الصحافي الاقتصادي عملة نادرة في بورصة الإعلام العربي

الأزمة العالمية وضعته في بؤرة الأضواء

TT

إنه الفائز بالتأكيد من كل تلك الضجة العالمية التي أحاطت بالأزمة المالية الطاحنة فهو من ينقلها، والأقدر على التفاعل معها، وأصبح بالتبعية نجما لشباكها والحدث فرض نفسه على الإعلام العالمي، جعله بمثابة عملة نادرة في ظلالها الحارقة.

كشفت الأزمة بقوة عن الصحافي الاقتصادي، وأخرجته من دائرة العادة والمألوف إلى دائرة الضوء. حتى أصبح الصحافيون الاقتصاديون بمثابة مراسلين حربيين، فهم يغطون ذلك الحدث، وسط سيل من التداعيات تشبه نيران المدافع والقنابل، وبالطبع أصبحوا يحتفظون بمكانة في مطبوعاتهم على الصفحة الأولى، وفي المساء سرعان ما يدلفون ضيوفا على إحدى القنوات الفضائية، وبعدها بقليل على أخرى للحديث عن أسباب صعود ذلك السهم أو إفلاس ذلك البنك أو تلك الشركة وفي صباح اليوم التالي يتحدثون عن خبر كتبوه في تلك الصحيفة أو ذلك الموقع على الانترنت.

أصبح صحافيو الاقتصاد ضيفا محببا على القنوات الفضائية فالكل ينتظرهم ليبعثوا الطمأنينة بينهم ويستمعوا لنصائحهم لشراء ذلك السهم أو التأني في بيع الأسهم، بعد أن كانت صفحات الاقتصاد من الصفحات المكروهة من جانب معظم القراء اللهم إلا بعض المضاربين بالبورصة والمهووسين بعالم المال والأعمال.

ووجدت فقرات الاقتصاد في البرامج التلفزيونية لنفسها مساحات اكبر، تتوسع شيئا فشيئا لتأكل من نصيب السياسة وباقي الأخبار. وأصبح لزاما على معدي البرامج أن يملأوا تلك المساحات الزمنية بضيوف قد يتكررون في قناة أو قناتين تلفزيونيتين خلال اليوم الواحد. يرى الدكتور عثمان فكري مدرس الصحافة في كلية الإعلام جامعة القاهرة إن الأزمة المالية العالمية وضعت الإعلام العربي عموما والصحافة، خصوصا في اختبار يتمثل في أنها: هل ستستطيع أن تلبي رغبات قرائها، خصوصا أن المهتم بالاقتصاد عموما يستطيع أن يقرأ الصحف الأجنبية المكتوبة بلغات أخرى، ولهذا لم يعد الأمر مجرد منافسة بين الصحف المحلية وأصبح التنافس عالميا، ولهذا ستؤدي الأزمة إلى إعادة رسم الخارطة الصحافية الاقتصادية. وتابع قائلا: قد نجد بعض الصحف الاقتصادية تصعد بقوة في الفترة القادمة، وقد تتفوق على صحف اقتصادية قديمة، لكنه ربط ذلك الأمر بقدرة الصحف على التعامل مع الأزمة الاقتصادية بحرفية عالية ويتم التعامل معها مثل التعامل مع أخبار الكوارث التي تجعل الصحافيين في حالة استنفار دائم، مشيرا إلى أن الأزمة الاقتصادية أعادت المطالبات بتوعية الطلاب في الجامعات بأهمية التخصص في مجال العمل الإعلامي، وخاصة أن الاقتصاد من المواد الكريهة بالنسبة لبعض القراء.

ويتوقع فكري أن تؤدي الأزمة إلى خلق ما يسمى بالصحف الشعبية الاقتصادية، التي تخاطب الجمهور العادي غير المتخصص وتتناول قضاياه وتأثير الأزمة الاقتصادية عليه، وكيفية خروجه من تلك الأزمة ومناقشة كيفية تجنب تأثير الأزمة المباشر عليه.

وأعتبر أن الصحافة الاقتصادية الناجحة هي التي ستناقش الأزمة الاقتصادية من وجهة نظر الناس العاديين وليس من ناحية المسؤولين وإن كان على الصحف أن تناقش هذا الأمر، لكنها في الأساس يجب أن تسعى إلى تقديم متابعة لتأثير الأزمة على رجل الشارع العادي، وما هي السبل لتجنب التأثيرات السلبية.

وأكد أن الأزمة الاقتصادية العالمية وضعت أمام الجامعات وكليات الإعلام تحديا مهما، يتمثل في إعداد خريج جدي قادر على العمل في التخصصات المختلفة وأن تكون لديه قدرة على التأقلم والعمل في كافة التخصصات.

بدوره، يرى سعد هجرس الصحافي ومدير تحرير صحيفة «العالم اليوم» الاقتصادية أن الأزمة المالية العالمية بقدر ما خلقت للصحافيين الاقتصاديين فرصا جديدة إلا أنها وضعت أمامهم العديد من التحديات، فأصبح عليهم ألا يكتفوا بنقل الأحداث وإنما أيضا أن تكون مداركهم واسعة ولم يصبح الأمر مجرد أرقام تُرصد فالاقتصاد علم إنساني ويتابعه الآن 6 مليارات إنسان مهتم بتأثير الأزمة عليه.

وأوضح قائلا: أصبح عليهم أن يربطوا كل شيء بالاقتصاد، السياسية والرياضة والمجتمع وكل شيء، مرتبط بالاقتصاد وعليهم أن يبرزوا ذلك.

وأكد أن الأزمة خلقت نوعا من التحدي على الصحافة الاقتصادية عموما، مشيرا إلى أن الدماء الجديدة التي بثت فيها لن تكفي وإنما الأمر سيحتاج تقديم موضوعات جذابة وفي الوقت نفسه ذات مصداقية عالية.

وقال هجرس إننا لا نتحدث عن أزمة عارضة، إنها أزمة ستستمر لأعوام ولا بد على الصحافي أن يضعها أمامه وعلى جدول أعماله بصفة مستمرة.

ولم يعد الأمر يقتصر على كون الصحافيين نجوما أمام كاميرات التلفزيون وإنما أيضا وراء الكاميرا في طواقم الإعداد، وامتد الأمر إلى زيادة حاجة البرامج والقنوات إلى معدين ذي خلفية اقتصادية، وبالطبع لا يوجد أفضل من الصحافي الاقتصادي للتصدي لهذا الأمر.

ويقول عماد السيد وهو صحافي وبدأ يعمل في إعداد برامج «البيت بيتك» في التلفزيون المصري أخيرا: أصبح لدينا فرص جيدة نسبيا مع الأزمة المالية العالمية لم يعد يقتصر الأمر على عملي الصحافي ولكنني بدأت أعمل في مجال الإعداد، مشيرا إلى أن الأزمة جعلت الاقتصاد من الفقرات الأساسية في فقرة الأخبار داخل البرنامج.

ويتابع قائلا: الصحافيون الاقتصاديون أصبحوا ضيوفا دائمين، مشيرا إلى أن الأمر دفع ببعض القنوات الخاصة لتخصيص مكافآت للصحافيين الضيوف بعدما كان الأمر يتم في إطار ودي. لكن «فهيمة أحمد» وهي معدة في قناة العربية، ترى أن الاهتمام بالاقتصاد في القنوات الفضائية والإعلام العربي عموما بدأ قبل أعوام مشيرة إلى أن تجربة الصحافة الاقتصادية في مصر بدأت في وقت لم يصدق أحد أنها ستنجح وظلت تقاوم حتى فرضت نفسها على الواقع الصحافي. وأضافت قائلة: الأزمة بالتأكيد فرضت حالة معينة على الإعلام وزاد الاهتمام بالصحافيين الاقتصاديين، خصوصا المعدين حيث احتاجت القنوات إلى طواقم إضافية من المقدمين والإعداد. وفي تصور فهيمة أن الضوء سيظل مسلطا بقوة على الصحافي الاقتصادي وسوف يستمر هذا لفترة طويلة حتى تخمد نيران هذه الأزمة الطاحنة التي أربكت أجندات العالم.