صحافيون يطالبون بمزيد من المهنية والاحتراف في مجال العلاقات العامة

شكاوى من الضغوط والمعلومات التقليدية والبيانات المكتوبة بشكل رديء

يتلقى الصحافيون عادة عشرات البيانات الصحافية يوميا لذلك فالأمر يستدعي «استهدافا جيدا» من قبل موظفي العلاقات العامة («الشرق الأوسط»)
TT

ما علاقة صحافي متخصص في مجال الإعلام أو السياسة مثلا بخبر تدشين مشروع عقاري جديد في بلد عربي؟ أو معرض للمجوهرات أو الماس تحضره فنانة أو «نخبة من الوجوه الاجتماعية»؟.

قد تبدو الإجابة عن السؤال السابق بسيطة، وهي «لا علاقة بالتأكيد».

وعلى الرغم من أن الأمر لا يتطلب الكثير من الذكاء، بل ويبدو الأمر بديهيا، فقد تفاجأ بكم الصحافيين الذين يشتكون من وصول بيانات صحافية ودعوات لا تمت لعملهم بصلة، حتى أنه بات أول ما يفعله كثير منهم هو «تنظيف» صندوق البريد الإلكتروني الخاص بهم من عشرات الدعوات والرسائل التي لا تمت لتخصصهم بصلة.

إلا أن المشكلة لا تتوقف هنا، فإذا افترضنا أن البيان الصحافي مرسل بالفعل للشخص المعني بالقطاع الصحيح، فثمة أمر آخر متعلق بأهمية محتوى البيان ومدى صلاحيته للنشر وطريقة كتابته. وفي جميع الأحوال، إذا لم ينشر البيان الصحافي، فإن بعضا من مندوبي العلاقات العامة يعمدون إلى اتهام الصحافيين بالتقصير وتعمد عدم نشر أخبار عملائهم.

من جهته، يوضح رئيس هيئة الصحافيين السعودية، تركي السديري، أن مسؤولي العلاقات العامة لا يتداولون في كثير من الأحيان سوى المعلومات التقليدية أو المطلوب تداولها، في حين أن الصحافي يحرص على أن يكون عمله مميزا ويحصل على معلومة خاصة.

ويضيف السديري لـ«الشرق الأوسط»: «احترم العاملين في هذا المجال لكن قطاع العلاقات لم يطور في العالم العربي بما يكفي»، موضحا: «من هنا تأتي أهمية توسع علاقات الصحافي، وألا تكون مقصورة على العلاقات العامة، لأنه بحسب مستوى المسؤولية، فإن المسؤول قد يعطي الصحافي فرصة الحصول على الخبر الذي يعطيه خصوصية».

وينوه السديري بأن العلاقات العامة مجال واسع، وأن دورها هو إيصال المعلومة أو الخبر إلى جهات مختلفة تتعامل معها، وليس الصحافة وحدها.

هذا ما يوضحه كذلك الصحافي نواف التميمي، الذي يحضّر رسالة دكتوراه في جامعة «تيمز فالي» Thames Valley في لندن، حول موضوع تعامل الصحافيين والعلاقات العامة، الذي يقول: «لا بد من إدراك أن مجال العلاقات العامة مجال واسع للغاية، وأن التعامل مع الإعلام هو مجرد إحدى أدوات هذا المجال، وأن هذه الأداة تعرف باسم «العلاقات الإعلامية» أو Media Relations».

وحول مشكلة البيانات الصحافية المذكورة سابقا، يوضح التميمي بأن «الاستهداف» الجيد او الـTargeting، يعد أحد أهم التمارين التي على العاملين في مجال العلاقات الإعلامية احترافها، فالعبرة ليست كم جهة تتلقى البيان، لكن نوع هذه الجهات، وعلى موظف العلاقات التفكير بينه وبين نفسه لماذا سيهم خبره هذه الوسيلة او هذا الصحافي تحديدا.

وبحسب الدراسة الأكاديمية التي يعمل عليها التميمي، والتي تستند إلى إحصاء شمل 110 صحافيين عرب وغير عرب في منطقة الشرق الأوسط، فإن 18.7% فقط من الصحافيين المشمولين في الاستطلاع يعتقدون أن ممارسي مهنة العلاقات العامة «أمناء».

كما توضح الدراسة أن 51% من الصحافيين المشمولين في الاستطلاع يرون أن أقسام العلاقات العامة لا تزود الصحافيين بمواد صالحة للنشر. ويضيف التميمي أن كثيرين من الصحافيين الذين التقاهم يشتكون من 3 عناصر رئيسية: رداءة المواد المرسلة، وجهل مندوبي العلاقات بتخصصات الصحافيين وما هي المواد الصالحة للنشر، وثالثا الضغوط التي يمارسها هؤلاء المندوبون.

ويقول حول العنصرين الأول والثاني إن الدراسة تظهر أن السبب الرئيسي في وجودهما هو كون المسؤولين عن العلاقات الإعلامية بعيدين كليا عن مجال الإعلام، ويضيف: «كثير منهم يأتي من تخصصات مختلفة كالإدارة أو العلوم التجارية».

ولعل ما قاله التميمي يفسر كون غالبية البيانات الصحافية العربية تتشابه في الشكل وفي المضمون، فكل من عمل فترة كافية في الصحافة يكاد «يُسمّع» لك البيان الصحافي العربي التقليدي.. فغالبيتها يكتب بشكل مضخم وإعلاني لشدة استخدام الأفعال من نوع «أهم» و«أكبر» و«أول».

من جهة ثانية، لسبب ما لا يستطيع مَن يكتب هذه البيانات الصحافية التخلي عن الحس الدعائي، فلا بد أن يأتي في كل مرة يذكر فيها اسم المنتج المتحدث عنه أو الشركة المعنية جملة دعائية على شكل «الشركة الرائدة في مجال كذا»، أو «أهم المنتجات في القطاع الفلاني». ويرى التميمي أن أفضل من يعملون في مجال العلاقات الإعلامية يأتون بالتأكيد من خلفيات صحافية، لأنهم يكتبون ويتعاملون مع الإعلاميين من واقع خبرة ومعرفة: كيف يفكر الصحافي، وكيف تفكر الوسيلة الإعلامية، وما الذي تبحث عنه تحديدا.

ولعل ما يدل على حقيقة ما يتحدث عنه التميمي هو كون أشهر رجال العلاقات العامة بالفعل كانوا صحافيين أساسا، ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك هو «عملاق العلاقات العامة البريطاني» ماكس كليفورد، وأليستر كامبل الذي عمل صحافيا قبل أن يعمل كمسؤول الاتصالات لرئيس الوزراء البريطاني توني بلير، وهناك أيضا «الصحافي الأسطورة» (الراحل) إدوارد مورو الذي عين على رأس «وكالة معلومات الولايات المتحدة» USIA عام 1961.

لكن ماذا عن عامل الضغوط؟.. يجيب التميمي بالقول إنه عندما لا ينشر البيان الصحافي فهناك ممارسون لمجال العلاقات لا يتوقفون عند ذلك، بل يمارسون بعض الممارسات التي تعتبر لا أخلاقية، مثل تجاوز الصحافي والاتصال بمسؤوله او صاحب المؤسسة الإعلامية مصورين إياه على انه صاحب أجندة أو يطلب مصلحة معينة.. أو يعمد لاستخدام حجة كون عميله معلنا في الوسيلة للتلويح بسحب الإعلانات او خفضها، وهو ما يشوه العلاقة مع الصحافيين بشكل كبير.

وقد يلجأ عدد منهم إلى أساليب مختلفة ـ كعرض منافع معينة أو حتى الترويج بأن الصحافي لا ينشر أخبارا إلا مقابل مكافأة معينة كنوع من الضغط لضمان تمرير البيانات الصحافية، رغم أن هذه الممارسات مرفوضة من قبل هيئات وجمعيات محترفي مهنة العلاقات العامة.

من جهة ثانية، أصدرت هيئة الصحافيين السعوديين بيانا مطلع الأسبوع الجاري اعتبرت فيه أن مثل هذا الممارسات، إن وقعت، تعد «إخلالاً كبيراً بأساسيات أخلاق المهنة وشرفها»، طالبة من الذين لديهم معلومات حول هذا الشأن تزويدها بأسماء مَن يقوم بمثل هذه الأعمال وذلك «ليتسنى للهيئة اتخاذ الإجراء الذي يحفظ للصحافة والصحافيين مكانتهم، وإيقاف من يحاول أن ينتسب إلى المهنة ممن لا يراعي أخلاقياتها، مع أننا نستبعد حدوث ذلك عند الصحافيين الذين يحترفون المهنة».

ويرى الدكتور عبد الله جحلان، أمين هيئة الصحافيين السعودية، بأن الأمر «ليس ظاهرة حتى نتخوف منها»، مضيفا بأن الصحافي المحترف «ليس جاهلا» (حتى تنطوي عليه الحيل)، ويوضح: «التعميم بشكل عام خطأ ولا يصح أن نقول إن كل الصحافيين كذلك، كما لا يصح القول إن جميع الأطباء يخطئون».

ويقول جحلان: «إذا كان هناك حالة معينة فيجب أن تحصر وتبين»، مضيفا بأن التعميم في مثل هذه الحالات يهدم ما يبنى من مصداقية للصحافيين، لذلك فهو يشير إلى أن الهيئة لديها قوانين وضوابط ومحامين في وجه من يثبت تورطه في مثل هذه الممارسات، ومن يطلق الاتهامات بشكل عشوائي كذلك.

أما تركي السديري، فيقول إنه لم يمر عليه مطلقا بأن موظف علاقات عامة أعطى صحافيا مقابلا.

ويضيف السديري: «الصحافي عندنا مستواه الوظيفي ليس بسيطا، فمتوسط الرواتب للصحافي ذي الخمس سنوات من الخبرة هي بين الـ10 و50 ألف ريال».

هذا في ما لا يرى الجحلان إشكالية في علاقة «العلاقات العامة والصحافة»، طالما تأطرت وتمت بشكل مهني. ويوضح بأن ثمة أشكالا متعارف عليها بين القطاعين مثل صفحات وأقسام الخدمات التي تنشر البيانات الصحافية.

من جهته، يقول نواف التميمي بأن علاقة الصحافيين ومسؤولي العلاقات العامة أشبه بكونها علاقة «حب وكراهية»، أو بمعنى آخر فإن كلا من الطرفين يقول للآخر «أنا لا استطيع أن أعيش معك.. لكني لا استطيع أن أعيش من دونك كذلك».