«كريستيان ساينس مونيتور» تودع الورق بعد قرن من الصدور

الصحيفة الصغيرة ذات التأثير الواسع ستتحول إلى مجلة أسبوعية وموقع إليكتروني جذاب

نسخة تجريبية من العدد الأسبوعي
TT

اتخذت «كريستيان ساينس مونيتور» هذه الصحيفة الصغيرة الحجم التي ستحتفل في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل بمرور قرن على صدورها، أصعب قرار في تاريخها «لكنه القرار الصائب» على حد قول إدارتها. قررت «مونيتور» كما ينطق اسمها اختصاراً التوقف عن الصدور في نسختها الورقية في ابريل (نيسان) المقبل، والتحول الى صحيفة اليكترونية، على ان تصدر نسخة اسبوعية ورقية. وسترسل الصحيفة نسخة اليكترونية على صيغة «بي دي إف» PDF للمشتركين بالبريد الالكتروني، في حين ستباع النسخة الاسبوعية بمبلغ 3.50 دولار، او بمبلغ 89 دولارا للاشتراك السنوي. وقال ديفيد كوك مدير مكتب الصحيفة في واشنطن لـ«الشرق الاوسط»: «إن هناك سببين لهذا الاجراء، هو اعتماد الصحيفة على نفسها بدلاً من الاعتماد على التمويل الذي توفره كنيسة «كريستيان ساينس» التي تغطي العجز في نفقات الصحيفة، والسبب الثاني ان عدة صحف لديها مشاكل في بيع نسخها الورقية، ووجدت «كريستيان ساينس مونيتور» ان لديها حوالي مليون زائر لموقعها شهرياً، لكنها تبيع 200 ألف نسخة فقط شهرياً لذلك كان لا بد من إعادة النظر في النسخة الورقية» ويعتقد كوك أن القرار سيسمح بتطوير الأداء التحريري، وقال في هذا الصدد «سيتيح لنا القرار تقليص النفقات وتوظيفها تحريرياً». وقال كوك في إطار شرح الأوضاع المالية للصحيفة: «ان ميزانيتها السنوية ستبلغ عجزاً يصل الى حوالي 19 مليون دولار وستغطي الكنيسة حوالي 12 مليون دولار من هذا العجز».

واختارت «كريستيان ساينس مونيتور» اسلوباً مبتكراً في الاعلان عن قرارها، فقد وضعت شريط فيديو على موقعها في شبكة الانترنت، حيث يقدم كل من جون ياما رئيس تحرير الصحيفة، وجوناثان ويلسون مدير النشر توضيحات حول الاسباب التي أدت الى اتخاذ القرار. وقالا إن القرار تطلب ثلاث سنوات من الدراسة على ضوء الرواج الذي وجدته الصحف على الانترنت، واشارا الى ان النشر على الشبكة، أوجد مشاكل للصحف لكنه في الوقت نفسه اتاح إمكانية للانتشار في جميع أنحاء العالم، بدلاً من التوزيع في مدن الساحل الشرقي من الولايات المتحدة، حيث تصدر «كريستيان ساينس مونيتور» من مدينة بوسطن (ولاية ماساتشوسيتس). واشارا الى ان سعر الصحيفة المرتفع (دولار واحد) وعدم وجود وقت للقراءة في اميركا هو الذي حتم اتخاذ القرار. يشار الى ان قراءة الصحف تكاد تنحصر الآن في قطارات الانفاق والحافلات. وقال ياما وويلسون ايضاً إن الصحيفة اختارت نهاية الاسبوع لاصدار عددها الاسبوعي الورقي لان الناس يكون لديهم وقت للقراءة.

وقال المسؤولان إن الصحيفة ستحتفظ بمراسليها في كافة انحاء العالم. واشارا الى انهما ابتداء من ابريل (نيسان) المقبل سيكتب هؤلاء المراسلون لموقع الصحيفة على الشبكة والعدد الاسبوعي في الوقت نفسه الذي سيطبع على ورق صقيل ويعتمد على تقارير المراسلين والصور المتميزة. واوضح المسؤولان ان توفير تكاليف الطباعة والتوزيع سيتيح للصحيفة «تحقيق تقدم في مجال الاستقرار المالي» وفي الوقت نفسه تدعيم مصادر اخبارها العالمية.

وتعتزم الصحيفة تقليص طاقمها التحريري الذي يضم حالياً 95 محررا بعد ان تكتمل عملية الانتقال الى الصحيفة الالكترونية.

يذكر ان «كريستيان ساينس مونيتور» توجد لها شبكة مراسلين في اوروبا والشرق الاوسط وآسيا، كما دأبت على إيفاد مراسلين بانتظام الى القارة الافريقية. وكانت السيدة أدي هي التي اسست «كريستيان ساينس مونيتور» قبل قرن من الزمان على اساس ان «لا تجرح أحداً ولكن تبارك جميع البشر» وهو الشعار الذي اختارته الصحيفة.

واقترن اسم «كريستيان ساينس مونيتور» بالمنطقة العربية باختطاف الصحافية جيل كارول في العاصمة العراقية بغداد، حيث بقيت بين أيدي خاطفيها مدة 83 يومياً وأطلق سراحها في مارس (آذار) عام 2006، وكانت تعمل مراسلة متعاونة مع الصحيفة عندما اختطفت لكنها تم توظيفها ضمن طاقم الصحيفة بعد إطلاق سراحها. ونشرت كارول مذكراتها في 11 حلقة في الصحيفة. حيث تحدثت عن كيفية إجبارها على الحديث في شريط فيديو، مشيرة الى ان أصعب لحظات حياتها عندما اراد الخاطفون ذبحها بالسكين وتوسلت اليهم بأن يطلقوا عليها الرصاص بدلاً من ذبحها. وكانت كارول أجبرت على امتداح خاطفيها وهي في قبضتهم لكنها وصفتهم على اثر عودتها الى بوسطن بالمجرمين. وجلبت مذكرات جيل كارول عدداً كبيرا من القراء لصحيفة «كريستيان ساينس مونيتور». وحظيت «كريستيان ساينس مونيتور» هذه الصحيفة التي لا يتجاوز عدد صفحاتها 24 صفحة والتي تصدر في حجم تابلويد باحترام وتأثير وسط الطبقة السياسية في واشنطن، كما أنها كانت لها سمعة مهنية طيبة وسط الصحافيين، ونالت «كريستيان ساينس مونيتور» جائزة «بيلتزر» الصحافية الشهيرة سبع مرات، كما ان ثلاثة من رؤساء تحريرها انتخبوا رؤساء لجمعية رؤساء تحرير الصحف الاميركية.

ويقول رئيس تحرير «كريستيان ساينس مونيتور»: «إن الصحيفة في القرن المقبل كما كان الشأن في القرن الماضي ملتزمة بالبحث عن إجابات لأهم مشاكل العالم، وطرح اسئلة تجعل القارئ يذهب خلف الاخبار وهو ما يمثل تجاوباً مع مبادئ ورؤية السيدة أيدي».

اختفاء النسخة الورقية لصحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» في ابريل (نيسان) المقبل طرح من جديد سؤالاً مقلقاً على كبريات الصحف الاميركية بشأن استمرار النسخ الورقية، وهي الصحف العشر التي تتصدر ارقام الطباعة، وهي بالترتيب، يو إس توداي، وول ستريت جورنال، ونيويورك تايمز، ولوس انجليس تايمز، ودايلي نيوز، ونيويورك بوست، وواشنطن بوست، وشيكاغو تربيون، وهيوستن كورنيكل، واريزونا رببليك.

صحيفة «واشنطن بوست» التي تطبع حالياً حوالي 700 الف نسخة، قالت إنه ليست لديها اية خطط لالغاء النسخة الورقية، لكنها تريد تطوير موقعها على الشبكة خاصة قسم الفيديو بحيث تتواكب التغطية الورقية مع التغطية بالفيديو وذلك بحثاً عن الاعلان المصور على غرار شبكات التلفزيون. وعندما سئل آرثر سيلزبيرغ ناشر «نيويورك تايمز» في كاليفورنيا خلال الشهر الماضي حول ما إذا كان يتوقع النسخ الورقية بعد عشر سنوات قال: «لب الاجابة هو اننا لا نهتم» وتوقع ان تستمر الصحف الورقية لفترة طويلة واضاف يقول «يجب ان نكون في المكان الذي يريده الناس».

أما الباحث الدكتور أرين تيلينغ الذي يعمل مستشاراً «للجمعية العالمية للصحف» (دبليو إيه إن) و«مكتب تدقيق التوزيع» (إيه بي سي) ، فيرى ان اقتصار اية صحيفة على الورق او الموقع الالكتروني تعد مجازفة، وأضاف يقول لـ«الشرق الاوسط»: «الآن اصبحت هناك أربع دعامات يجب ان تفكر فيها اية صحيفة مكتوبة، وهي موقع الكتروني جذاب، ووسائط الاعلام المتعددة (فيديو وصوت) على الموقع وطبعة ورقية تعتمد اسلوب التوزيع على المشتركين تحت عقب الباب، واشتراكات في الاخبار والتقارير المهمة عبر البريد الالكتروني». ويرى تيلينغ أن توقف النسخة الورقية من «كريستيان ساينس مونيتور» سيجعلها تفقد عدداً مهماً من القراء وربما لا يجلب لها الموقع على الشبكة قراء جددا وقال ايضاً: «مونيتور كانت تؤثر كثيراً في دوائر الكونغريس وغالباً ما كنا نجدها على مكاتب الاعضاء، ولا أظن الآن ان هؤلاء سيقتفون أثرها على الشبكة».

المؤكد انه باختفاء «كريستيان ساينس مونيتور» الورقية، ستختفي صحيفة لها مذاق ورائحة.