رمضان في مصر.. غياب «عناصر تلفزيونية» رئيسية

لا« فوازير» ولا «كاميرا خفية».. وسطوة مطلقة للدراما

TT

حتى أعوام قليلة ماضية كان لشهر رمضان المبارك سمة خاصة، تجددها كل عام باقة من البرامج المتميزة، طالما جمعت المصريين أمام شاشات التلفاز، بخاصة برامج المسابقات التي تستضيف كوكبة من نجوم الفن والرياضة، ومشاهير المجتمع، ليجد المشاهد نفسه منحازا لأحد الفرق ويشجعها بشدة. وأطرف ما في هذه البرامج هو قدرتها على تحفيز الذهن والخيال، حتى أن بعضها أصبح يقلد في الحفلات والتجمعات الأسرية الرمضانية.. لكن رمضان الجديد، أو بمعني أدق، رمضان هذا العام والأعوام السابقة أصبحت فيه الدراما هي المسيطرة ولها الكلمة الأولى في التلفاز، فيما تراجعت على استحياء البرامج بشتى صنوفها الترويحية والرياضية والاجتماعية وغيرها من برامج المسابقات.

هذه الظاهرة في رأي الناقد الفني طارق الشناوي أصبحت مربكة، وتشير إلى عدم التوازن والانسجام في أجندة ما يقدم على الشاشة الصغيرة في رمضان. والمدهش ان ساعات الدراما الموجودة في رمضان تتجاوز مدة عرضها عدد ساعات اليوم كله حتى إذا أراد المشاهد أن يراها جميعها فلن يستطيع.

يتابع الشناوي: بعد أن كانت الفوازير والكاميرا الخفية وبرامج كثيرة لطالما أمتعت الكثيرين أصبح «شرف فتحي الباب» و«الدالي» أصحاب الكلمة العليا في الشهر الكريم والضيف الدائم على شاشات المصريين الصغيرة.

لكن، قد يرى البعض أن السبب وراء اختفاء سطوة البرامج هو التطور الطبيعي لظهور الفضائيات العديدة، فأصبح عدم وجود علامة مميزة لقناة بعينها في ظل تنقل المذيعين والمعدين بين قناة وأخرى، وعدم وجود شخصيات ارتبطت بقناة محددة وبتوقيتات محددة، فضلا عن عدم وجود برنامج واحد يجمع الجميع على مشاهدته سواء ديني أو ترفيهي لأنه توجد حاليا محطات كاملة متخصصة في كل مجال على حدة.

بينما يرى آخرون أن سيطرة الدراما على الشاشة حولت الدراما إلى موضة، ومثلها مثل أي موضة رمضانية تأخذ وقتها وتعود مرة أخرى لما كانت عليه.. ففي سنوات ماضية كانت تتسابق القنوات في التنافس على الفوازير، ثم جاءت موضة الكاميرا الخفية، وبرامج المقالب، حيث وجدت بكثرة على كل القنوات منذ سنوات.

لكن يبدو أن هذه الموضة هي الأخرى في طريقها إلى الأفول فبرامج «السيت كوم» أو دراما الموقف تستعد للسيطرة على الشاشة الصغيرة.

لكن الدكتور صفوت العالم أستاذ الإعلام في كلية الإعلام جامعة القاهرة يرى أن سبب انحسار البرامج في التليفزيون رغم استمرار وجودها في الوقت الحالي هو أن تسويق الدراما أسهل وأكبر خصوصا مع وجود فنانين كبار، إضافة إلى أن الدراما تجذب المعلنين أكثر وبذلك فإن القناة التلفزيونية تستطيع أن تعوض ما دفعته في المسلسل.

ويشير العالم إلى أن التنوع الكبير الموجود على الشاشة الصغير جعل كل قناة تسعى لجذب المشاهدين من خلال مسلسلات درامية لا يستطيع المشاهد أن يغير القناة انتظارا للمسلسل على خلاف البرامج التي لا يربطها سياق درامي ولا يؤثر ترك حلقة على متابعتها باقي الشهر.

أما الدكتور عثمان فكري المدرس المساعد في كلية الإعلام جامعة القاهرة فيرى أن مشكلة البرامج الرمضانية تنحسر في عدم تجديد الأفكار، حتى الكاميرا الخفية أصبحت أفكارها مصطنعة ولا تقنع الجمهور بالضحك المصطنع برغم أن هناك أفكارا كثيرا تكون منسوخة من النسخ الأمريكية. ويرى عثمان أن المشكلة تكمن أساسا في المنتجين فهم لا يسعون إلى ابتكار أفكار جديدة أو معالجة السلبيات وإنما يلجأون إلى البدء في برنامج جديد يأخذ شهرته لوقت محدد وبعدها يسعون إلى برامج أخرى. ويتفق معه الناقد الفني طارق الشناوي، مشيرا إلى أن المنتجين والقائمين على البرامج يتخذون الطرق السهلة في الإنتاج ولا يوجد إبداع، ويقول «حتى الضيوف ستجد أن بعضهم يتكرر على مدار الأيام والأكثر انك قد تجد أحدهم يظهر في يوم واحد أكثر من مرة».

ويرى الشناوي أن فكرة البرامج الجماهيرية التي تجمع الأسرة جميعها انتهت أيضا بوجود 400 قناة فضائية، فبرنامج «حوار صريح جدا» على سبيل المثال كان يجمع الكل حوله، لكن الآن لا يوجد برنامج قادر على تجميع الناس في رمضان بهذا الشكل، وحتى إن وجد برنامج جاد فلن يتجمع المشاهدون حوله لحجم الفضائيات المهول.

وتطرق الشناوي إلى ظاهرة اختفاء الفوازير من الشاشة الصغيرة قائلا: إنه بعد رحيل المخرج فهمي عبد الحميد لم تعد هناك فوازير، فبرغم محاولات الكثير من المخرجين بعده إلا أن الفوازير عمل فني مركب، يحتاج إلى خيال وإذا اختفى الخيال ماتت الفوازير.

لكن المؤلف محفوظ عبد الرحمن يختلف عن الآراء السابقة ويرى أن الدراما هي العنصر الأساسي في التليفزيون فهي تجذب المشاهدين، لكنه يرى أن مشكلة نمو نفوذها على نفوذ البرامج يرجع إلى مشكلة في البرامج نفسها وهي أن شركات الإعلان أصبحت تتدخل بشدة في المحتوى المقدم، ما أدى إلى غياب البرامج الجيدة وسيطرة البرامج السيئة. لكن عبد الرحمن يرى أن سيطرة الدراما على شاشة رمضان بقوة كما يحدث الآن أمر محمود، مشيرا إلى أن تزايد المسلسلات يحرقها ويصرف الناس عن مشاهدة المسلسلات بل التليفزيون.

ويبدو أن الاختلافات في الآراء حول سبب تراجع البرامج الرمضانية لن تعيد للمشاهد الكاميرا الخفية التي كان يتابعها ولا الفوازير التي كان ينتظرها ليجيب عن أسئلتها، وسيظل هذا المشاهد يراوح مكانه، ويصارع الوقت حتى يستطيع أن يشاهد حفنة إعلانات تتخللها برامج، إضافة إلى مسلسلات تتداخل أحداثها حتى لا يعرف من يمثل، وفي أي مكان وفي أي موضوع، أو متى سوف يأتي العيد.. حقا إنها متاهة ترتكب كل عام باسم رمضان الكريم.