الصحافي الأميركي تشارلز غلاس: اختطاف الصحافيين بسبب جنسياتهم وليس عملهم

متحدثا عن عمله مراسلا في المنطقة واحتجازه من قبل «حزب الله» قبل 20 عاما

غلاس في قاعدة التليل بالعراق في مارس 2003 ... ولدى وصوله الى مطار غاتويك بعد هربه من حزب الله في اغسطس عام 1987
TT

تعود علاقة الصحافي الأميركي المخضرم تشارلز غلاس بمنطقة الشرق الأوسط لسنوات طويلة، والحديث هنا ليس عن جدته التي ولدت في زغرتا بلبنان قبل ان تهاجر عائلته الى الولايات المتحدة وتمسك عائلته بالكثير من العادات اللبنانية، ولكن بالفترة المميزة التي عاش وعمل فيها بالمنطقة، فهو حضر حرب اكتوبر والحرب الأهلية في لبنان، واصبح بعد ذلك كبير مراسلي شبكة إي بي سي الأميركية في الشرق الأوسط، وفي الثمانينات عاش تجربة الاختطاف في لبنان، وله مؤلفات وكتابات عدة حول المنطقة لعل ابرزها كتاب «قبائل بأعلام» Tribes with Flags. حاليا تشارلز بعيد عن العالم العربي، انتهى للتو من تأليف كتاب عن حياة الأميركيين في ظل الاحتلال النازي لباريس يحمل اسم Two Loves The Americans Who Stayed In Paris under the German Occupation, 1940-1944 «الشرق الأوسط» التقته في لندن، وسألته اذا ما كان يحن لعمله في المنطقة، وعن تجربته السابقة، وفي ما يلي نص الحوار:

* هل تندم على مغادرة منطقة الشرق الأوسط، وهل تفكر بالعودة إلى المراسلة من هناك سيما وانه وقت مثير للاهتمام لهذه المنطقة؟ ـ للأسف بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط لم يحدث ان كان هناك وقت غير مثير للاهتمام! لكن كانت منطقة للأزمات منذ عام 1917، لقد كان هناك أمر يحدث هناك دائما مما يستلزم الكتابة او التوثيق، وما أخشاه أن الأزمات ستستمر وسيزداد الوضع سوءا.

* دعني أعود بالزمن 20 عاما للوراء، حين اختطفت من قبل تنظيم موصوف بأنه موال لإيران، ويقال انه كان «حزب الله»، مما فهمته كنت أيضا مختطفا إلى جانب (عضو البرلمان اللبناني حاليا) علي عسيران، لكن مع كل ما جرى لك ما زلت تنظر الى المنطقة بايجابية ولم تنم لديك مشاعر كراهية العرب أو الإسلام، فكيف جرى ذلك؟ ـ لا شك انه من الخطأ ان يعادي شخص شعبا بأكمله من اجل امر نفذته جماعة صغيرة من هذا الشعب، فمثلا لقد تم نهبي في لندن من قبل عصابة من 3 أشخاص آسيويين، لكن هذا لا يجعلني اكره الآسيويين وانما الناهبين. وفيما انا ضد الاختطاف، فما حدث لم يجعلني ضد العرب، او الاسلام، او ايران او «حزب الله» الذي كان بالفعل من اختطفني في تلك الفترة. لقد كان ذلك في فترة بلبنان كان هناك فيها معركة بين الولايات المتحدة وايران على قلب وروح لبنان، وكانت ايران تستخدم «حزب الله» من أجل اخراج الولايات المتحدة، وقد وقعت في المنتصف. وعلى العموم انا اتعاطف مع رغبة «حزب الله» في انهاء الاحتلال الاسرائيلي للبنان، تماما كما اتعاطف مع اللبنانيين الذين ارادوا اخراج الجيش السوري من لبنان، ولم تتغير قناعاتي بحكم ما جرى لي.

* هل ما زلت على اتصال بالنائب علي عسيران؟ ـ أجل، كلما اذهب إلى لبنان اراه، انه صديق قديم وبقي كذلك.

* هل تعتقد انك استهدفت شخصيا بحكم كونك اميركيا، ام صحافيا، ام كونك خريج الجامعة الأميركية في بيروت أو «مدرسة الجواسيس» كما كان البعض يدعي في تلك الفترة؟ ـ لقد كان ذلك بحكم جواز السفر الأميركي، لقد كان هناك عدد محدود من الأميركيين في لبنان تلك الفترة. واعلم ان رسالة مشفرة أرسلت من طهران الى السفارة الإيرانية في دمشق تطالب «حزب الله» بالإمساك بي، وقد تم رصد ذلك من قبل البريطانيين حتى قبل أن اختطف. وقد تم فك الشفرة من قبل الـ«سي آي ايه» وهم اتصلوا بدورهم بالشبكة الإخبارية التي كنت اعمل معها (إي.بي.سي نيوز) لإبلاغهم انه يجب عليّ الخروج من لبنان، لكن التحذير جاء متأخرا.

* نعم تلك الفترة كان اختطاف الغربيين دارجا، لكننا اليوم نرى حالات مماثلة، هل تعتقد ان الصحافيين الغربيين يستهدفون تحديدا، لأن لدى الناس قناعة بانهم يحرفون القصص ويظهرون العرب دائما على انهم الظالمون؟ ـ حسنا، الاختطافات في لبنان كانت ليست فقط ضد الصحافيين، ولكن ضد مواطنيين فرنسيين وبريطانيين واميركيين، مهما كان عملهم. واليوم ما يجري في العراق هو ان الصحافيين الغربيين يستهدفون لأنهم يأتون من البلدان التي تحتل العراق وليس بسبب حملة ضد الصحافة. ولديك مثال آخر هو مراسل البي بي سي في غزة آلان جونستون، وهو من الصحافيين القلائل الذين يعملون دون حماية وهو محبوب في غزة، وقد اختطف ليس بسبب عمله وانما من قبل عائلة من أجل فدية.

* انت عدت للمنطقة مرارا، الا تخشى من مواجهة خاطفيك مجددا؟ ـ عدت مجددا في 2006 حين غزت اسرائيل لبنان مجددا. على العموم، «حزب الله» انتهى من عمليات الاختطاف عام 1991، وهو اليوم حزب سياسي وليس حركة سرية، ولن يعاود اختطاف الاجانب.

* دعنا نتحدث قليلا عن كتابك، «قبائل بأعلام»، حيث وجهة نظرك أن المنطقة هي عبارة ليس عن دول ولكن عن قبائل كبيرة، من أين أتيت بهذه الفكرة؟ ـ هذا يأتي من الدبلوماسي المصري الراحل تحسين بشير، وكان يقول هذه العبارة دائما، حيث يقول ان مصر كانت البلد العربي في المنطقة التي تعد دولة، والبقية كانت قبائل بأعلام. واستوحيت العنوان من عبارته، وانا ارى ذلك فعلا حين انظر الى الدويلات الصغيرة مثل لبنان، والأردن وسوريا وإسرائيل... أنها قبائل بأعلام حقا.

* من حواراتنا السابقة، يتبين لي انك من أنصار عدم تدخل الغرب في شؤون المنطقة، لكن في المقابل من يقول ان ذلك سيكون كارثيا لأن أبناء هذه المنطقة لا يستطيعون التعايش، فكيف توضح رأيك إذاً؟ ـ حسنا، عليك ان تسأل بداية لماذا أبناء المنطقة لا يستطيعون التعايش، والمشكلة بدأت مع تهاوي الامبراطورية العثمانية، حيث تم تقسيم المنطقة الى دويلات مصطنعة لم يكن الناس يريدونها. مثلا لقد كان هناك لجنة محققين تدعى «كينغ كراين» جالت في سوريا والأردن ولبنان بعد الحرب العالمية لاستقصاء آراء الناس، وقد جاءت النتيجة بشكل ساحق لصالح دولة موحدة في تلك المنطقة تتمتع بالاستقلال، وبالتأكيد فما حصل انهم لم يحظوا في نهاية الأمر بأي من هذين الأمرين (الدولة الموحدة او الاستقلال)، أعتقد انه ما كان يجب ان يحصل في تلك الفترة ان من في الخارج كان عليهم ان يستمعوا لمن في الداخل، وهو ما يجب أن يتم الآن.

* حدثني قليلا عن عملك في الاعلام الأميركي، هل حدث ان اعددت قصة ولم تستخدمها شبكة «إي.بي.سي» مثلا؟ ـ لقد كنت أراسل الكثيرين، مثل الغارديان والكريستيان ساينس مونيتور و«إي بي سي» وغيرهم وعدة قصص لم تنشر او تذاع. اتذكر مرة انه في جنوب لبنان تم اطلاق الرصاص على قارب صيد لبنان عليه يافعون في المياه الاقليمية اللبنانية من قبل قارب مراقبة اسرائيلي، وكتبت قصة لـ«شيكاغو ديلي نيوز» ورفضت الجريدة نشرها، واعتقد انه لو كان ما حدث جرى بالعكس، أي لو كان القارب لبنانيا او فلسطينيا هو من اطلق النار على قارب صيد إسرائيلي لكانت القصة وجدت طريقها الى الصفحة الأولى. مثال آخر كان عام 1984 حين أرسل الاسرائيليون فرقا خاصة إلى قرى جنوب لبنان بلوائح اسماء عليهم قتلهم وكانوا يخرجونهم من منازلهم ويجهزون عليهم مباشرة، وذات مرة لحقنا باحدى هذه الفرق وصورنا ما فعلوه للتو وتحدثنا مع شهود عيان ورجال قوى الأمم المتحدة، ولم تبثها «إي.بي.سي».

* هل سألت لماذا؟ ـ لقد كررت السؤال، وكنت احصل على اجابة مفادها ان الشبكة ستبثها لاحقا، وكانوا كل يوم يؤجلون القصة بحكم ازدحام نشرة الأخبار، واستمر ذلك اسابيع حتى اصبحت القصة قديمة وتم الاستغناء عنها.

* حسنا لكن العرب يخطئون كذلك، لماذ برأيك نخسر الحرب الإعلامية؟

ـ نعم ما اريد اقوله للمسلمين والعرب، لقد كان من ضمن الأماكن التي استهدفها الارهابيون في مومباي أخيرا كان المركز اليهودي، ويبدو انهم قتلوا كل من كان هناك. والى جانب كون هذا الامر جريمة وقتلا وخطأ، فإنه يؤذي الشعب الفلسطيني، ان أي عربي او مسلم يؤذي شخصا يهوديا في أي مكان بالعالم، فإنه بذلك يغذي معاداة السامية، ومن دون معاداة السامية لا يمكن وجود الصهيونية. فكلما خاف اليهود حول العالم سيهاجرون الى اسرائيل وينتهي بهم الامر في مستوطنة بالضفة الغربية تزيح المزيد من الفلسطينيين، ومن المؤسف ان يكون الناس الذين يدعون انهم يحاربون من اجل الفلسطينيين هم من يضروهم، اعتقد ان على العالم العربي والاسلامي الترحيب بعودة ابنائهما من اليهود الى بيوتهم. وفي المهجر، يجب ان يحسنوا جوارهم ويقولوا لهم ان لدينا مستقبلا مشتركا سواء كنا يهودا، مسلمين ام مسيحيين ام اتباع أي ديانة اخرى، وان معاداة السامية قد ماتت، ولن تعود للحياة عبر هيئة اسلامية او عربية او ما شابه.