الخريطة الإعلامية في لبنان.. واتجاهات إعادة التموضع

مشاكل في « إل بي سي» و «المنار» وحديث عن عودة « إم تي في»

جانب من بث قناة «ال بي سي»
TT

يبدو أن بعض وسائل الاعلام المرئي اللبناني يسعى الى اعادة التموضع، كل بحسب حالته الخاصة مع تأرجح في التوجّه اما بالمحافظة على السلوك القديم المنحاز أو بمحاولة للتخفيف من حدّته. وانطلاقا من هذا الواقع بدأت معالم الخريطة الاعلامية اللبنانية الجديدة تتبدّل شيئا فشيئا من دون الجزم بإمكان التغيير أو عدمه في انتظار ما ستؤول اليه التطورات السياسية التي ستظهر بين يوم وآخر، ومن دون اغفال العوامل المادية التي تتحكّم في إدارة هذه السياسة الاعلامية أو تلك. هذا الطرح يبرره ما برز الى الواجهة في الاسبوع الماضي، فقد عاد الى الاحتدام الصراع القديم الجديد الذي لا تزال أوراقه في أدراج القضاء بين حزب «القوات اللبنانية» وادارة المؤسسة اللبنانية للإرسال (LBCI)، ولكن هذه المرة كانت المواجهة عبر البيانات والبيانات المضادة التي تبادلها الطرفان. فقد اتهمت القوات ادارة المؤسسة باعتماد سياسة التعتيم والإبعاد بحقها واعتبرت أن الأداء الاخباري والسياسي للمحطة تجاه القوات يكاد يلامس سياسة التعتيم التي كانت تمارس أيام الوصاية السورية. كذلك أشارت الى ان ممارسات الضاهر تتنافى مع أبسط قواعد العمل الإعلامي وأعرافه، وتتعارض مع تاريخ المحطة، وتتناقض مع توجهات جمهورها. من جهته رد رئيس مجلس ادارة المؤسسة اللبنانية للارسال الشيخ بيار الضاهر على اتهامات القوات اللبنانية بممارسة سياسة التعتيم، مؤكدا أن المحطة تلتزم نقل الخبر بكل أمانة وتجرد بحسب أهميته وتوقيته وظروفه من دون افتئات من أحد أو التعتيم عليه أيا كان انتماؤه.

وقال مصدر في القوات اللبنانية لـ «الشرق الأوسط» ان سياسة التعتيم تمارس على القوات اللبنانية منذ وقت طويل وقد حان الوقت لاعلام الرأي العام بما تقوم به هذه المؤسسة بحقنا، لا سيما أن الـLBCI هي ملك للقوات ورئيس هيئتها التنفيذية سمير جعجع مؤتمن عليها. واضاف المصدر: تستضيف المؤسسة من هم في موقع سياسي مناقض لموقعنا ويتكلمون عنا ولا يفسح المجال أمامنا لحق الرد. هناك قرار اتخذته المحطة بمنع اعلامييها من الحضور الى معراب وتغطية النشاطات التي نقوم بها، فهم يكتفون ببث ما يرسل اليهم من المكتب الاعلامي، وفي أحيان كثيرة تعرض مجتزأة وتنسف روح الخبر واهميته ويكتفى بمواقف جعجع العادية والغاء المهمة منها، مع تجاهل للبيانات التي تصدرها القوات والنشاطات التي يقوم بها ممثلوها ونوابها في المناطق اللبنانية. وختم المصدر الذي اعتبر أن الـ LBCI فقدت الموضوعية والمصداقية التي تميّزت بها فلنترك القانون للقانون والاعلام للاعلام، ولتعُدْ المحطة الى سابق عهدها. الا ان الضاهر شدد في بيانه على أن المحطة ترفض أن تكون وسيلة دعائية لأي كان ولأي جهة سياسية، كما ترفض تلقي التوجيهات من أحد لجهة هوية الضيوف والشخصيات التي تطل عبر شاشاتها او لجهة تاريخ هذه الاطلالة ومكانها وموضوعها. هذه التغيرات التي طرأت على المحطة كانت كفيلة بطرح تساؤلات عن مدى تأثر خريطة الـLBCI السياسية والتعديلات التي قد تطرأ عليها، وفي هذا السياق انتشر منذ فترة قصيرة خبر مفاده أن هناك مشكلة مستجدة تتعلق بالاعلامية مي شدياق التي قيل أنه وصلت إلى الضاهر نسخة عن شريط مسجل لنقاش أكاديمي أجرته في باريس وقدمت فيه عرضا لواقع الإعلام اللبناني استشهدت فيه بـالـ «ال بي سي»، وقالت إن الخلاف بين الضاهر وجعجع أثر عليها اعلاميا.

وهنا لا بد من الاشارة الى أن هذه المعركة الكلامية التي دارت بين طرفي النزاع تعود الى اسباب قديمة أهمها أن المحطة أنشئت في العام 1985 وكانت تعتبر الناطق الرسمي باسم القوات اللبنانية. وفي العام 1994 ومع حل القوات اللبنانية بدأت مرحلة مختلفة في تاريخ الـLBC التي اصبحت تخضع لقانون الاعلام المرئي والمسموع وتحولت الى شركة مساهمة استثمر فيها عدد من رجال السياسة من تيارات وطوائف متعددة، وساهموا في استقرارها ماديا وسياسيا الى حد كبير.

من جهة أخرى، أصابت سهام هذه الخلافات بين القوات والضاهر قناة الـ MTV اللبنانية التي كان يفترض أن تستعيد نشاطها الاعلامي في وقت قريب، بعدما كان لها قصة أخرى مع الانقسامات السياسية التي أدت الى اقفالها بقرار قضائي في ديسمبر (كانون الأول) 2002 بتهمة «تعكير صلات لبنان بدولة شقيقة (سورية) والمس بكرامة رئيس الجمهورية (العماد اميل لحود) والقدح والذم بالاجهزة الامنية وتعكير السلام العام» من خلال حلقة لبرنامج «استفتاء» كان يقدّمه الاعلامي الدكتور زياد نجيم. وأبرز هذه السهام كانت حول أخبار وشائعات عن الصورة الجديدة التي ستكون عليها المحطة في اطلالتها الجديدة. وأهم ما نشر هو انهاء الـ LBCI العمل في بداية العام 2009 تعاملها مع مجموعة أنطوان الشويري التي تتولى ادارة المحطة اعلانيا، لتصبح، بعد الدمج الذي حصل بين محطة LBC الفضائية وقنوات روتانا، ادارتها اعلانيا بيد الامير الوليد بن طلال الذي يسعى لإنشاء مجموعة إعلامية إعلانية تنافس الشويري في السوق السعودية والخليجية وفي لبنان، إضافة إلى أسباب أخرى قيل انها تتصل بموقف الضاهر من انحياز الشويري إلى جعجع في المعركة القضائية المفتوحة. كما اتهم الشويري بأنه يقف وراء مشروع إعادة إطلاق محطة الـMTV وأنه سيتولى إدارتها إعلانياً ضمن إطار قانوني وتجاري مختلف عن مجموعته الأصلية، لأن القانون يمنعه من إدارة الإعلانات في قناتين لبنانيتين في الوقت نفسه.

أمام هذا الواقع الذي وضع الـ MTV في مصاف القنوات المدافعة عن قوى 14 آذار والناطقة باسم القوات اللبنانية بعدما فقدت لسانها الناطق باسمها LBC، اكّد رئيس مجلس ادارة MTV المرّ لـ «الشرق الأوسط» أن قرار اعادة افتتاح المحطة مرتبط بعوامل عدة، وقال: أهمها اننا لا نرضى الا بأن ننطلق من الموقع الذي توقفنا عنده وهو التمسك بمبدأ أن نكون وسيلة حرّة ومستقلة من دون الالتزام بأي خط سياسي، لكن هذا الشرط يبدو انه يشكّل عائقا امام استعداد المستثمرين للدخول معنا من دون السماح بفرض شروطهم السياسية. ويضيف: كما أن الشائعات التي رافقت الخلاف الحاصل بين القوات وادارة الـ LBC وما بينهما أنطوان الشويري، جعل الشويري يتحفّظ عن قراره الاستثمار في المحطة. ويؤكّد المرّ أن المحطة عندما تفتح ستكون بعيدة عن أي اصطفاف اعلامي او سياسي. وان كنا نلتقي مع شعارات 14 آذار في الحرية والسيادة والاستقلال الا اننا نضيف اليها شعار الكرامة الذي لا يمكن أن نفرّط بها، لذا فدورنا هو تبني المواقف الايجابية لكل طرف سياسي والقاء الضوء على الخلل ومواجهته أيا كان مصدره، والا فمن الأفضل أن تبقى المحطة مقفلة. وليس بعيدا عن هذه الاجواء، كان لقناة المنار التابعة لـحزب الله حصة من المشكلات التي طرأت على الاعلام اللبناني، ولكن هذه المرة جاءت من الخارج وتحديدا من المانيا حيث أعلن قرار حظر بثها على الأراضي الألمانية بحجة عدم تشجيعها على التفاهم العالمي وخرقها دستور البلاد. وقد شمل الحظر الاعلان عن القناة وجمع الاموال لاستوديوهاتها واستقبال بثها التلفزيوني في الفنادق، مع ابقاء السماح باستقبالها في المنازل. مع العلم أن المنار كانت قد منعت من البث في فرنسا عبر القمر الأوروبي في العام 2004 بعد اتهامها بالتحريض ضدّ السامية اثر عرضهم المسلسل السوري الشتات، لكن هذا القرار لم يحجب القناة نهائيا عن المشاهدين الذين استطاعوا التقاطها عبر قمر الـARAB SAT. وردا على القرار الألماني، قال مدير الأخبار في المحطة محمد عفيف لـ«الشرق الأوسط» أن الادارة تجري بعض الاتصالات عن طريق المجلس الوطني للاعلام اللبناني وبعض الاصدقاء في القطاع الاعلامي مع الاتحاد الأوروبي، كما أنها في صدد درس طبيعة الخطوات التي سنقوم بها في هذا الصدد، وليس هناك مانع من اجراء اتصالات مع الحكومة الألمانية. وقلّل عفيف من أهمية هذا القرار واعتبره سياسيا لا يمت الى الديمقراطية التي تدّعيها أوروبا بصلة. واضاف: نطبّق في السلوك الاعلامي للقناة قوانين الاعلام المرئي والمسموع اللبناني ونحترم المواثيق، وستبقى سياسة المنار كما هي شعلة لن تنطفئ. وأشار الى أن التكنولوجيا الحديثة هي اكثر فعالية من أي قرار مماثل، لا يعدو كونه استجابة للضغوط الاسرائيلية التي تهدف الى معاقبة كل صوت حرّ ضدّ الاحتلال.