المرتجى والتطبيق محور «ورشة أممية» في بيروت

الموضوعية الصحافية في مناطق النزاع

TT

فوجئ اللبنانيون في مناطق الضاحية الجنوبية لبيروت كما في منطقة طريق الجديدة، بمشهد لم يألفوه سابقا. مراسلة تلفزيون «المنار» ترافقها مراسلة «المؤسسة اللبنانية للإرسال» تعملان معا على موضوع واحد! وليس بعيدا عنهما كانت مراسلة تلفزيون «المستقبل» تساعد مراسل تلفزيون الـ «أن بي أن» ومراسلة «المنار». بدا الأمر وكأنه مزحة للوهلة الأولى، إنقلبت الأدوار. فالمواطنون كانوا أول من بادر إلى طرح الأسئلة "معقول أل بي سي ومنار؟» الجواب جاء سريعا «إنها ورشة عمل تدريبية». هذه الورشة شكلت فرصةأتاحت لإعلام المتحاربين الظهور معا والعمل جنبا إلى جنب، وهدفت إلى البحث في سبل تغطية أحداث مايو (أيار) الماضي في بيروت والدور الذي كان يمكن للإعلام الموضوعي أن يلعبه في نزاع كهذا. هذه الورشة اتاحت لحوالي 24 صحافيا لبنانيا يمثلون الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب على مدى اربعة أيام المشاركة في محاور «الموضوعية الصحافية في مناطق النزاع». وهي من تنظيم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي- مشروع بناء السلام، بالتعاون مع منتدى وسائل الإعلام العالمية ووكالة الصحافة الفرنسية للتدريب، وخلصت إلى جملة توصيات أهمها «إنشاء موقع على شبكة الأنترنت يكون بمثابة منتدى حوار للمشاركين في هذه الورشة مع تنظيم اجتماعات دورية لتطوير الخبرات والإرتقاء بالمهنة وصولا إلى وضع ميثاق شرف لممارستها». كذلك أوصى المشاركون بـ «تحديث قانون المطبوعات وتفعيل المجلس الوطني للإعلام وتحديد مهامه، والبحث في جدوى بقاء وزارة الإعلام، إضافة إلى ضرورة تفعيل العمل النقابي وقضية نقابة المحررين وتسهيل الإنضمام إليها». وكانت التوصيات أذيعت في ختام الورشة في إطار حلقة نقاش قدمت لها الإعلامية بولا يعقوبيان وشارك فيها إدمون صعب عن صحيفة «النهار» والمراسل الحربي لصحيفة «الفيغارو» رينو جيرار والممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي مارتا رويدس والدكتور علي رمال، والإعلامي طانيوس دعيبس الذي اشتكى من التوصيات وتواضعها ما أثار ردود فعل المشاركين، لذا أكدوا أنهم توصلوا إلى تحديد ما هم قادرون على تحقيقه والمطالبة به فيما الأمور الأخرى المدرجة في التوصيات هي أقرب إلى الأمنيات.

أما صعب فاعتبر أنه «لا يوجد في لبنان صحافة وأن الصحافيين تحولوا إلى موظفين». كما تحدث عن «تصحر صحافي»، فلم تسلم من الإنتقاد حيث لفت البعض إلى أن «لبنان يصدر الإعلاميين إلى الخارج في دليل على وفرة الإنتاج وأن المشكلة ليست عند الصحافيين بل عند أصحاب الصحف أو وسائل الإعلام والمسؤولين عنها».

رينو جيرار قدم خلاصة تجربته على مدى 25 عاما في كل من البوسنة والهرسك وافغانستان والعراق، مؤكدا ضرورة إعطاء كل أطراف النزاع فرصة التعبير عن اقتناعاتهم.

الدكتور رمال الذي وزعت له خلال الورشة دراسة تحت عنوان «دور الإعلام في الحوار الوطني ـ النموذج اللبناني»، أكد أن كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية تخرّّّّّّّّّّّّّّج صحافيين أكفاء يتمتعون بالموضوعية. ولكن المشكلة تكمن في وسائل الإعلام نفسها وليس لدى الإعلاميين. وقرأ رمال بعضا من تحليل أجراه عن طرق تعاطي الإعلام مع الأزمة الداخلية التي أعقبت حرب يوليو (تموز) والتي نشرت في كتاب حمل عنوان «دور وسائل الأعلام في بناء ثقافة السلام» وتطرق فيها إلى أمثلة عن التعامل مع هذه الحرب ونتائجها في صحف محلية. ودار نقاش ارتدى طابع الحدة أحيانا، لكنه أبرز تضامنا بين المشاركين في الورشة لم يكن موجودا عند انطلاقها. وكان توزيعا للشهادات مع وعد باستمرار التواصل والتحضير لورش عمل مقبلة مع السعي لتوسيع مروحة المشاركين. انطلقت الورشة بعرض قدمه مدير مركز كارنيغي ـ الشرق الأوسط الدكتور بول سالم حول النزاع وأنواعه وسبل حله عبر المفاوضات التي تسعى لإيجاد مناخ من الثقة وتعميم منطق «الجميع يربح» مقابل منطق «الرابح والخاسر» الذي لا يمكن أن يأتي بحلول نهائية وسوية وعادلة. فيما تحدث روبرت هالاوي من «وكالة الصحافة الفرنسية» عن دور الإعلام في فترات النزاع، معتبرا أن الضغوط التي يتعرض لها الصحافيون هي نفسها في كل مكان داعيا إلى توخي الدقة والأمانة في نقل الوقائع وعدم التلاعب بالحقائق. اما مديرة مشروع بناء السلام لانا غندور فشددت على «أهمية هذه الورشة لما فيها من جانب تطبيقي ولما يمكن أن تساهم به في إطار العمل الإعلامي الذي يعتبر السلطة الرابعة الأفعل في مخاطبة الجماهير، هذا الإعلام الذي يمكن توظيفه في خدمة السلام والموضوعية»، وابدت سرورها «لحجم المشاركة ما يؤكد على أهمية الموضوع وفوائده المرتجاة». «الموضوعية والحياد، السلام والاستسلام، الرشوى، الفساد، النزاهة»، كلها تعريفات ومفاهيم حلت بقوة في جدول الأعمال. الورشة في أول أيامها سيطر عليها السجال السياسي الذي لا يختلف بشيء عما نتابعه على شاشات التلفزة بين المسؤولين السياسيين. وتحول النقاش إلى سعي كل طرف لإقناع الآخر بصواب خياره، ما دفع بالمشرفين مرارا إلى وضع النقاش على سكته الصحيحة. ذلك ان الهدف لم يكن تغليب وجهة نظر على الأخرى بقدر ما كان محاولة حث «الفرقاء المشاركين» على اعتماد اللغة وأسلوب أكثر موضوعية ودقة وعدم الخلط بين الرأي والوقائع. أما المشرفون على ورشة العمل فكانوا نجيب بن شرفة وهو من مؤسسي فضائية «العربية» ويشغل منصب رئيس قسم جمع الأخبار، وسعد حتّر مراسل «هيئة الإذاعة البريطانية» في عمان، وجوزيف بدوي من «وكالة الصحافة الفرنسية»، وقد ساهموا في تحويل الصراع بين بعض المشاركين إلى تنافس أثمر في نهاية المطاف تقارير صحافية وإذاعية وتلفزيونية.

وتميزت الورشة بفكرتها التي جمعت بين المرئي والمسموع والمقروء في مواضيع محددة حيث توزع المشاركون على أساس أربعة مواضيع: الموضوع الأول تناول ترجمة لقاء المصالحة والمصارحة بين الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله ورئيس كتلة المستقبل النيابية النائب سعد الحريري على المواطنين العاديين والمناصرين لكل منهما. أما الموضوع الثاني فكان عن إنعكاسات الأنقسام السياسي على تلامذة المدارس الإبتدائية. والموضوع الثالث تناول أزمة الكهرباء إنطلاقا من الأحداث التي وقعت إحتجاجا على انقطاع التيار في منطقة الشياح عين الرمانة في بيروت مطلع هذا العام وأدت إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى وصولا إلى وضع الكهرباء الراهن. أما الموضوع الرابع فكان تسييس الشبان في الجامعات.

وتم التصويت خلال الورشة على أعمال المشاركين مرئيا ومسموعا. وقد فاز التقرير الإذاعي الذي أعدته مراسلة «صوت الشعب» ملاك نجم. أما تلفزيونيا ففاز كل من دنيز رحمة من «المؤسسة اللبنانية للإرسال» وهبة جعفر من تلفزيون «المنار» عن تقريرهما حول المصالحة، كما فازت نانسي صعب من «أو تي في»، وجينا عفيش «المؤسسة اللبنانية للإرسال» عن تسييس الشبان في الجامعات. اما الإعلام المكتوب فلم يتوفر الوقت لعرضه على التصويت رغم أن بعض تقاريرالمشاركين لاقت استحسان اللجنة المشرفة.