الإعلام الأميركي وقياسيات التغطية الانتخابية

أسعار صحف بلغت 500 دولار.. و70 مليونا شاهدوا خطاب النصر.. وصحافيون خالفوا العرف

بائع صحف يعرض صحيفتين أميركيتين تحملان عنوانا واحدا: «التغيير بدأ في أميركا» (أ.ب)
TT

بقدر ما ساهم الاعلام الاميركي في الاثارة التي لم يسبق لها مثيل في الانتخابات الاخيرة التي انتهت بفوز باراك اوباما، بقدر ما استفاد الاعلام نفسه من هذه الاثارة، والتي تركزت على وجود أول أسود يرشحه حزبه لرئاسة الجمهورية، وأول امرأة كاد حزبها ان يرشحها لرئاسة الجمهورية، وأول امرأة رشحها حزبها نائبة لرئيس الجمهورية. سجلت أعداد مشاهدي المناظرات التلفزيونية ارقاما قياسية. وصار الانترنت منفذا رئيسيا بصورة لم يسبق لها مثيل: اولا: لنشر الاخبار والتعليقات. ثانيا: للاطلاع على الأخبار والتعليقات. ثالثا: لجمع التبرعات. ورغم ان الصحف اليومية، بسبب الانترنت، لم تعد مصدرا رئيسيا، وزعت ارقاما قياسية صبيحة يوم اعلان نتائج الانتخابات. بل اضطرت صحف، مثل «واشنطن بوست»، لاعادة طبع مئات الآلاف، بعد يومين او ثلاثة، وذلك بسبب زيادة الرغبة في الاحتفاط بنسخ تذكارية.

* الصحف الأميركية وتوزيع قياسي

* اضطرت صحف في استراليا، مثل «سيدني مورننغ هيرالد» و«ذا استراليان» لاصدار طبعات اضافية ليقدر الناس على الاحتفاظ بنسخ تاريخية.

وانتقلت الحمى الى مواقع البيع والشراء في الانترنت، مثل «اي باي». عادة، يشتري الاستراليون جريدة «مورننغ هيرالد» بدولار ونصف، لكن وصل سعر نسخة انتصار اوباما الى عشرة اضعاف ذلك.

وفي الولايات المتحدة، وصل سعر نسخة «واشنطن بوست» الى خمسمائة دولار. وفي نيويورك، لأول مرة في تاريخها، وقف مئات الناس في صف طويل امام مبنى «نيويورك تايمز» للحصول على نسخة من عدد انتصار اوباما.

لكن، حققت «واشنطن بوست» سبقا على «نيويورك تايمز» لأن الصف امام مبناها كان اطول. كما اجرى صحافيون في الجريدة مقابلات مع بعض الذين وقفوا في الصف. قال واحد: «للذكرى، كيف اقدر على ان اضع موقعا في الانترنت تذكارا. لا بد ان يكون شيئا مكتوبا». وقال ثان: «قضيت الليل اشاهد فوز اوباما في التلفزيون، واستيقظت في الصباح، وسألت نفسي اذا كنت في حلم. لهذا جئت الى هنا لاشترى عددا يثبت لي، ولاولادي واحفادي، هذا الحدث التاريخي».

واضطرت الجريدة لفتح ركن في موقعها في الانترنت لبيع اعداد تذكارية للذين طلبوها من خارج واشنطن، او لم يقدروا على الوقوف في الصف خارج مبنى الجريدة. وايضا يبيع الموقف لوحة معدنية تصور الصفحة الاولي، داخل برواز يمكن ان يكون من الفضة او ماء الذهب.

وتحول السبق الاعلامي الى منافسة رأسمالية. مثل عندما اشترى رجل في ولاية واشنطن عشرة آلاف نسخة من جريدة «هيرالد»، بعد ان دفع الفي دولار. وقال انه سيحتفظ بالنسخ لعشرين او ثلاثين سنة، وعندما يصل سن التقاعد يبيعها بملايين الدولارات، كما قال.

* أرقام مشاهدة تلفزيونية قياسية

* شاهد سبعون مليون اميركي، في اربع عشرة قناة تلفزيونية، خطاب النصر الذي ألقاه اوباما ليلة فوزه في ساحة «غرانت» بشيكاغو. يزيد هذا الرقم بعشرة ملايين مشاهد شاهدوا خطاب انتصار الرئيس بوش في انتخابات سنة 2004. لكن، يظل الرقم القياسي في مشاهدة برنامج واحد هو اكثر من تسعين مليون شخص شاهدوا المنافسة النهائية في بطولة كرة القدم الاميركية (سيوبر بول).

وقد سجل تلفزيون «سي ان ان» اكثر من رقم قياسي في تلك الليلة:

اولا: شاهده ثلاثة عشر مليون شخص، وهو رقم قياسي منذ تأسيس الشبكة قبل ثلاثين سنة تقريبا.

ثانيا: استحدث ظاهرة «استحضار» الناس من اماكن بعيدة ليبدو وكأنهم داخل الاستوديو. مثل المغني ويل آيام الذي غني «يس وي كان» (نعم نقدر) التي صارت شعار حملة اوباما. ثالثا: لأول مرة، انتصر على بقية القنوات التلفزيونية ليلة اعلان نتائج انتخابات عامة.

* الصحافيون يخالفون العرف

* يقال دائما ان اغلبية الصحافيين الاميركيين الساحقة ليبرالية، ولهذا يصوتون للحزب الديمقراطي. وتنفى اغلبية الصحافيين ذلك، وترفض ان تكشف طريقة تصويتها. لكن، ليلة فاز اوباما، قال كثير من الصحافيين انهم يؤيدون فوزه ليس لانهم صوتوا له، ولكن لأنه «دخل التاريخ»، كما قال بوب شيفر، مذيع تلفزيون «سي بي اس».

وجريدة «واشنطن بوست» وضعت عنوانا تاريخيا: «اوباما يصنع التاريخ». وكان يمكن ان تتهم بأنها انحازت اليه، لكن تاريخية الحدث طغت على ما عداها من حزبيات وانتماءات ونظريات.

بدليل ان جريدة «وول ستريت جورنال» المحافظة كتبت عنوان: «اوباما يسجل نصرا تاريخيا».

بوب شيفر اعترف في برنامج تلفزيوني انه لم يصافح يد اسود الا بعد ان دخل القوات المسلحة، وذلك لأنه تربى في مدينة فورت وورث (ولاية تكساس) عندما كانت مقسمة الى قسمين: سوداء وبيضاء.

انحياز الإعلام الأميركي في الجانب الآخر، قال معلقون صحافيون محافظون ان الاعلام الاميركي برهن على انحيازه. مثل تكر كارلستون، في تلفزيون «ام اس ان بي سي»، الذي قال: «هل معنى ذلك ان الذين صوتوا للسناتور ماكين ليسوا وطنيين، او لا يعترفون ان فوز اسود حدث تاريخي. نعم، انا اعترف بذلك. لكن الاعلام يصورني، وغيري، وكأننا نكره ما حدث لاوباما، وكأننا ضد التاريخ، وكأننا ديناصورات».

غير ان كثيرا من الصحافيين والصحافيات السود لم يهتموا بما قال الناس عن انحيازهم ونزاهتهم. بعضهم بكى في التلفزيون وهو يتحدث عن فوز اوباما. وقال واحد: «لاول مرة منذ اكثر من مائتي سنة، ينال اسود حقه الشرعي». وقال ثان: «يا ليت جدي، الرقيق، يحيا من قبره ويشاهد ما حدث الليلة».

اوبرا وينفري، مقدمة مقابلات تلفزيونية، ليست صحافية محايدة بالمعنى المتفق عليه، لكنها قالت، خلال الحملة الانتخابية انها لن تنحاز مع اوباما او مع ماكين (اغلبية ساحقة من الذين يجلسون داخل قاعة برنامجها نساء، واغلبية ساحقة منهن بيضاوات). وفعلا. لكن، ليلة فاز اوباما بكت علنا، ونقل التلفزيون بكاءها. وفي اليوم التالي قالت انها لم تعد محايدة.

وايضا بكى هوان وليامز، ربما اشهر معلق تلفزيون اسود، وكان يتحدث في تلفزيون «فوكس» ليلة فوز اوباما. وقال: «عندما تربيت في نيويورك، لم يكن هناك أي صحافي اسود في جريدة نيويورك تايمز».

* اللحظة التاريخية قريبا

*ربما في فبراير (شباط) او مارس (آذار)، بعد تنصيب اوباما رئيسا في يناير (كانون الثاني). وفي ذلك الوقت، سيختبر الصحافيون. وفي هذا كتب هوارد كيرتز، كاتب عمود الاعلام في جريدة «واشنطن بوست»: «سيمر اوباما بمرحلتين انتقاليتين: الاولى: انتقال السلطة من الرئيس بوش اليه، وستتم هذه في يناير. الثانية: انتقال الصحافيين من اعجاب به، وتقدير للحدث التاريخي الذي حققه الى واجب الصحافيين التاريخي: «البحث عن الحقيقة».

وقال كيرتز: «على اوباما ان يضع خطة لمواجهة الصحافيين بعد ان تحول من مرشح الى رئيس. وهذا ليس امرا سهلا. قبل ثماني سنوات، قال الرئيس بوش انه لا يقرأ الصحف. ولم يغفر له الصحافيون حتى اليوم. هل يريد اوباما ان يكسب الصحافيين، ويستغل حسن النية من جانبهم بعد ان أيدوه لأنه حقق حدثا تاريخيا؟ أو هل يريد ان يعتقد انه هو وحده حقق الحدث التاريخي، بدون مساعدة اي شخص واي شيء؟».

ورد علي كيرتز روبرت غيبز، مسؤول الاعلام في لجنة انتخاب اوباما، ويتوقع ان يكون المتحدث الصحافي الجديد في البيت الابيض بأنهم لن يعادوا الاعلام، وان ابواب البيت الابيض ستكون مفتوحة.

* الإعلام بعد تنصيب أوباما رئيسا

* القسم الأول: صحافيون مهنيون نزيهون يريدون كتابة الحقيقة، مع اوباما او ضده. القسم الثاني: معلقون صحافيون سيصفقون لأوباما، او سينتقدونه.

الذين سينتقدونه بدأوا النقد، وهؤلاء هم المعلقون المحافظون والجمهوريون في الصحف والتلفزيون. مثل المعلق الاذاعي هانيتي الذي قال: «كيف سأقول ان اوباما سيكون رئيسا ناجحا، وانا ضد برنامجه، وصوت ضده؟» وخوفا من الاتهام بأنه عنصري او يريد فشل اوباما، فرق بين ان يتخذ اوباما قرارات وطنية غير حزبية تفيد الوطن، وقرارات حزبية لا يؤيدها الجمهوريون.

واخيرا، قال صحافي محايد ونزيه، هو ايريك ديغان، كاتب عمود عن الاعلام في جريدة «سنت بيترسبرغ تايمز»: «لا بد ان يرتكب اوباما خطأ. اتمنى له التوفيق، لكن لا بد ان يرتكب خطأ. وفي هذه الحالة لن نجامله».