إذاعات الإنترنت.. تستعيد زمن المستمعين

بناقل صوت وغرفة معزولة وموقع إلكتروني

TT

لم يكن غريبا أن يمتد التنافس بين وسائل الإعلام في العالم كله إلى الفضاء الإلكتروني الذي أوجدته الشبكة العنكبوتية «الإنترنت»، ما بين إنشاء مواقع إخبارية، ومواقع للصحف وصولا إلى المدونات التي يعتبرها البعض صحفا غير اعتيادية. إلا أن اللافت للنظر هو انتشار ظاهرة الإذاعات الإلكترونية التي تبث إرسالها على الانترنت فقط.

هذه الظاهرة أرجعها البعض إلى قلة تكلفة إنشاء مثل هذه الإذاعات، وفسرها البعض الآخر بمنظومة التطور الطبيعي لوسائل الإعلام.. لكن برغم تباين الآراء حول تفسير انتشار الظاهرة إلا أنها تلاقى رواجا كبيرا خاصة بين فئة الشباب، الذين يشكلون النسبة الأكبر من مستخدمي الشبكة العنكبوتية في العالم.

بدأت فكرة إذاعات الانترنت في أميركا عام 1993 بإذاعة تحمل اسم «انترنت تالك راديو» وكانت تبث لعدد محدود من الساعات على مدار اليوم، تبعتها أول إذاعة انترنت تبث على مدار اليوم في أميركا أيضا عام 1995 تحت اسم «اتش. كي».

وكان لافتا أن التخصص انتقل إلى تلك الظاهرة الجديدة نسبيا على الوطن العربي، فقد أنشأت مجموعة فتيات إذاعة الكترونية أطلقن عليها «بنات وبس» تلاقي حاليا رواجا كبيرا وصل إلى 200 ألف مستمع، وهو رقم كبير وصلن إليه بعد خمسة أشهر فقط من بدء بث الإذاعة.

ولم يمنع عصر ثقافة الصورة الذي نعيشه في ما تبثه القنوات الفضائية على مدار الـ24 ساعة، من عودة الاستماع للإذاعات والإقبال عليها، وكأنها استراحة للعين مما تحفل به الصورة نفسها من مشاهد العنف والقتل والجوع السائدة في الكثير من بلدان العالم وبخاصة الدول النامية، كما يعيد هذا الإقبال لحاسة الأذن فعاليتها في التقاط المشهد بزوايا تأمل خاصة، ويكثف من فكرة المزاج التي ترتبط سيكولوجيا بحاسة السمع، ومن ثم انتقل الكثير من الجمهور من خانة المشاهدين إلى خانة المستمعين.. الكترونيا.

أماني التونسي مالكة إذاعة «بنات وبس» تقول عن تجربتها التي بدأت بثها عبر الانترنت في شهر يوليو (تموز) الماضي «الفكرة جاءت لي منذ فترة، وكنت أرغب في تقديم إعلام متخصص للفتيات فقط، فكرت في إصدار مجلة، إلا أن صعوبة الحصول على الترخيص والتمويل أعاقا المشروع وبما أني درست علوم الكومبيوتر لم يكن صعبا علي تصميم إذاعة على الانترنت».

تضيف التونسي «عرضت الفكرة في البداية على صديقاتي فوجدت أنها لاقت قبولا لديهن، واشتركت مع تسع منهن لإنشاء الإذاعة وتقديم البرامجkd أن»، وبالفعل أخذت قرضا بنكيا استأجرت به مقر الإذاعة وصنعنا الديكور لها، واشترينا أجهزة الصوت وخلافه وبدأنا العمل.

ترى التونسي أن إذاعتها تلاقي رواجا كبيرا، حيث كان عدد مستمعي «بنات وبس» في بداية إرسالها 15 ألف مستمع حول العالم، وصلوا بعد خمسة أشهر إلى 200 ألف مستمع.

وتقول «أصبح عدد العاملات في الإذاعة الآن 30 بنتا، ولدينا مراسلات في لبنان، الأردن، السعودية، الكويت، المغرب، الجزائر، ايطاليا، جورجيا، أمريكا، جزر القمر، وكل من يعمل في إذاعتنا متطوع ويعمل من دون أجر لأننا ما زلنا في البداية»، مشيرة إلى أن الإذاعة تتلقى إعلانات، لكن العائد منها لا يكفى مصروفات التشغيل.

وتكشف «أماني» عن أنها وزميلاتها قررن عدم الخوض في ثلاثة موضوعات هي كما تقول: السياسة ، وذلك لأننا لا ننتمي لأي تيار أو حزب سياسي، والدين لأن هدفنا هو مخاطبة كل الفتيات في الوطن العربي بغض النظر عن دينهن أو عقيدتهن، ثم الجنس لأن طبيعتنا كمجتمعات شرقية لا تقبل من البنات التحدث علانية في مثل هذه الأمور».

وتضيف أماني «برامجنا ترفيهية، ثقافية، غنائية، اجتماعية، نناقش فيها سلبيات موجودة في كل المجتمعات العربية، ونحاول أن نقدم لها علاجا من وجهة نظر البنات».

ولم تستبعد أماني التونسي أن تتحول «بنات وبس» من إذاعة على الانترنت إلى قناة فضائية لو توافرت لها الإمكانات المادية والفنية والبشرية، إلا أنها قالت «حتى لو تحقق ذلك فسنحافظ أيضا على الإذاعة، لأن الإقبال عليها كبير».

أما إياد صالح مخرج بالإذاعة التابعة للموقع الالكتروني «إسلام أون لاين»، فيقول «الانترنت هو المستقبل، وكل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة وحتى المرئية تلهث بسبب سرعة إيقاع العمل الإعلامي الذي فرضه ظهور الانترنت».

ويضيف إياد «التحدي الأكبر لي كمخرج هو أن أستطيع جذب انتباه المستمع من أول ثانية في البرنامج أو المسلسل الإذاعي حتى آخر ثانية»، معترفا في الوقت ذاته بصعوبة هذا الأمر، وهو ما أرجعه إلى أننا «نعيش عصر ثقافة الصورة».

ويشير إلى أن الراديو عندما ظهر كوسيلة إعلامية، نمى الخيال لدى مستمعيه الذين كانوا يتخيلون شكل الأبطال، ومكانهم، بل ملابسهم، موضحا أن التقنيات الحديثة سهلت الكثير من العمل الإذاعي.

ويقول إياد «قدمت في شهر رمضان الماضي مسلسلاً بعنوان «شربيني أصلي» لاقى نسبة استماع عالية ظهرت من خلال الموقع وتعدت إلـ 150 ألف مستمع وهو رقم أشعرني بالسعادة».

ويضيف إياد «العنصر المهم الذي ساعد على انتشار وزيادة الإقبال على إذاعات الانترنت هو سهولة تشغيلها في أي مكان، فيكفى أن تدخل على موقع الإذاعة وأنت في العمل لتستمع إلى البرامج، من دون أن يعطلك هذا عن شيء».

الدكتور صفوت العالم أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة اعتبر أن انتشار إذاعات الانترنت هو استكمال للتطور الإعلامي وعادات الاستماع والمتابعة لوسائل الإعلام الجديدة.

ورأى العالم أن وسائل الإعلام الجديدة ساعدت على التدفق المعلوماتي بحرية أكثر من وسائل الإعلام الرسمية أو الحكومية، وقال «عادة ما يعمد القائمون على إدارة هذه الوسائل إلى توصيل رسائل ومضامين إعلامية تعبر عن آراء وقناعات لديهم ، بحرية تامة، وبعيدا عن أي شكل من أشكال الرقابة».

وأضاف «كلما تعددت هذه الوسائل الجديدة ، مثل المدونات وإذاعات الانترنت، كلما صعب مراقبتها وكلما استطاعت الوصول إلى عدد أكبر من الجمهور»، مشيرا إلى أن ما ساعد على انتشار هذه الوسائل أنها لا تتطلب تكلفة عالية، كما أن التجارب السابقة حققت نجاحات كبيرة أغرت الآخرين بإنشاء إذاعات إلكترونية».

ورفض العالم أن تتأثر هذه الإذاعات بالمنافسة مع الفضائيات، وقال «توصيل الصورة للمشاهد عبر القنوات الفضائية مكلف للغاية، فهو يحتاج معدات فنية غالية الثمن وإضاءة وديكور ومذيع يتقن العمل الإعلامي ليخرج إلى المشاهدين ويقول إن حادثا ما قد وقع، في حين أن الإذاعة لا تحتاج سوى إلى ناقل صوت (ميكروفون) وصوت إذاعي قوي يعلن ما يريد للمستمعين».

لكن، هل ثمة احتمال أن يؤدي انتشار الفضائيات إلى جذب مستمعي الإذاعة إليها؟ يؤكد أستاذ علم الاجتماع أنه «لم يحدث على مر العصور أن انتهت وسيلة إعلامية لظهور وسيلة أحدث منها، فظهور الراديو لم يلغ الصحف، وظهور التلفاز لم يلغ الراديو، وظهور الانترنت لم يلغ كل ما سبق، كل وسيلة ولها دورها ولها جمهورها الخاص».

ودلل العالم على ذلك بتسابق وسائل الإعلام على الفضائيات والمحطات التلفزيونية بتزويد مواقعها الالكترونية بخدمة الاستمتاع إلى إرسالها من أي مكان وفي أي وقت مثل راديو «سوا» الأميركي وهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، وغيرها».