سيمور هيرش: سأؤلف كتابا حول إدارة الرئيس بوش بمجرد خروجها من البيت الأبيض

الصحافي الأميركي الذي كشف فضيحة «أبو غريب» يتحدث لـ«الشرق الأوسط»

سيمور هيرش («الشرق الأوسط»)
TT

قد يعتبر الصحافي الأميركي سيمور هيرش أشهر صحافي في العالم العربي، وفي حين لا يعرف من سمعوا به الكثير عنه، فإن الأغلبية تعرف بالتأكيد أحد أشهر انجازاته الصحافية على الإطلاق... فضيحة «أبو غريب». فهيرش هو الصحافي الذي تمكن من الحصول على صور التعذيب البشعة والمعلومات المتعلقة بانتهاكات حقوق الانسان التي كانت ترتكب على أيادي بعض أفراد القوات الأميركية في السجون العراقية، وكان ذلك قبل أربع سنوات. إلا أن انجازات هذا الصحافي المخضرم تعود إلى ما قبل ذلك بكثير، فقصته الأشهر تعود للعام 1969 حين استطاع الكشف عن مذبحة ماي لاي التي نفذتها القوات الأميركية في فيتنام، وحصل بسبب هذا الانجاز على جائزة بوليتزر للصحافة الدولية عام 1970. لكن كما يعلم الصحافيون جيدا، لا يمكن إرضاء الجميع، ففي حين يصفق كثيرون لهيرش كلما رأوه واصفينه بأنه «آخر صحافي استقصائي أميركي»، فعلى الجانب الآخر ينتقده البعض بسبب مقالاته التي هاجمت الإدارة الاميركية وقواتها، ووصل الحد إلى وصفه بأنه «أقرب ما يمكن أن يكون الصحافي الأميركي إلى الإرهابيين». «الشرق الأوسط» تحدثت إلى هيرش عبر الهاتف، وفي ما يلي نص الحوار.

* دائما ما نقول في أوساط الصحافيين العرب انه من المعيب أننا لم نقدر على كشف مأساة مثل أبو غريب، مع أنها قصة تمسنا مباشرة، وأن الفضل يفي كشفها عود لصحافي غربي، وسؤالي هو: ما تقييمك للصحافة العربية وفشلها في كشف هذه الفضيحة؟ - بينما لا استطيع ان اجيب نيابة عن شخص آخر حول عجزه على القيام بشيء، استطيع القول "الحمد لله" ان القصة تم كشفها من قبل صحافي غربي، سواء كان أنا أو شخص آخر. وما عليك سوى أن تتخيل كم كان الوضع سيكون اسوأ بالنسبة لأميركا لو أن الصحافة العربية هي التي كشفت أبو غريب! وما استطيع قوله كأميركي كذلك، هو أن هذه القصة تظهر بأن هناك قليلا من الأمانة متبقية في النظام الأميركي، وأنا هنا لا أدافع عن الصحافة الأميركية فأداؤنا كان سيئا للغاية تحديدا في تغطية الرئيس بوش، وتحديدا في موضوع اسلحة الدمار الشامل. على أي حال، بخصوص هذه القضية تحديدا (أبو غريب) عليك ألا تكون شديدا للغاية مع الصحافة العربية، وذلك لسبب بسيط وهو أنني حصلت على الصور والتقرير من داخل أميركا وليس من منطقة الشرق الأوسط. وما استطيع قوله حول «أبو غريب» كذلك، انها قصة كانت متوفرة لمن يريدها، فلو قرأت التقارير التي كانت تصدرها المنظمات المعنية بمراقبة الاستغلال والتعذيب لعلمت انه من المعروف عن «ابو غريب» انه كان جحيما، ولكن الجديد كان توفر الصور، وهي لم تكن متوفرة لأي أحد خارج النظام الأميركي. وأود أن أضيف انني بشكل عام انتقد بلادنا وصحافيينا علىقة اهتمامهم بالصحافة العربية، التي لديها مراسلون يتحركون محليا ويتقنون اللغة.

* لكن اسمح لي بمقاطعتك هنا، يبدو لي بأن أي قصة صحافية لا تعطى أهمية إلا إذا نشرت في وسيلة غربية، مثل النيويورك تايمز او الواشنطن بوست او في حالتك انت، النيويوركر؟

- اتفق معك، وهذا فقط بسبب الانحياز الرهيب للاعلام الأميركي. خذ قناة الجزيرة مثلا، فهي قد تغطي قصة خاصة لمدة اسبوع، ويتجاهلها الاعلام الاميركي كليا. وبشكل عام فإن الصحافة الأميركية غير مهتمة بأخبار الآخرين. النيويورك تايمز مثلا تصفق لقصصها وحدها مثلا، ولا تهتم بقصص الآخرين وإن كانت خاصة. واستطيع ان اضيف ان هذا التجاهل ليس متعلقا بالاعلام العربي فقط، ولكن حتى أيام حرب فيتنام، تم تجاهل العديد من القصص من الصحف الفيتنامية الشمالية، والكورية الشمالية واليابانية. صحيح انهم كانوا شيوعيين ولكن كان لديهم قصص رائعة ودقيقة حول سجناء الحرب وقضايا أخرى، والنقطة هنا هي انه بامكانك ان تكون مراسلا نزيها مهما كانت الجهة التي تعمل لديها.

* حسنا، أود أن اناقش معك ردود الفعل حول عملك، أعلم مثلا أن مستشار وزارة الدفاع الاميركية السابق ريتشارد بيرل وصفك بأنك «أقرب ما يمكن أن يكون عليه الصحافي الأميركي إلى الإرهابيين»... - (مقاطعا وضاحكا) آه، ذلك كان مديحا من ريتشارد بيرل.

* لكن فعلا ينتابني الفضول أن أعلم ما يدور في خلدك، استطيع أن اجزم أن كثيرين نظروا إليك كبطل بعد قصة أبو غريب، ولكن في نفس الوقت هاجمك كثيرون باعتبارك «غير وطني» وهو أقل ما قيل في حقك، كيف تشعر حيال هذه المشاعر المتضاربة؟ - ليس لدي أي مشاعر متضاربة، بالنسبة لي الأمر بسيط للغاية: ان عملي يقتضي ان اضع الشخصيات العامة امام أرفع معايير ممكنة. وفي حالتي، أضع نفس المعايير التي اضعها لعائلتي لهذه الشخصيات، فأنا لا أود أن يكذب أولادي عليّ أو أن أكذب عليهم. أيضا، فأنا لست مثل غالبية الاميركيين الذين يقولون ببساطة أن رؤساءنا او مستشاري الأمن القومي لدينا، سواء كيسنجر او كوندوليزا رايس لا يقولون الحقيقة، لكني أؤمن أنه يجب علينا أن نضعهم أمام أعلى معايير ممكنة. نعم هناك أشخاص يغضبون مني، فأنا مثلا انتقدت اسرائيل وتلقيت رسائل كراهية عديدة لكوني يهوديا، ولكن هذا كله ضمن متطلبات العمل.

* كيف تقارن بين تغطيتك لأبو غريب ومذبحة ماي لاي؟ - حسنا، لا يمكن المقارنة بينهما، ففي الحالة الثانية كان الأميركيون يقتلون كل شخص يرونه أمامهم، وهذا لم يحدث (في العراق). ولكن على العموم، فإن حرب فيتنام كانت خطأ تكتيكيا، لقد حاكمناها وقلنا إنها إجرامية وقد قتلنا الكثيرين وقتل منا الكثير، لقد كانت حربا بلهاء. أما العراق فهي حرب استراتيجية، لقد وضعنا أنفسنا في موقف لدى العرب والمسلمين فيه سبب حقيقي ليكون لديهم كم كبير من الكراهية تجاهنا. وبالطبع كان لأبو غريب دور كبير في ذلك، ولا يسعني أن اخبرك كم مرة سمعت أننا بسبب ما جرى هناك، وبسبب غوانتانامو ومعاملتنا للأسرى تسببنا في خلق المزيد من رجال الطالبان في أفغانستان واتباع القاعدة او الجهاديين في العراق. إنه سهل جدا تجنيد اليافعين لفعل أعمال سيئة بفعل أعمالنا التي تزيل إنسانية العرب. أود أيضا أن اقول ان غالبية الاميركيين مصابون بالهلع لما جرى، ونحن لا نؤمن بأبو غريب أو أن هذه طريقة للتعامل مع البشر، واستطيع ان افهم كيف يمكن أن يرى الناس في العالم العربي أننا نقوم بهذه الأشياء بشكل أسهل مما نحن عليه في الواقع.

* كثيرون يتوقعون انك ستبدأ بالتكلم بعد رحيل إدارة الرئيس بوش، هل هذا صحيح، وما الذي ستكشفه عن هذه الإدارة؟ - ما قلته هو أن كثيرا من المصادر التي تحدثت إليها سيكون من الأسهل لها التحدث بعد وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض. وساقوم بالفعل بتأليف كتاب مع دار نشر راقية، انا أؤمن بأن شيئا ما حصل لأميركا بعد 11 سبتمبر، فهي باتت بلدا آخر، وهذا لا بأس به فهناك رؤساء يودون فعل ذلك، لكن قضيتي هي كيف فعلها بوش، كيف تغلب على الصحافة والجيش والكونغرس وحول الجميع إلى جبناء ولماذا لم يعترض الناس عليه؟ أو بعبارة أخرى ما مدى قابلية الدستور الأميركي للكسر، وما تبين هو أن ذلك أسهل مما كان الناس يتخيلون.

* فلنتحدث عن أسلوبك في الصحافة، يجري انتقادك مرارا بسبب اعتمادك الكبير على مصادر ترفض الكشف عن أسمائها، وعلى الرغم ان قصصا كثيرة من قصصك دقيقة فإن الكثيرين يرون أن في هذا الأسلوب ضعفا، مقارنة على سبيل المثال ببوب ودوورد؟ - لا أتفق مع كل شيء يفعله وودورد، لكن عمله بالتأكيد شريف ودقيق. بالنسبة لي فإن هذه نقطة هي مجرد نقطة يسهل انتقادها، والقضية الحقيقية هي إذا ما كانت قصصي صحيحة أم لا. الناس يعلمون أن النيويوركر تدقق بشدة في ما تنشره، وبشكل عام فإن غالبية قصصي كانت دائما دقيقة. دعني أعطيك مثالا يشرح أسلوبي: في مايو 2000 كتبت قصة من حوالي 25 ألف كلمة للنيويوركر، وكانت عن بيري ماكفيري الذي كان قائدا لشعبة في نهاية حرب الخليج الأولى وقام بمهاجمة لواء عراقي متراجع وقتل 800 منه وأعدم 400 سجين حرب. لقد تحدث إلي العديد من الجنرالات بغضب حول ماكفيري وما فعله وكيف تمكن من الهرب بفعلته، لكن رئيس تحريري كان يريد كل التصريحات باسماء معلنة، فقمت بالعودة إلى نحو 12 جنرالا ووافقوا جميعا بالتحدث باسمائهم، لكنهم قالوا امورا اكثر اعتدالا بسبب ذكر اسمائهم، والنتيجة كانت قصة سيئة ولم تقم بأي تأثير.

* هناك قصة كتبتها منذ فترة تحدثت عن قيام الولايات المتحدة بالفعل بغزو إيران سرا، والكثيرون يعتقدون انها قصة ليست صحيحة كليا، فما الخلفية هنا؟ - لم أقل غزوا ولكن قلت تجري عمليات سرية، وقد كتبت هذه القصة في الصيف الماضي. وما نشر كان أن أموالا كثيرة تم اقرارها من الكونغرس سرا مع موافقة رئاسية بأنه يمكن استخدام القوة القاتلة، والهدف كان نشر وتوسيع العنف الداخلي في إيران، عبر جماعات الأكراد والأرمن الأكراد وجماعات أخرى لنشر الفوضى داخليا. وقد حصلت من كولونيل متقاعد على نسخ من تقارير حول الموضوع، حتى الإيرانيون أنفسهم يقرون بأنه خلال السبعة أو الثمانية أشهر الأخيرة تعالت نسبة العنف الداخلي، ولا شك في ذلك وفي صحة القصة.

* حسنا، أعلم أنك كنت في سورية أخيرا، واتوقع ان تقوم بكتابة قصة عنها، وسؤالي هو ان كنت تستطيع انتقاد الرئيس السوري بشار الأسد كما تفعل مع الرئيس الأميركي جورج بوش؟ -عليك أن تنتظر وترى، قل لي... هل كل شيء على وجه الكمال في سورية؟

* بالتأكيد، لا... فإذن؟ - إذا لماذا لا أقول ذلك؟

* لأنك قد تخسر فرصتك في العودة إلى هناك مجددا على الأقل، أليس كذلك؟ - انا لا احاول تجنب السؤال، لكن لا يمكنني التحدث عن شيء لم أكتبه بعد، هناك بالتأكيد مشاكل في سورية عموما.

* سؤالي الأخير، بحكم ان مجموعة تريبيون أفلست قبل أيام، وهناك مشاكل عدة تواجه قطاع الإعلام في أميركا وعالميا، هل ترى نهاية الصحافة الاستقصائية، خصوصا وانها تكلف الكثير؟ - نعم، لقد انتهى الأمر.. في الولايات المتحدة هناك انهيار، انها كارثة اقتصادية. بالنسبة لي، لدي حل سهل جدا لمشاكل الصحافة في أميركا، أنا انصح بالتخلص من 70% من المحررين، وذلك لأن الحال دائما هو أن الأشخاص الأكثر حذرا هم من يرقون، فيما الأشخاص الأكثر شراسة لا يرقون، ذلك لأن السيطرة عليهم أصعب. غير ذلك، الصحف كانت بطيئة جدا في التجاوب مع الإنترنت وهي تموت الآن. علما بأنه من أروع وأبسط الأشياء في أميركا هو التعديل الأول في الدستور، الذي يمنحنا حق نشر أي شيء نريده، وهو أمر غير موجود في انجلترا أو أي مكان آخر. مثلا، فلنفترض انني حصلت على وثيقة حساسة للغاية، فإن القرار قراري إن كنت أريد نشرها، وبالتأكيد سأفكر مليا إن كان الأمر يعرض زملائي أو المواطنين الأميركيين للخطر أو لا، لكن ما أريد قوله اننا نفشل رغم كل هذه الحرية التي نتمتع بها. بالنسبة لي، أنا محظوظ في النيويوركر، ولكن حتى هذه المجلة تواجه تدني الاعلانات كما هو الحال في القطاع عموما.