ماذا يعني أن تكون مدققا في غرفة الأخبار؟

المحررة المسؤولة في «نيويورك تايمز» تتحدث عن تجربتها

تميريل بيرلمان
TT

جاءت تميريل بيرلمان، مديرة قسم التدقيق في غرفة الأخبار، إلى جريدة النيويوركتايمز عام 1983 للعمل كمراجعة موضوعات الاقتصاد. وأصبحت رئيسة قسم تدقيق أخبار العاصمة، ومساعدة محرر أخبار العاصمة، ومحررة في قسم التقارير الأسبوعية، ومديرة التعيينات في قسم التدقيق، ومديرة التحرير في خدمة نيويورك تايمز الإخبارية. وقد ساعدت على إتمام أحدث مراجعة لدليل نيويورك تايمز للأسلوب والاستخدام. وفيما يلي نص الحوار:

> هل يتضمن عملك، وعمل المراجعين الآخرين تحريرا شاملا وإعادة كتابة للموضوعات، أم إنه يغلب عليه تنقيح الأسلوب والقواعد النحوية وما إلى ذلك؟

- المدققون هم آخر حراس الأبواب التي يمر عليها الموضوع قبل أن يصل إلى القارئ. وفي البداية، يجب أن يتأكدوا من صحة القواعد الإملائية واللغوية وفقا لأسلوب الجريدة بالطبع. ولكنهم يريدون أيضا أن يتأكدوا من أنهم لا يشعرون بأنهم يشاهدون فيلما من منتصفه، أو أنهم لا يفهمون المعنى المقصود، أو أنهم يتساءلون عن مغزى الأسلوب، وكذلك الأمر بالنسبة للقارئ.

وهم يتمتعون بحس عال لاكتشاف الحقائق المشكوك فيها، أو غير الصحيحة أو الأشياء التي لا ترتبط بالسياق. وهم أيضا آخر خط يحمينا من تهم التشهير وعدم الإنصاف وعدم التوازن في أي موضوع. وإذا وجدوا أخطاء، يلجأون إلى الكاتب أو المحرر المكلف (الذي نسميه محرر المواقع الخلفية في الملعب) ليدخل التعديلات المطلوبة. وذلك يتضمن غالبا بذل جهد كبير في مراجعة الموضوع. بالإضافة إلى ذلك، يكتب المراجعون العناوين وتعليقات الصور والعناصر الأخرى التي تظهر مع الموضوعات، ويحذفون من الموضوع وفقا للمساحة المتاحة للنشر (وهذا الحذف من أجل النسخة المطبوعة)، ويقرأون بروفات الصفحات المطبوعة لتجنب وجود أخطاء.

وأريد أن أضيف أن كل ذلك يتم تحت مواعيد نهائية صارمة. في حالة الأخبار العاجلة، ربما يكون لدى المراجع أقل من ساعة لقراءة 1000 كلمة وفعل كل ما يحتاج إليه الموضوع. ونفضل أن نحصل على المقالات الكبيرة قبل موعد تسليمها بوقت كاف، لنتمكن من قضاء عدة ساعات أو حتى يوم كامل من أجل التأكد أنها بدون أخطاء، ولكن مهمتنا هي أن نوصل لك المعلومات، وليس أن نحتفظ بها، لذا فالسرعة هي جوهر عملنا.

ويعمل لدينا هنا أكثر من 150 مراجعا، في الحقيقة هذا هو أكبر قسم في غرفة الأخبار، ويعملون في 14 مكتبا مختلفا، حيث يوجد مكتب لكل قسم في التقارير الإخبارية.

> هل هناك مجموعة مختصرة من البديهيات الأساسية في المراجعة يمكنك تعريفها لنا لنراجع إفراطنا في استخدام الأساليب؟

- يسعى المحررون دائما إلى الإفراط في استخدام الصفات، مثل «غروب أحمر جميل جدا»، فيمكن اختصاره إلى «غروب رائع» ليعطي ذات المعنى، وهو قصير ولكنه أكثر تأثيرا. وهناك أيضا إفراط في أساليب أخرى مثل «رئيس مجلس الإدارة» ويمكن قول «رئيس المجلس» أو «الرئيس» بدون أي خسارة في المعنى في بعض الأحيان.

ينصح بعض المدربين على الكتابة تلاميذهم بأن يبحثوا عن بعض العبارات التي يحبون حذفها وأن يقتلوها، لأنها قد تكون قاتلة إذا قرأها أشخاص آخرون. وكذلك لا يفضل الإفراط في استخدام اللغة المتخصصة أو المفرطة في المصطلحات الفنية، فبدلا من أن أقول «أداة كتابة بيانات تعتمد على الكربون مغلفة بوقود أحفوري بها وظيفة مسح يدوي»، يمكنني أن أقول «قلم رصاص».

ومفتاح هذا العمل هو أن تهيئ عقلك لأن يكون المتلقي للرسالة بدلا من أن يكون المرسل. ويظهر لك تبادل الأدوار، حيث تضع نفسك مكان القارئ، الأخطاء أو المميزات الموجودة في أسلوبك في الكتابة.

> في عملك كمدققة، هل تجدين أن القلق بشأن تطبيق القواعد يمنع استخدام اللجوء إلى حل أفضل؟

- اسمح لي أن أنقل عن دليل «نيويورك تايمز للأسلوب والاستخدام»:

«يجب أن تكون قواعد الأسلوب شاملة لترسيخ النظام المطلوب، ولكن ألا تكون شاملة لدرجة تثبط من همة الكاتب أو المحرر. بل يجب أن تشجع القواعد على التفكير، وليس أن تثني عنه. وربما تكفي قاعدة واحدة: «تسود قاعدة الفطرة السليمة في جميع الأوقات».

«ويجب أن تعني الفطرة السليمة في غرفة الأخبار، أن هذا الكاتب، بعيدا عن إرشاداته المتعلقة بالكلمات المبتذلة والسب والقذف، لا يجب أن يكون دليلا لحظر استخدام كلمات أو عبارات. في الحقيقة، قد تفسد عدة أفكار متعة الصحافة على وجه أسرع من فكرة أن القواعد أهم من العذوبة التي قد يضفيها الكاتب على عبارة غالبا ما تعتبر شاذة أو بالية. لذا إذا بدا الدليل يميل إلى استخدام كلمات مقيدة مثل «عادة» و«في المعتاد»، فهو يذكر الكتاب والمحررين بأن مقياس المهارة هو الاستثناء وليس القاعدة».

إذا اتبع محرر (أو كاتب) دليل الأسلوب حرفيا، سيبدو شكل التايمز مضحكا.

يساعد السياق على اتخاذ قرار بكسر إحدى قواعد الدليل. في الأقسام المتخصصة نسمح ببعض الاختصارات والمزيد من التعبيرات الدارجة واللمسات الخفيفة أكثر من الموضوعات الخبرية الجادة.

> هل يكن العامة الاحترام للمدققين أو المصححين؟ وكيف يبدد المدققون الفهم السلبي لاختيارهم في العمل، وعامة، ما هو الشغف الذي يدفع المراجعين لإتقان عملهم؟

- غالبا ما يكون المراجعون غير مرئيين للعامة، وأحيانا داخل المؤسسة الإخبارية، لأن معظمهم يعمل في الليل أو العطلات الأسبوعية أو أيام الإجازات عندما يكون معظم الأشخاص «المهمين» في منازلهم. في بعض الأماكن، توضع المراجعة في مرتبة متدنية وفي بعض الأحيان كان قسم المراجعة مكاناً للصحافيين الذين لا يمكنهم تقديم المزيد. لكن ذلك ليس في التايمز. بينما لا يرضي المراجعين غرورهم برؤية أسمائهم تنشر في الصحيفة، إلا أن معظمنا يشعر بالبهجة لمعرفة أننا قوة غير مرئية، وأننا نجعل الصحافي يبدو أفضل، وأننا نخدم القراء. وهم يدفعون لنا رواتبنا في مقابل أن نقرأ. وعندما نقوم بعملنا جيدا، لن تلحظنا، لكن سيلفت انتباهك مقال له عنوان رنان، وستشعر بعد قراءة الموضوع بالرضا وليس التعجب، وسيذهلك أسلوب الكتابة لكنه لن يشتتك عن المعلومات التي يحملها.

إذا فمن هم هؤلاء الأشخاص؟ جاء معظمهم من مؤسسات إخبارية أخرى، لكننا دربنا بعضا منهم هنا. وكان الكثيرون منهم صحافيين، مما ساعد على التأكد من مصداقيتهم عند مواجهة متاعب المراجعة. وجاء البعض من مهن أخرى، فلدينا محاميان على الأقل توقفا عن مزاولة المهنة، واثنان على الأقل أتما دراستهما في القانون أثناء عملهما هنا (حيث العمل الليلي له بعض المنافع). ولدينا مطربون وموسيقيون ومؤلفو مسرحيات وملحنون وممثلون ساخرون ومؤلفون، وقد حصلوا على أوراق اعتمادهم في المهنة قبل أن يأتوا إلى هنا أو أثناء عملهم معنا. ومعنا مراجعون يحملون درجة الدكتوراه، ومراجع أو اثنان لم يتخرجوا في الجامعة. وتتراوح أعمارهم من منتصف العشرينات إلى منتصف السبعينات. ولدينا مراجعون يتحدثون اللغة العربية أو الألمانية (وإن لم يكونوا متمكنين) بالإضافة إلى اللغات الأخرى المنتشرة. ويوجد خبراء في التاريخ والسياسة والثقافات والأدب والمسرح والأوبرا والشطرنج والأطعمة والرياضة. ويعمل معنا عدّاءون وسبّاحون لمسافات طويلة. والأشياء المشتركة بينهم جميعا هي الفضول الشديد والرغبة في الكمال وحب اللغة ومستويات التفاني والحرفية العالية المذهلة والذكاء والقدرة على العمل تحت ضغط مواعيد تسليم غير معقولة دون الانفجار. ويساعدنا حسن الفكاهة على الاستمرار.

ويوجد عدد من الصحافيين الذين كانوا مراجعين سابقين وهم جون لاندمان، نائب مدير التحرير؛ ولورا تشانغ، محررة القسم العلمي؛ وتوم جولي، محرر الرياضة؛ وبيل ماكدونالد، محرر صفحة الوفيات؛ وكيفن ماكينا، محرر صفحة التكنولوجيا؛ وغلين كرامون، مساعد مدير التحرير؛ وهم بعض من العديد من كبار الصحافيين في التايمز الذين بدأوا عملهم هنا في قسم المراجعة. هل يمكنك أن تقول لهم كم أنا فخورة بهم؟

* خدمة «نيويورك تايمز»