أدلة المدن في السعودية: مسعى لإنجاح زواج الإعلانات والصحافة المكتوبة

ازدياد في عدد المطبوعات يحاول تضييق الفجوة في السوق

نموذجان للمطبوعة عن مدينة جدة
TT

«أدلة المدن» المسمى الذي يطلق على نوع من المطبوعات مهمته الأساسية هي نقل صورة حية ومفيدة للقارئ عن مختلف صور الحياة الثقافية والاجتماعية والفكرية والفنية وكل ما يخطر ببال القارئ ليستطيع تحديد وجهاته والانخراط في دورة حياة مدينته بشكل أوسع، هذه المطبوعات التي بدأت في التكاثر في السوق السعودية أخيراً تحمل ميزة إيجابية هي وقوف مجموعة من العقول الشابة وراءها في محاولة جادة لإيجاد صيغة زواج ناجحة بين عالم الإعلان بكل مغرياته كونه الدخل المادي الوحيد لهذه المطبوعات التي توزع مجاناً، والمحتوى الصحافي الذي يحترم الدقة والموضوعية عبر تجارب ناجحة وسعت من رقعة قراء أدلة المدن من السعوديين وطورت في الوقت نفسه آليات وأساليب العمل في هذه المطبوعات.

وتتضمن قائمة أدلة المدن في السعودية وجدة بشكل خاص، أسماء كثيرة من أميزها what"s Up Jeddah وهي إحدى التجارب المميزة والناجحة في سوق أدلة المدن في السعودية عمره ثلاثة أعوام، بدأت هذه التجربة بفريق شاب يضم أربعة أسماء هي الأمير فيصل بن محمد بن ثنيان آل سعود، والأمير تركي بن عبد الله آل سعود، وغسان وغيث بن عبد المجيد العبدلي.

يحكي الأمير تركي الحاصل على شهادة في العلوم السياسية، تفاصيل هذه التجربة بقوله، اجتمعت وأصدقائي في جدة بعد 5 أعوام افترقنا خلالها بسبب التحصيل العلمي – وبالمناسبة فريقنا يضم تخصصات متعددة ومختلفة تضم التسويق، والإنتاج الفني والسينمائي، وحيث انني عدت إلى أرض الوطن واستقررت في جدة قبلهم كان من واجبي إرشادهم إلى التطورات الجديدة في هذه المدينة السريعة النمو، ووجدنا أنفسنا منجذبين لفكرة إنشاء دليل خاص بمدينة جدة، نظراً لوجود فجوة حقيقية في السوق واحتياج فعلي لهذا النوع من المطبوعات.

وبالتالي قررنا ابتكار أسلوب جديد، والمباشرة بمشروعنا الخاص، وبعد حصولنا على دعم سخي وتوجيه كريم من الأمير فيصل الذي تتجاوز خبرته في مجال الدعاية والإعلان الـ 10 أعوام، قمنا بدراسة معمقة للسوق لفترة لا تقل عن 8 أشهر، واستخلصنا من خلالها أنه على الرغم من ندرة المطبوعات من هذا النوع إلا ان معظم الأدلة الموجودة موجهة للأجانب، وتعتمد على التوزيع المحدود في المجمعات السكنية التي يسكنها الغربيون، ومعلوماتها من الجانب التحريري فقيرة وقديمة جداً ولا تعكس الحراك الثقافي والفكري والفني والاجتماعي النشط الذي تعيشه جدة، إلى جانب كونها متخصصة أكثر في مجالات معينة وموجهة بحيث تركز على فعاليات معينة دون غيرها.

ويضيف: أصدرنا عددنا التجريبي الأول في رمضان 2005، واستمررنا بشكل فصلي في البداية، نعتمد على نشاط أعضاء الفريق كل عضو يغطي ناحية معينة بعد تقسيم السوق والفعاليات والأحداث، والعملاء المستهدفين، والأسماء التجارية المهمة من وجهة نظرنا، وتابعنا عملنا وحظينا بإقبال ممتاز والآن تصدر عنا what"s up Riyadh أطلق العدد التجريبي في مايو الماضي، ونسعى لإكمال مسيرتنا في بقية المدن، ونسعى للانتشار خارج السعودية أيضاً هناك نية لإصدار واتس آب في عواصم ومدن عالمية أخرى.

وحول هامش الربح والاستمرارية في هذا المجال يقول الأمير تركي، «حقيقة هناك الكثير من المشروعات الخلاقة والرائعة في السوق، إلا أن مشكلتها تكمن في عدم جدواها اقتصادياً بشكل يضمن لها الاستمرارية وهو خطأ فادح في مجال الأعمال، ولحسن الحظ فإن مجلتنا التي تعتمد في دخلها على ريع الإعلانات بشكل كامل لا تعاني من هذه المشكلة والإقبال عليها جيد جداً سواء من جهة المعلنين أو من جهة القراء، وقد سعدت كثيراً عندما علمت أن حلقة خاصة بالقراءة ناقشت المجلة بشكل جاد وقامت بتحليلها».

ويضيف: نوزع في كل شمال جدة تقريباً ونصل لأماكن كثيرة كالكليات والمعاهد والمراكز التجارية وغيرها من الأماكن، ومع ذلك فإن القارئ ليس غبياً ويمكنه أن يميز وإذا لم نستطع إثارة اهتمامه بمعلومة متميزة وبطريقة لافتة فسوف نخسره بالتأكيد ونحن نركز كثيراً على هذه الناحية ونعطيها الأولوية، ولحسن الحظ أيضاً فإن المعلنين أحبوا الفكرة واقتنعوا بنا ودعمونا بشكل جيد.

ويرى الأمير تركي بأن سوق أدلة المدن في السعودية هي سوق ناشئة وتقدم فرصا واعدة لطاقات شبابية كثيرة يمكن أن تلمع فيها، على الرغم من أن انعدام المصداقية والتركيز على المهنية والحرفية في التعاطي مع الموضوعات التحريرية والأسلوب والفكرة الأساسية للمطبوعات من هذا النوع من قبل بعض العاملين في القطاع هو تحد من الممكن أن يؤثر سلباً على هذه السوق وعلى العلاقة بين المطبوعات والمعلنين بشكل خاص.

واختتم حديثه قائلا: نحاول إيجاد توازن معين ليس تجارياً بحتاً من خلال مطبوعاتنا، نحن نتحدث عن توجهات وفلسفة خاصة، فالفريق في نهاية الأمر من أهل جدة يؤثر ويتأثر بهذا المجتمع، ومن القضايا التي نتبناها المواهب الشابة في مختلف المجالات، ونرحب بأي مواهب تحرير وتصوير، ونبحث عنها لأننا نفكر بالتوسع بعد نجاح تجربتنا.

تجربة أخرى أكثر حداثة، وأقل عمراً معنية أيضاً بمدينة جدة بشكل خاص، هي تجربة مجلة Destination التي صدر منها عدد أول بعد عدد تجريبي لاقى نجاحاً، رئيسة تحرير المطبوعة، إيناس حشاني تؤكد حقيقة واحدة يتفق عليها كل العاملين والمهتمين بهذا القطاع وهي أن ندرة المطبوعات مع كثرة الطلب والحاجة الماسة إليها في السوق هي ما دفعها لإنشاء مطبوعتها.

وتضيف: النقص في المطبوعات إضافة إلى حقيقة أن جدة انفتحت في السنوات القليلة الماضية على العالم أكثر ولم تعد السياحة مقتصرة على السياحة الدينية فقط، ولكن هنالك المئات بل والآلاف من السياح القادمين لأغراض العمل وضمن رحلات بحرية وبهدف السياحة الطبيعية والتسوق والاستجمام فقط كل عام، هؤلاء استهدفهم وأحاول أن أعرفهم عن جدة أكثر من وجهة نظرنا نحن أهل جدة وبشكل أكثر عمقاً وتركيزاً على الموروث الفكري والثقافي والغنى في تنوع هذه المدينة.

وتذكر حشاني بأن مطبوعتها تحاول إعطاء السائح وحتى قاطن مدينة جدة خيارات واسعة تتضمن مستويات وأذواقا مختلفة في المتاحف والتسوق والمطاعم ومناطق الترفيه، ولا تفوتها الإشارة إلى أن القاطنين في جدة هم من ضمن محور الاهتمام، وحول اختيار اللغة الإنجليزية لتكون هي اللغة المعتمدة لمخاطبة القراء، تقول: ليست هناك مجلات كثيرة تخدم من لا يتحدث العربية سواء كانوا من السياح والزوار أو من سكان مدينة جدة غير الناطقين باللغة العربية وهذا ما لمسته من خلال التجاوب الكبير من العديد من هذه الشريحة، ومع هذا نفكر حالياً بإضافة مختصرات باللغة العربية لأبرز الموضوعات، استجابة لرغبة شريحة كبيرة من القراء لكن المجلة ستظل تعتمد باللغة الإنجليزية.

الإقبال الذي تصفه حشاني بالممتاز، يضم بطبيعة الحال قاطني المدينة وزوارها، إلا أن نسبة القاطنين تبلغ 75 بالمائة من القراء، مقارنة بـ25 بالمائة من السياح والزوار، بحسب حشاني، وهي توزع في ثلاث فنادق فخمة في جدة، إلى جانب المجمعات السكنية والسفارات والقنصليات ورجال الأعمال والمطاعم وغيرها.

أما عن النجاح المادي للمطبوعة فتؤكد حشاني بأن رؤيتهم للاستثمار لا ترى أن الاستثمار الناجح ذا عوائد سريعة بالضرورة، وهي مهتمة حالياً بصناعة اسم مقنع للقارئ والمعلن على حد سواء، ولا تخشى المنافسة كونها عنصر تشويق وحافزا للتطوير، كما لا تخشى التكرار والوقوع في شركه رغم محدودية المنطقة التي تغطيها، وتراهن على أن جدة غنية جداً بمظاهر ثقافية ومعرفية عميقة وأحداث حية ومستمرة لهذه المدينة المتجددة باستمرار، وتقول: ربما نحن الذين سنجد صعوبة في مواكبة هذه المدينة الحية والسريعة جداً.

المدير التنفيذي للشركة السعودية للنشر المتخصص، محمد العمر وبحكم اطلاعه عن كثب على المطبوعات المتخصصة في السوق السعودية بشكل خاص، قال في تقديري تتحمل السوق السعودية المزيد من هذه المطبوعات المعروفة والمنتشرة عالمياً، خاصة المدن الكبرى، كالرياض وجدة، والدمام لأن الحياة النشطة والغنية في المدن الكبرى هي الأرضية الخصبة لهذه المطبوعات التي تسمى عالميا metro magazines كونها توزع غالباً في محطات المترو ويتسلى ركابه بقراءتها ومعرفة ما يدور في المدينة التي يسكنونها إلى حين وصولهم إلى وجهتهم.

وأضاف: أهم الخصائص المطلوبة في هذا النوع من المطبوعات، القدرة على شد القراء بسهولة وتوفير معلومة شاملة وممتازة للقارئ، فهي أداة معرفية ودليل يوجه القارئ ويضعه أمام خيارات عديدة، ورغم تخصصها إلا أن هناك مجلات عالمية شاملة تنافسها كمجلة النيويوركر مثلا، التي توفر للقارئ محتوى فكريا وثقافيا راقياً وتعرفه بكل ما يجول في نيويورك برغم أنها ليست مجلة مترو أو دليل مدينة على سبيل المثال، والخلاصة أنها إذا لم تستطع إقناع القارئ بجدواها وفحواها، وبأهليتها وحرفيتها مقارنة بالمطبوعات الأخرى حول العالم فإنها ستفشل في استقطاب القارئ والمعلن على حد سواء.

ويرى العمر بأن التحدي الأكبر الذي يواجه هذه المطبوعات وسوق النشر المتخصص بشكل عام، هو ندرة الكفاءات، وهو ما يعيق انتشارها، وتطورها، وعلى حد قوله «المساحة المهنية ليست متوفرة بقوة في العالم العربي بأكمله خاصة في مجالات النشر المتخصص وهي أكبر المشكلات التي تعترض هذه الصناعة برأيي» ورغم ذلك يتوقع نشاطاً وتطوراً إيجابيا للمطبوعات من هذا النوع في المستقبل.