ماذا يعني أن يكون لمجموعة إعلامية «مجلس أمناء» ؟

«السعودية للأبحاث والتسويق» تتبنى المفهوم.. وتغرد في سرب أعرق المؤسسات العالمية

بإعلان تأسيس مجلس الأمناء تصبح المجموعة السعودية في صف أعرق المؤسسات العالمية التي اعتمدت هذا النظام (تصوير: حاتم عويضة)
TT

كان إعلان الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز، رئيس مجلس إدارة المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق، عن تأسيس «مجلس أمناء» مستقل ضمن المجموعة من أبرز عناوين ندوة «الإعلام في أفق القرن الـ 21»، التي نظمتها جريدة «الشرق الأوسط» ومؤسسة منتدى أصيلة، واختتمت اعمالها قبل 3 أيام. وأوضح الأمير فيصل أن المجموعة قررت تأسيس مجلس أمناء لـ «الشركة السعودية للأبحاث والنشر» (الناشرة لعدد من أبرز المطبوعات العربية من بينها «الشرق الأوسط»، و«سيدتي» و«الاقتصادية» و«عرب نيوز»)، على أن يضم هذا المجلس نخبة منوعة من ذوي الخبرة والاختصاص، لتصبح بذلك أول مجموعة عربية تطبق مثل هذا النظام، بعد أن كانت المجموعة أول شركة عربية إعلامية تدرج في الأسواق المالية عام 2006 . وسيُساهم هذا المجلس في تقييم الأداء التحريري لمطبوعات الشركة كافة، كما سيتولى مهمة تقييم أداء رؤساء التحرير ومدى التزامهم بالسياسات التحريرية المتزنة التي تتبناها المجموعة.

اللافت كان التشديد على ضمان استقلالية التحرير لمطبوعات الشركة، والتركيز على مفهوم الفصل بين الملكية والإدارة، والإدارة والتحرير، خصوصا ان القرار سينطوي على مصادرة عدد من صلاحيات مجلس الإدارة ورئيسه، إلا أنه يأتي إدراكاً لأهمية ودور مجلس الأمناء. ويأتي هذا النهج منسجما مع ما تمارسه المؤسسات الصحافية والإعلامية العالمية الكبرى، في أوروبا وأميركا. لذلك لم يكن مستغربا أن يبدي غالبية الحاضرين، من إعلاميين ومثقفين وكتاب، إعجابهم بالخطوة، فهذا النهج الذي يضمن استقلالية التحرير يعيد إلى الأذهان مفهومي «فصل السلطات» (الذي استخدمه لأول مرة السياسي الفرنسي مونتسيكو) و«الضوابط والموازين» Checks and Balances (الترجمة العملية التي طبقها أحد أهم آباء الدستور الأميركي ـ توماس جيفرسون). وعلى الرغم من أن النظام معمول به في الإعلام الغربي، فإنه ليس منتشرا على نطاق واسع، وربما يقتصر أكثر على المطبوعات والمؤسسات العريقة ، لذلك ليس مستغربا أن تكون أشهر مجالس الأمناء على الإطلاق هي تلك التي تشرف على مجلة بمستوى «ذي ايكونوميست» وصحيفة «الغارديان» و«التايمز» البريطانية، وهيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي). لكن مع التطرق إلى موضوع «الفصل بين السلطات»، وقبل الخوض في تفاصيل مجالس الأمناء العريقة، لا بد من ذكر مثال حديث عما يخص الاهتمام باستقلالية التحرير، وهو الجدل الذي حصل في الصيف الماضي حين همّ عملاق الإعلام العالمي، روبرت مردوخ، بشراء مجموعة «داو جونز» المالكة لصحيفة «وول ستريت جورنال» الاقتصادية الأميركية. تلك الصفقة تعرضت الى محاولات عرقلة عديدة بعدما كان أفراد بارزون في أسرة بانكروفت (اصحاب اسهم الاكثرية في «داو جونز» سابقا) يعارضون الصفقة خوفا من أن يضعف مردوخ الاستقلال التحريري الذي تشتهر به الصحيفة. واعتبر كثيرون أن من العوامل المهمة التي ساهمت في إتمام تلك الصفقة كان تعهد مردوخ بالإحجام عن التدخل تحريريا في «وول ستريت جورنال»، ما ترجم عبر تشكيل «مجلس تحريري» من 5 اشخاص يشكل «حاجزا» بين مردوخ وصالة التحرير في «الجورنال»، أو بمعنى آخر منع مردوخ (المعروف بميوله اليمينية) من التأثير على محتوى الـ«وول ستريت جورنال». ولدى العودة إلى مجالس أمناء المؤسسات العريقة، يعلّق جميل مروة، رئيس تحرير جريدة «ديلي ستار» اللبنانية، لـ«الشرق الأوسط» قائلا إنه لا توجد «معادلة موحدة» لصيغة عمل هذه المجالس أو الصلاحيات الممنوحة لها، فكل حالة تختلف عن الأخرى. من جهته يرى أمين عام «منتدى أصيلة»، الوزير المغربي السابق محمد بن عيسى، أن في كون المجموعة السعودية أول مؤسسة عربية تقر مثل هذا المجلس «تحدياً ورهاناً»، لكنه يضيف أنه متأكد من نجاحها، مثلما نجحت مطبوعات المجموعة وعلى رأسها «الشرق الأوسط» التي كانت رهانا بدورها حين أسست قبل 30 سنة. وهنا يعود مروة ليضيف «مجالس الأمناء تؤلف بناء على قرار من مجالس الإدارة، وهي (مجالس الإدارة) التي تمنحها (لمجالس الأمناء) صلاحيات وتحدد شكل العلاقة بناء على المطلوب منها». فمثلا لمجلس أمناء مجلة «ذي إيكونوميست» دور لافت في اختيار من يكون رئيس تحرير هذه المطبوعة العريقة، وطريقة اختيار رئيس التحرير مثيرة بحد ذاتها، ويشرحها رئيس التحرير السابق، بيل إيموت، في حوار سابق مع «الشرق الأوسط» بالقول: «عندما يتطلب الأمر اختيار رئيس تحرير جديد، فإن لجنة من مجلس الإدارة تختار شخصا من بين عدد من المرشحين، ومن ثم على مجلس الأمناء المؤلف من 4 أشخاص مستقلين، إما الموافقة عليه أو رفضه. وبحسب ما روى إيموت فإن رئيس التحرير يكون مسؤولا أمام رئيس مجلس الإدارة، في ما يتعلق براتبه وظروف عمله. أما صلاحيات مجلس الأمناء، فهي صلاحيات حماية، فمثلا لا يستطيع رئيس مجلس الإدارة فصله من العمل بدون موافقتهم، ومهمتهم الأساسية هي حماية استقلاليته التحريرية.. لأن ذلك لا يترك الأمر في يد شخص ذي مصلحة تجارية مثل المساهمين أو المعلنين. يذكر أن مجلس أمناء مجموعة إيكونوميست شُكّل لأول مرة عام 1928، وهو يضم 4 أشخاص وحتى اليوم فإن القاعدة هي أنه في حالة تقاعد أي منهم، فإن الباقين يختارون له خلفا، والشرط الوحيد لأن يصبح شخص عضوا في مجلس الأمناء، هو ألا يكون مالك أسهم أو لديه غرض تجاري من انضمامه. من جهة ثانية فإن المهمة المعلنة لمجلس أمناء «بي بي سي» هي العمل لصالح دافعي ضريبة التلفزيون الذين تعرفهم بأنهم «مالكو» و«ممولو» الهيئة (لأنها لا تقبل الإعلان) وحماية استقلاليتها، موضحة أن الجزئية الأخيرة تتطلب العمل على تأكيد أنها تبقى مقاومة لأي ضغوط أو تأثير من أي جهة، وأن تساهم في كل من مكانة المملكة المتحدة في العالم، والاقتصاد، والثقافة البريطانية. وبطبيعة الحال، فإن مجلس الأمناء مستقل كليا وقد أسسّ بمرسوم ملكي، وهو يراجع مرة كل 10 سنوات (آخرها كان في 2007).

أما كيف يعيّن الأمناء (وهم 10 بالاضافة الى الرئيس ونائبه من خلفيات وتخصصات مختلفة)، فالملكة تتولى ذلك بنفسها بناء على استشارات وبعد عملية يشرف عليها «مكتب مفوض التعيينات العمومية» (وهو هيئة مستقلة بحد ذاتها) تقتضي نشر اعلان حول وجود شواغر، يصار بعد ذلك إلى استقبال الطلبات ومقابلة المرشحين الأكثر كفاءة، وارسال الاقتراحات الى وزير الخارجية، فرئيس الوزراء وصولا الى الملكة. أما مجموعة «الغارديان» البريطانية، فهي تحتكم الى مجلس أمناء يعرف باسم «سكوت ترست» (نسبة الى سي.بي سكوت مالك صحيفة «الغارديان» السابق ورئيس تحريرها لأكثر من 50 عاما)، وقد تأسس هذا المجلس عام 1936. وأهداف المجلس المعلنة هي: تأمين الاستقلال المالي والتحريري لـ«الغارديان»، كصحيفة وطنية لا حزبية، مع الابقاء على تقاليدها الليبرالية كمشروع ساع للربح مدار بشكل فعال وموفر للتكاليف. وتتضمن مهام هذا المجلس: ضمان استمرارية المجلس نفسه عبر مجابهة أي تهديدات لوجوده، الرقابة على الادارة المالية والاستراتيجية العامة للمجموعة ، وتعيين ـ وفي «الحالات القصوى» ـ فصل رؤساء تحرير مطبوعات المجموعة، اضافة الى العمل كمحكمة استئناف في حال نشوب اي نزاع بين جانبي التحرير والإدارة.