلم وفشل آخر. ويلفت أحمد فهمي مسؤول إعلانات الطرق بإحدى وكالات الإعلان إلى تعدد طرق عرض الملصقات ومدى تأثيرها في نجاح الملصق، وبحسبه فوكالة الجمهورية تتميز في إعلانات الفوانيس المعلقة على أعمدة الإضاءة، أو في وسط الطريق، وهي ذات حجم صغير لكنها منتشرة بكثرة، فيما تتميز وكالة مثل الأهرام بملصقات الطرق السريعة، وبعض الوكالات تقدم ملصقات الـ«دبل فيس» والتي تقدم أكثر من إعلان، ويقول: فوجئنا في الفترة الأخيرة بإحدى شركات الإنتاج السينمائي تبتكر طريقة جديدة وهي أن تستأجر سيارة ربع نقل وتضع عليها إعلانات فيلمها الجديد وتدور بها طوال اليوم في الشوارع،وهي طريقة قديمة جدا.

ويضيف فهمي وكالات الإعلان تقوم في الغالب بتأجير مساحات الشوارع للمنتجين السينمائيين حسب المدة والمساحة وتميز المكان وإمكانية المشاهدة الجماهيرية الواسعة له من اتجاهات وزوايا الطريق المختلفة، وفي ظنه فأكثر الأماكن مشاهدة في القاهرة والأكثر رصدا للحروب بين الوكالات الإعلانات من جهة وشركات الإنتاج السينمائي من جهة أخرى هي الكباري الشهيرة مثل أكتوبر والذي يمتد من مدينة نصر وحتى وسط القاهرة وهي مسافة طويلة، والميادين الكبرى المكتظة مثل ميدان رمسيس.

ويرى فهمي أن موسم الصيف يشهد أكبر عدد من إعلانات «الأوت دور» الخاصة بالسينما، بل إن بعض الملصقات أصبحت لا تمكث أكثر من شهر، بسبب تسارع إيقاع الموسم السينمائي ورفع أفلام ونزول أفلام أخرى في السوق، وتتعدد المساحات الإعلانية لإعلانات الطرق حسب ميزانية الفيلم، لكن المتعارف عليه أنها حوالي 12 مساحة مختلفة تبدأ من متر في متر إلى 20 مترا في 20 مترا، لكن الأماكن الأغلى توجد الآن بحسب فهمي في كوبري أكتوبر، وطريق الإسكندرية والساحل الشمالي والذي بدأ في لفت الانتباه أخيراً، بالإضافة إلى طريق المطار.

محمود قاسم الناقد السينمائي صاحب أول موسوعة للأفيشات السينمائية يلفت إلى نقطة أخرى مهمة وهي أن وكالات الإعلان أصبحت تخصص أماكن بعينها للأفيشات بحيث تتعود عين المشاهد قبل أن تصل إليها على أن هذا مكان إعلان فيلم وليس منتجا دعائيا لأي شيء آخر، وبالتالي تتجه عينه إليه وهي تعرف أن هذا إعلان لفيلم جديد، وعادة تكون مدة الإعلان محدودة بمدة عرض الفيلم، لافتا إلى التنافس الشديد بين وكالات الإعلان على هذه الأماكن لكسب عين المشاهد.

ويقول قاسم إن الملصقات عادة نوعان من حيث الحجم: الأول يتم نشره في لوحات كبيرة موحدة القياس غالبا ما تكون 300 في 240 سم وهو قطعة واحدة غالبا، أو يتكون من 24 قطعة، لكنه الآن أصبح قطعة واحدة مع دخول الكومبيوتر في الطباعة، أما النوع الثاني فهو يتكون من 60 في 90 سم، ويعلق على أبواب السينما وفي الشوارع وفي الغالب يختلف الأفيش الكبير عن الصغير بغرض الاختلاف،وفي كثير من الأحيان يتم عمل أكثر من أفيش، سواء للكبير أو الصغير للهدف نفسه ومن أجل الإحساس بالتجديد.

ويرى قاسم الذي يعد موسوعة جديدة للملصقات الدعائية للأفلام أن الأفيشات الآن اختلفت كثيرا عن الماضي، فالأفيشات أصبحت تفتقر إلى الفنية، وأصبح الكومبيوتر يتدخل كثيرا في تنفيذ الملصق، في حين كان المنتجون في الماضي يلجأون إلى فنانين يعتبر أشهرهم الفنان «جسور» الذي نفذ عددا من أهم أفيشات السينما، فالآن حين نرى صورة للنجم على الأفيش فهذا شيء عادي، أما في الماضي فحين كان يتم رسم النجم كنا نراه من خلال عين فنان أو كما يتصوره، وفي الماضي كان يوضع اسم الفنان على الملصق أما الآن فيوضع اسم الشركة المنفذة لغياب البصمة الخاصة، معتبرا أن الملصقات القديمة تروي تاريخ السينما وتقدم أعمالا فنية موازية للافلام السينمائية، فملصق فيلم «الناصر صلاح الدين» يبدو كأنه عمل ملحمي يوازي الفيلم الذي أخرجه يوسف شاهين، وكذلك ملصق فيلم «بين القصرين» الذي يبدو كأنه يروي تاريخ شارع ليس أكثر، دون أن يورد صورة أو اسم أي من أبطاله، مستقيا من اسمه الذي يروي سيرة مكان معنى للأفيش، وهو الأمر الذي يصعب أن يحدث الآن بسبب صراع نجوم الفيلم في الظهور على الملصق.

ويلفت قاسم إلى مشكلة تتكرر مع ملصق كل فيلم جديد وهو ترتيب أسماء أبطال الفيلم على الملصق الدعائي وهي الأزمة التي أدت في النهاية إلى أن مصممي الأفيشات أصبحوا لا يكتبون أسماء أي من أبطال الفيلم ويكتفون بوضع صورهم، وهو الأمر الذي يثير أزمة أخرى بسبب حجم صورة كل ممثل مثلما حدث مع أبطال فيلم «الريس عمر حرب»، ويضيف قاسم أن بعض الفنانين يفضلون أن يظهروا على الملصق بمفردهم مثل الفنان عادل إمام في ملصق فيلم «السفارة في العمارة» أو الفنان محمد هنيدي في ملصق فيلم «يا أنا يا خالتي» أو الفنان محمد سعد في ملصق فيلم «بوحة» و«عوكل» و«كتكوت» وغيرها، مشيرا إلى أن بعض شركات الإنتاج أصبحت تضع كل أبطال أفلامها على الأفيش لتتلاشى المشاكل بينهم أو لتضمن جذب أكبر عدد من الجمهور مثلما حدث في أفلام «عمارة يعقوبيان» و«ليلة البيبي دول» و«كباريه».

لكن المشكلة الأكبر في رأي قاسم والتي تواجه ملصقات الأفلام المصرية هي الاتهام الذي يوجه لها بالسرقة أو الاقتباس من أفلام أجنبية وهو الأمر الذي حدث في ملصقات شهيرة مثل ملصق فيلم «أمير الظلام» للفنان عادل إمام والذي كان مقتبسا من ملصق فيلم «الأب الروحي الجزء الثالث» لآل باتشينو، وغيره الكثير، ويرى قاسم أن الملصقات الآن تفتقد الإبداع أو البصمة الخاصة، لذا نشعر أنها كلها تشبه بعضها ولا يهمها سوى إرضاء الفنانين وليس المشاهدين، مشيرا إلى أن الملصق بإمكانه أن يبدأ قصة حب بين المشاهد والفيلم أو يكون عاملا رئيسيا في تنفيره منه، ولأن الأفيش هو أول ما نراه من الفيلم ولفترة طويلة، فلا بد أن يكون بمثابة المختصر المفيد، مما يدفع بالمتفرج إلى انتظار العرض والتهافت لرؤية الفيلم.