من بغداد.. إلى مكة

مراسلة «سي إن إن» تروي تفاصيل تجربتها في تغطية مناسك الحج لهذه السنة

جانب من تغطية «سي ان ان» («الشرق الأوسط»)
TT

لقد تحولت ـ في غضون 48 ساعة ـ من مراسلة تغطي الأعمال الصحافية المعتادة في بغداد إلى تغطية شعائر الحج، ومن تغطية نيران المدفعية إلى تجارة العباءات، ومن القصص المتعلقة بأحداث العنف إلى أخرى تتحدث عن الروحانيات. وعلى أساس أنه ليس لدي مفتاح حقيقي بما يمكن توقعه، خرجت بوفرة من الأفكار عن الأشياء «الجديدة» التي يمكن القيام بها إلى جانب المنتج محمد توفيق- الذي غطى شعائر الحج من قبل، وهو من أوضح لي لمحة قائلاً: «أنت لا تعلمين ما أنت ماضية إليه»، وكان محقًا. لم تكن لدي أدنى فكرة إلى أي مدى يبدو الحرم المكي ساحرًا في المساء مع مشهد النهر المتدفق من الحجيج في زي البياض وهم يطوفون حول الكعبة، ومشهد توحد الملايين القادمين من شتى بقاع الأرض، وهم يصلون في تناغم. ودلفنا إلى داخل الحرم المكي في إحدى الليالي ومعنا كاميرا للتصوير. ولدى الاقتراب أكثر من هذا النهر المتدفق حول الكعبة، تحول هذا النهر إلى أجساد تتصبب عرقا، يدفع كل واحد منها الآخر في حماسة دينية، وأيديهم ممدودة تحاول يائسة لمس الكعبة والحجر الأسود. وبعد هذا الجهد المضني كله، تعتريك السكينة بكل تأكيد بمجرد الرجوع إلى نسيم الصحراء البارد. وكانت ترجمة هذه الرحلة الدينية إلى التلفزيون هي شغلنا الشاغل ومهمتنا للأسبوع المقبل. ومن إحدى الأفكار المتألقة التي طرأت على مخيلتي محاولة الذهاب إلى سفح جبل عرفات (جبل الرحمة)، وهو المشهد الذي كان من المفترض أن يكون مذهلاً للغاية، إلا أنه يشبه الكابوس إلى حد ما عندما يتعلق الأمر عمليًا بالبث الحي للتلفزيون، وذلك نظرًا إلى مقدار المعدات والأجهزة التي اضطررنا إلى حملها، وواقع الإبحار والانتقال بين ملايين الحجاج. وأتذكر جلوسي بموقع البث المباشر - والموجود بصورة خطرة أعلى صخرة منخفضة - ناظرة تجاه بحر الحجيج النافرين من جبل الرحمة في تدفق لا نهاية له يمتد إلى ما هو أبعد بكثير من مرمى البصر. وتعد هذه اللحظة تحديدًا هي التي يقول عنها جميع الحجيج انهم يشعرون فيها بأنهم أشد قربًا من الله، وأنهم ينصرفون من عرفات وهم يشعرون أن صحيفة أعمالهم قد أصبحت ناصعة البياض من جديد، وأنهم يُمنحون فرصة أخرى للحياة. ولدى مضينا، كان هناك رذاذ خفيف للمياه يتساقط علينا من رشاشات المياه والذي كان يضفي على كل شيء شعورًا غامضًا. وفي غمرة هذه الأحاسيس، والمشاعر، تناسيت تمامًا أننا يتعين علينا أن نشق طريقنا بين هذه الأمواج المتدفقة من الحجاج، وفجأة لم تكن الفكرة المتألقة التي انتابتني منذ البداية كذلك، بعد ما انتهى بنا الحال ونحن عالقون بين بحر الحجيج، حاملين صناديق الأجهزة والمعدات، وحاملين حقائب الظهر لمدة ساعتين قبل أن نتمكن من الوصول إلى سيارتنا. لقد كانت هذه هي أكثر الأماكن المزدحمة، والحارة، والضيقة التي زرناها في حياتنا. وكان محمد دائمًا ما يوضح لي قائلاً: "إنك لا تعلمين ما الذي ستضعيننا فيه"، وكان محقًا في أغلب الأوقات. ومع ذلك، فإنها تجربة لم يكن لها مثيل من قبل. لقد كان هناك هيام في صوت كل فرد يشعر بالإثارة، كما كان هناك صوت يتردد من قبل من ادخروا طوال حياتهم للقيام بهذه الرحلة الدينية، وهؤلاء الذين أدوا مناسك الحج في العديد من المرات. لقد التقينا أناس من شتى بقاع الأرض، ومن كافة الطبقات الاجتماعية، سيعود جميعهم إلى أوطانهم شاعرين بالسكينة تملأ أرواحهم.

* موفدة «سي إن إن» لتغطية الحج