كيف أصبحت «غوغل» أقوى ماركة في العالم؟

10 سنوات على تأسيس الشركة التي أطلقت محرك البحث الأشهر على الإطلاق

TT

في جلسة «المائدة المستديرة» التي عقدت في ضواحي العاصمة البريطانية لندن على هامش مؤتمر «زيتيجيست» السنوي مع نحو 15 من الصحافيين في مايو (أيار) الماضي، التي كانت «الشرق الأوسط» وسيلة الإعلام العربية الوحيدة التي دعيت إليها، أجاب مؤسسا شركة «غوغل» سيرغي برين ولاري بيج عن الفرق في حياتهما بين اليوم وقبل 10 سنوات، أي حين أسسا شركتهما، فأجابا بابتسامة وهدوء «حسنا.. أقل ما يمكن قوله هو أننا لم نعد نخرج القمامة بأنفسنا». لعل إخراج القمامة يكون بالفعل من الأمور التي تتخلى عنها عندما تقف على رأس شركة تضم أكثر من 19 ألف موظف وتحقق دخلا يفوق الـ 16 مليار دولار في السنة (عام 2007)، وحين تكون واحدا من شابين أدرجتهما مجلة «فوربز» في مارس (آذار) الماضي ضمن قائمة المليارديرات الذين تقل أعمارهم عن 40 سنة (تقدر ثروة سيرجي ولاري بـ 18.7 مليار دولار).

لكن الكثيرين يعتبرون ان الإنجاز الحقيقي الذي حققه الثنائي سيرجي ولاري هو بناء ماركة صنفت أكثر من مرة على أنها الأقوى في العالم، فتجاوزت هذه الشركة الشابة في غضون 10 سنوات انجازات شركات عملاقة يتجاوز عمرها الـ 100 سنة في مجالات ضخمة مختلفة مثل التبغ أو السيارات أو الأدوات الكهربائية المنزلية. ففي إبريل (نيسان) الماضي، وُضعت «غوغل» على قمة قائمة أكثر ماركات العالم قوة للسنة الثانية على التوالي، وقدرت قيمة ماركتها brand value بنحو 86 مليار دولار بحسب الاستطلاع السنوي لشركة «ميلوارد براون» للإحصاء (المملوكة من قبل مجموعة الإعلان العملاقة «دبليو بي بي»)، والمعروف باسم BrandZ. وجاء ترتيب «الخمسة الأوائل» على النحو التالي: في المركز الأول «غوغل»، والثاني شركة «جنرال إليكتريك» بـ«قيمة ماركة» تقدر بـ 71 مليارا، والثالث شركة «مايكروسوفت» بـ 70.8 مليار، أما المركز الرابع فكان من نصيب شركة «كوكا كولا» بـ 58.2 مليار دولار، في حين كان المركز الخامس لـ «تشاينا موبايل» بقيمة ماركة تقدر بـ 57.2 مليار دولار. من جهتها، ترى ياسمينة بريحي ـ مدير تسويق «غوغل» لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بأن نجاح «غوغل» متعلق بتركيزها على المستخدم، لأن من المبادئ التي تؤمن بها الشركة هي التركيز على المستخدم، وأن كل شيء آخر يأتي بعد ذلك. وتضيف في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، عبر البريد الالكتروني، قائلة ان ذلك يعد سبب «إخلاص» الجمهور على شبكة الانترنت، مضيفة «ونحن نتبع نفس المنهج في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث ادركنا ان من أكبر المشاكل هي قلة المحتوى المحلي، فباشرنا باطلاق منتجات معربة، مثل «بلوغر» و«نول»، لزيادة حجم المحتوى». وعلى الرغم من أن هذه السياسة التي تتحدث عنها بريحي تتوافق مع «روح» التسويق التي تدرس في الكتب الجامعية، ومع الكثير من التعريفات التي يتداولها الأكاديميون عن الماركات، مثل أن الفرق بين «المنتج» و«الماركة» هو أن الأول مملوك من قبل مُصنعه، والثاني يملكه «الناس» (وربما من المفارقات اللافتة في هذا المجال، انه على الرغم من تكرار استخدام مصطلح «ماركة» فلا يوجد تعريف عالمي واحد له، فإن النموذج التجاري لـ«غوغل» وسياساتها تحير الكثيرين منذ تأسيسها. وحين يكرر المسؤولون في «غوغل» دائما «نحن نضع المستخدم أولا» فهم يعنون ما يقولون، ولعل المثال الأبرز على ذلك هو غياب الاعلانات عن صفحة محرك البحث الرئيسية التي تتميز ببساطتها الشديدة ولونها الأبيض النقي (بعكس ما فعلته عدة مواقع منافسة في بادئ الأمر). وفي قصة مشابهة حول «ماركة» غوغل كتبت في أغسطس (آب) عام 2001 ونشره موقع «براند تشانل» نقلا عن سيرغي برين تصريحا له اعطاه لمجلة «انترنت ماغازين» قال فيه «حين يأتي الناس إلى غوغل، كل ما يريدونه هو البحث، وهذا منتجنا». ومن الأمثلة اللافتة مثلا حول سياسة «المستخدم اولا» خدمة «غوغل نيوز» الإخبارية، وهي التي كتبت عنها جريدة «نيويورك تايمز» في يونيو (حزيران) الماضي قائلة انها لا تزال تعاني وتكافح من أجل البقاء في حلبة المنافسة. ومن الأمور البارزة كذلك، هي استراتيجيات غوغل الداخلية في التعامل مع الموظفين القائمة على الكرم والامتيازات الخاصة، واعطاء الموظفين 20% من وقتهم للعمل على افكارهم الخاصة. وكان محمد جودت، مدير تطوير الأسواق الناشئة في «غوغل»، اعتبر حول هذا الموضوع في حوار سابق مع «الشرق الأوسط »، ان الشركة تهتم للغاية بالناس الذين توظفهم، مضيفا «نريد افضل الخامات التي نستطيع الحصول عليها»... ومكررا «نحن لسنا شركة تقليدية».

والمحير في كل ذلك، هو انه في حين قد يرفض مدير الأعمال التقليدي مثل هذه الممارسات متمسكا بدراسات الجدوى الاقتصادية التقليدية، فما يبدو ان سياسات «غوغل» تنجح رغما عن كل شيء، ولا يمكن لاثنين ان يختلفا في ذلك... وإلا لما كانت الشركة اصبحت صاحبة اقوى «ماركة» في العالم. من جهة ثانية، ينتقد كثيرون «ضخامة» غوغل لدرجة يعتبر البعض انها تسببت بهجرها المبادئ التي أسست عليها، فهي التي اعتبرت يوما «بطلة الشعب» في وجه الشركات التجارية العملاقة الساعية لفرض احتكار ما في السوق، باتت متهمة اليوم بأنها تسعى لاحتكار مجموعة من الخدمات والادوات الخاصة بالانترنت لنفسها، مع انتقادات أخرى تتعلق بخصوصية المستخدمين وأمنهم الالكتروني. وكان موضوع الخصوصية من الأمور الطاغية على جلسة المائدة المستديرة التي عقدت في مايو الماضي، وأوضح لاري بيج حينها ان هذا الامر يعد في مقدمة اهتمامات الشركة، مضيفا «عليكم أن تثقوا بنا.. من دون الثقة لا عمل لنا»، موضحا أن الشركة تخسر أكثر مما تربح في حال فقدت ثقة المستخدمين. وأوضح ان الشركة تحتفظ بـ«تاريخ بحوث» شخصية لأغراض تحسين الخدمة وتوفير خدمات أفضل، وأن هناك أخطارا أكبر بكثير تكمن في ما يقوم كثيرون بنشره عن أنفسهم من صور ومعلومات على مواقع التعارف الاجتماعي على سبيل المثال. من جهتها تعود ياسمينة بريحي لتعلق قائلة:«مهمتنا بقيت كما هي، كذلك مبادئنا الاساسية»، مضيفة «مع نمونا، نحن ملتزمون بالابقاء على ثقافتنا المتواضعة، التي تسمح لفقاعات الأفكار بالصعود، مهما كان مصدرها». وتضيف بريحي «نحن لا زلنا مؤسسة مسطحة ذات اقل كم ممكن من التراتبية». مع هذا فإن الكثيرين يعتبرون ان ابداع «غوغل» الحقيقي كان في قدرتها على الامساك مبكرا بفكرة تجارية مبهرة، إذ يقول الكاتب جون باتيل في كتابه الشهير «ذا سيرش» (البحث)، فإن البحث بات الوسيلة العالمية المعتمدة للابحار عبر المعلومات الموجودة في العالم. وفعليا فإن عمل «غوغل» يعتمد على اسئلة الناس وسعيهم للحصول على معلومات (وهي يمكن أن تكون نصوصا، وصورا وفيديو وعناوين أو أخبارا أو أي أمر آخر)، وهو أمر لا يمكن أن ينضب... أو بمعنى آخر، طالما كان هناك طلب على المعلومات.. فستبقى «غوغل».