تأييد الصحف الأميركية للمرشحين.. ما مدى تأثيره؟

عصر الإنترنت فتح الباب أمام الناس لمناقشة رأي الجريدة

TT

يوم الاحد الماضي، نشرت جريدة «لوس انجلوس تايمز» رأيا في افتتاحيتها ايدت فيه السناتور باراك اوباما، مرشح الحزب الديمقراطي، لرئاسة الجمهورية.

ليس جديدا ان تؤيد جريدة مرشحا دون آخر. لكن الجديد هو ان عصر الانترنت فتح المجال امام عامة الناس ليقولوا رأيهم في رأي الجريدة. في الماضي، كان رأي الجريدة شبه مقدس، ينتظره الناس، ويؤثر في آرائهم بطريقة او اخرى.

لكن، الآن انتبهت الصحف الى تأثير الانترنت (خاصة لأنها تريد استمرار مصداقيتها، والمحافظة على توزيعها، وزيادة الاقبال على مواقعها). وصارت الصحف: اولا: تفضل مرشح على مرشحا، كما ظلت تفعل لمئات السنين. ثانيا: تضيف بأن موقعها مفتوح لمناقشة رأيها.

لهذا، وصفت جريدة «لوس انجلوس تايمز» نفسها بأنها «احسن جريدة في جنوب ولاية كليفورنيا في اعلان آرائها». وقالت ان ذلك يجعل قارئها «اقدر قارئ على التعبير عن رأيه». ويوم الاثنين، بعد يوم من اعلانها تفضيل اوباما، قالت انها استلمت اكثر من الف تعليق على ذلك. وقالت: «لم يحدث ذلك في تاريخ افتتاحياتنا، وتاريخ تفضيلنا لمرشح على آخر».

وقال جيم نيوتون، رئيس كتاب الافتتاحيات، انه، بسبب هذا، قرر ان يبقى امام الكمبيوتر خلال عطلة نهاية الاسبوع، ويطلع على الردود اولا بأول. وقال انه لاحظ الآتي:

اولا: ايدت اغلبية، وعارضت اقلية، تأييد الجريدة للسناتور اوباما.

ثانيا: قالت نسبة قليلة من الذين عارضوا انهم فعلوا ذلك لأن اوباما اسود (وشتموه لسواد لونه). وانه «مسلم خفي». وأن الجريدة تجامل اوباما لأنه اسود (عقدة الرجل الابيض).

لكن، قال نيوتون: «نتوقع مثل هذه الأراء غير المهذبة، لكنها ليست الا نسبة ضئيلة جدا من جملة الآراء. بصورة عامة، نحن نهدف الى ان يكون الاختلاف في الرأي واضحا ومحترما. وبصورة عامة، ليس الاهم هو تفضيل الجريدة للسناتور اوباما او للسناتور ماكين، ولكن احترام الاختلاف في الرأي».

وكأن نيوتون يقول ان الرأي الذي يعارض رأي الجريدة صار لا يقل اهمية عن رأي الجريدة.

لا يختلف وضع نيوتون عن وضع سكوت غلسبي، رئيس كتاب الافتتاحيات في جريدة «تربيون» في منيابوليس (ولاية منيسوتا)، والتي ايدت اوباما. قال: «لا نريد ان نقول للقارئ هل يصوت مع اوباما او ماكين. نريد ان نوفر له اكبر كمية ممكنة من المعلومات لنساعده على تكوين رأيه. اعتمد رأينا على المعلومات الكثيرة التي جمعناها. ولهذا، نريد ان نقدم الى القارئ، انصافا له، وليس انكارا لحقه في قول رأي معارض لرأينا».

كانت هذه اول مرة يكتب فيها غلسبي افتتاحية عن تفضيل مرشح على آخر. بل هو حديث عهد بكتابة الافتتاحيات، لأنه كان، حتى وقت قريب، في الجانب التحريري من الصحيفة.

وحكى قصة معناها ان الصحيفة يجب الا تقول رأيها للتأثير في القارئ، ولكن لتشجيعه على ان يقول رأيه هو. قال انه كان صغيرا، في ريف ولاية منيسوتا، عندما قالت والدته انها ستضع امام منزل العائلة لافتة تؤيد صديقتها التي ترشحت في انتخابات محلية. لكن، عارض والده وكان صحافيا. وقال والده ان علاقة والدته بصديقتها اثر في رأيها فيها.

تعني القصة ان هناك فرقا بين ان يعلن شخص رأيه، وبين ان يطلب من الآخرين ان يؤيدوه. وان الصحيفة الحزبية، نعم، تريد من الآخرين ان يؤيدوها. لكن الصحيفة المستقلة يجب الا تفعل ذلك.

لكن، ليس سرا ان اغلبية الصحافيين الاميركيين يمولون الليبرالية اكثر من اليمينية. ولا بد ان ينعكس هذا، ليس فقط على الاخبار التي يجمعونها، ولكن، ايضا، على الافتتاحيات التي يكتبونها.

وقال ذلك قارئ يميني ردا على تأييد صحيفة «تربيون» للسناتور اوباما. قال: «لم اتوقع ابدا ان تؤيدوا السناتور ماكين. كان اجدر بكم ان تقولوا انكم ليبراليون وتؤيدوا المرشح الليبرالي، بدلا عن ان تختفوا وراء شعارات الاستقلالية الصحفية والنزاهة المهنية».

ربما هو على حق. حتى السناتور اوباما نفسه انتقد، أخيرا، تلفزيون «فوكس»، وقال انه يميني، ولهذا يعارضه. لكن، في الجانب الآخر، شعار تلفزيون فوكس هو: «نحن نقدم لكم المعلومات، وانتم تقررون».

ربما تريد كل صحيفة ان تكون افتتاحيتها نزيهة. وان تقول انها لا تريد ان تؤثر في رأي القارئ. وان تكتفي بتقديم المعلومات له ليحدد هو رأيه. لكن، الواقع ان كاتب الرأي يتاثر بآراء غيره، وقارئ الرأي يتأثر به.

خلال الاسبوع الماضي، ايدت صحيفة «تامبا تربيون» (ولاية فلوريدا) ماكين. وايدته ايضا صحيفة «دالاس نيوز» (ولاية تكساس). في الجانب الآخر، ايدت صحيفة «دنفر بوست» (ولاية كولورادو) اوباما. وايدته ايضا صحيفة «ميامي هيرالد» (ولاية فلوريدا). ربما هذه مواقف متوقعة لان مثل هذه الصحف الاميركية الرئيسية، رغم انها «مستقلة»، تميل قليلا نحو اليمين او نحو اليسار.

مثل صحيفة «تامبا تربيون» التي، كما كان متوقعا، ايدت السناتور ماكين. لكنها قالت في افتتاحيتها انها «مستقلة» اكثر منها «جمهورية». وبرهنت على ذلك بأنها، في انتخابات سنة 2004 لم تؤيد الرئيس بوش، لانها اعتبرته «رئيسا فاشلا». ولم تؤيد منافسه السناتور كاري لانها اعتبرته «ليبراليا». واعلنت «استقلالها».

لماذا ايدت ماكين هذه المرة؟ «لاننا نمر بظروف صعبة تحتاج الى حكمة».

لماذا ايدت «ميامي هيرالد» اوباما؟ «لنفتح صفحة جديدة في تاريخ اميركا والعالم نحو الاعتدال والتسامح».

عبر تاريخها، ظلت الصحف الاميركية الرئيسية «المستقلة» تريد ان تكون «مستقلة» في تاييدها لمرشح دون آخر. ولأنها «مستقلة» وليست «حزبية»، ظلت تقول انها لا تريد ان تؤثر في رأي القارئ. وتريد، فقط، ان تقول رأيها. وتقدم للقارئ كل المعلومات الممكنة ليقول هو رايه من دون ان يتأثر برأيها.

حدث هذا عبر تاريخ صحيفة «شيكاغو تربيون»:

يوم 2-5-1855، دخل ابراهام لنكون، عضو الكونغرس الشاب الانيق الطويل، مكتب الصحيفة في شارع كلارك في شيكاغو. وقال انه جاء ليهنئ الكولونيل ماكورميك (الجمهوري) الذي اشترى الصحيفة، وانه لم يكن يرتاح لرأي الصحيفة في عهد مالكها السابق (الديمقراطي).

ومنذ ذلك الوقت، وخلال ستة انتخابات (اربعة للكونغرس واثنين لرئاسة الجمهورية) خاضها لنكون، ايدته الصحيفة. وفي انتخابات سنة 1860 لرئاسة الجمهورية، ايدته لأنه، كما قالت: «رجل محافظ ويعارض تجارة الرقيق. يدل هذا على استقامة شخصيته، وندرة معدنه».

ومنذ ذلك الوقت، ظلت «شيكاغو تربيون» تقول انها «صحيفة جمهورية مستقلة». ثلاث مرات عندما ترشح الديمقراطي فرانكلين روزفلت لرئاسة الجمهورية، عارضته. اول مرة، ارسل لها خطابا كتب فيه بخط كبير: «لماذا؟». ورد الناشر «الكولونيل ماكورميك»: «لانك اشتراكي» (اشارة الى قرارات مواجهة الانهيار الاقتصادي سنة 1929، واصدار قوانين حكومية لانقاذ النظام المصرفي). وقال روزفلت لاصدقائه: «الكولونيل ماكورميك مصاب بخلل عقلي».

وفي سنة 1960، عارضت الصحيفة المرشح الديمقراطي جون كنيدي. وقالت: «تاجر والده في تجارة الويسكي الاسكتلندي بينما كان العالم يحارب النازية. ويصرف الآن ارباح الويسكي ليكون ابنه رئيسا لاميركا».

لكن، في سنة 1974، رغم انها ايدت الرئيس الجمهوري نيكسون ثلاث مرات، انتقدته بسبب فضيحة «ووترغيت». وافتخرت بأنها كانت الصحيفة الاميركية الوحيدة التي نشرت نص الاتصالات التليفونية (ست صفحات كاملة) بين نيكسون ومساعديه، والتي اثبتت دوره في الفضيحة.

ثم كتبت افتتاحية عنوانها: «اسمع يا مستر نيكسون» (لا الرئيس نيكسون). وخيرته بين ان يستقيل او يقيله الكونغرس.

لكن، عارضت افتتاحيتها ترشيح كارتر الديمقراطي، وايدت ترشيح ريغان الجمهوري (مرتين)، وترشيح بوش الاب الجمهوري، وعارضت ترشيح كلنتون الديمقراطي (مرتين)، وايدت ترشيح بوش الابن الجمهوري (مرتين). لهذا، هذه المرة، توقع كل الناس ان تؤيد ماكين الجمهوري.

لكنها، لاول مرة منذ ان دخل لنكون مكتبها قبل مائة وخمسين سنة، ايدت مرشحا ديمقراطيا.

قبل اسبوعين من تأييدها للسناتور اوباما، انتقدها، وقال انها: «ظلت تؤيد الحزب الجمهوري عبر تاريخها». لكن، بعد اسبوعين، أيدته. وقالت: «منذ مائة وخمسين سنة، هذه اول مرة نؤيد فيها مرشحا ديمقراطيا لرئاسة الجمهورية».