«لا للإسراف»

الإعلام الأميركي يعلن الحرب ضد الكارثة الاقتصادية ويتحول إلى مرشد حول سبل التوفير للمستهلكين

أوبرا وينفري ود. فيل ماغرو («الشرق الأوسط»)
TT

في اذهان الاميركيين، يرتبط الرقم «911» بشيئين: اولا: هجوم 11 سبتمبر سنة 2001. ثانيا: الرقم السريع للاتصال بالشرطة في حالة الطوارئ. أخيراً، بدأ الدكتور فيليب ماغرو، طبيب نفسي يقدم برنامجا تلفزيونا مشهورا هو دكتور «فيل»، شعار «911 اقتصاد». هذه اشارة الى الكارثة النفسية التي صاحبت الكارثة الاقتصادية التي بدأ الاميركيون يواجهونها أخيراً، واشارة الى نصائح يقدمها دكتور فيل لمواجهة الكارثة الاقتصادية. وهكذا، جمع دكتور فيل بين خوف الاميركيين من الهجوم الارهابي، وبين رقم تلفون الطوارئ.

حتى هجوم 11 سبتمبر سنة 2001، كان دكتور فيليب ماغرو ربما مثل غيره من الاطباء النفسيين في الولايات المتحدة. لكن، قاده طموحه لتقديم برنامج علاج نفسي في تلفزيون محلي. وكان يجيب عن اسئلة الاميركيين عن الزواج والطلاق، والنجاح والفشل، والفرح والحزن. لكن، بعد هجوم 11 سبتمبر، ظهرت اسئلة عن الخوف من الارهابيين، ومن الاجانب، ومن المجهول.

ثم ظهر في برنامج «اوبرا» الذي تقدمه اوبرا وينفري، اشهر مقدمة برنامج تلفزيوني في اميركا. وبعد ان نجح في برنامجها، بدأ برنامجا باسمه: «دكتور فيل».

وصارت اغنية «شاين» (استيقظ وانهض) شعار البرنامج، وتقول بدايتها: «قل لي كلمة. قل لي اشارة. قل لي ماذا افعل. ارقدني على الارض. حلق بي في السماء». وهدف الشعار واضح، وهو ان دكتور فيل يحل كل المشاكل.

ولم يخيب فيل «اوبرا» لأنها كانت شجعته قبل ست سنوات. وقفز برنامجه الى قمة البرامج الاجتماعية التلفزيونية. وصار فيل الثاني بعد «اوبرا». واعترافا بفضلها عليه، امر الا تقدم اي قناة تلفزيونية برنامجه في نفس وقت برنامجها.

قبل شهر، اوضحت مؤسسة «بيو» ان ثمانين في المائة من الاميركيين قالوا ان الكارثة الاقتصادية هي هاجسهم الاكبر (قبل حرب العراق بكثير جدا، وقبل الخوف من الارهاب بكثير جدا).

واستغل «دكتور فيل» ذلك، وركز على شعار: «911 اقتصاد». وقال: «لا تذهب الى مواقع «وول ستريت» في الانترنت لانك لن تفهمها. لا تقرأ الصفحات الاقتصادية في الصحف لانها تنشر المشاكل ولا تنشر الحلول. تعال إلي. سأخفف من خوفك، وسأحل مشكلتك».

منذ البداية، اعترف الرجل انه طبيب نفسي، وليس خبيرا اقتصاديا، ولهذا، يستعين بخبراء اقتصاديين. مثل: بنجامين ستاين، مؤلف كتاب «كيف تدمر الولايات المتحدة؟» ومثل: اميليا تياغي، مؤلفة كتاب «كم تكلف؟» ومثل: جيم كريمر، مقدم برنامج «المال المجنون» الاقتصادي التلفزيوني.

هذه بعض نصائح «دكتور فيل»:

اولا: تخلصوا من ديون البطاقات البلاستيكية. لأن سعر الفائدة فيها عال جدا (احيانا خمسة وعشرين في المائة). ولأن البنوك نفسها قررت تشجيع زبائنها لدفع الديون التي عليهم خوفا من ان لا يقدروا، ويزيدوا الكارثة. ولأن الدين، من ناحية فلسفية، ليس افضل طريقة للصرف. ولأن الدين، من ناحية عملية، يقيد صاحبه.

ثانيا: كونوا مستعدين لتفصلوا من اعمالكم. عمليا، لأن وزارة العمل اعلنت في الاسبوع الماضي ان نصف مليون اميركي فقدوا وظائفهم واعمالهم خلال الشهرين الماضيين. وتورد الاخبار مزيدا من قرارات الفصل (يوم الاثنين اعلن بنك «سيتي»، اكبر بنك اميركي، فصل اكثر من خمسين الف شخص، اكثر من ربع العاملين فيه). ونظريا، لان الكارثة الاقتصادية بعد ان اثرت في البنوك والمؤسسات الاستثمارية، كان لا بد ان تنزل الى تحت، الى مستوى المواطنين.

ثالثا: اعيدوا النظر في حسابات معاشاتكم. في جانب، كان كثير من الشركات يشترك في برامج معاشات يصرفها الشخص منذ يوم تقاعده الى يوم وفاته. لكن، حتى قبل الكارثة الاقتصادية، بدأت الشركات تتخلص من هذه البرامج لأنها تكلفها كثيرا. وفي الجانب الآخر، بسبب انخفاض اسعار الاسهم (بنسبة اكثر من ثلاثين في المائة)، انخفضت قيمة استثمارات المعاشات.

بعد ان شرح «دكتور فيل» المشاكل، قدم، وهو الطبيب النفسي التلفزيوني الاول، حلولا:

اولا: قال: «لا يوجد خوف غير الخوف». ليس هذا الشعار منه، لكنه من الرئيس روزفلت. قاله خلال الحرب العالمية الثانية عندما هجمت اليابان على قاعدة «بيرل هاربور»، وادخلت اميركا الحرب. وقال «دكتور فيل» ان الاميركيين يجب ان يتذكروا الخوف من اليابانيين والالمان خلال الحرب العالمية الثانية. والخوف من الشيوعية خلال الحرب الباردة. والخوف من الارهاب بعد هجوم 11 سبتمبر سنة 2001. والآن، الخوف من الكارثة الاقتصادية.

ثانيا: قال: «اذا سيفصلونك، سيفصلونك». يقصد ان الشخص يجب الا يخاف من انه سيفصل من عمله بسبب الكارثة الاقتصادية، ليس لسبب غير سبب نفسي هو ان ذلك سيوجد القلق. ويقصد ان القلق مشكلة نفسية تختلف عن الخوف (رغم الصلة القوية بينهما). وان هناك فرقا بين خطر واضح امام عين الشخص، وخطر وهمي في عقل الشخص.

ثالثا: «لا عيب في «ثرفت» (البخل). وهو لا يقصد البخل الذي هو عكس الكرم، ولكن الذي هو عكس البذخ. وقال: «ضعوا خططا لتوفير صرفكم: بدل سيارتين، سيارة. وبدل اجازة كرسماس واجازة صيف، اجازة واحدة. وبدل وجبة في مطعم كل «ويك اند»، وجبة كل اثنين. وبدل شراء الاشياء بسعرها الرسمي، شراؤها بسعر مخفص».

في حلقة من حلقات «دكتور فيل»، قال خبير اقتصادي: «صارت الكوبونات ارستقراطية». وقصد ان الانسان الذي يقص الكوبونات، ويأخذها الى مكان تجاري، ويطلب تخفيضا مقابلها، يجب الا يحس بالحرج. صحيح، في الماضي، كانت هذه عادة تنطبق على كثير من الفقراء والمحتاجين، ولم تكن سمعتها طيبة. لكن، «دكتور فيل» قال: «لا تحسوا بالحرج، وانتم تخرجون كبوناتكم، حتى اذا كانت الصفوف وراءكم طويلة». (كانت مشاهدة اشتكت من الاحساس بالحرج، ومن نظرات الواقفين في الصف وراءها).

هل قلل «دكتور فيل» من مستوى برنامجه التلفزيوني بالحديث عن كوبونات وتوفيرات، وكأنه برنامج يخدم ربات البيوت؟ هو نفسه سأل السؤال، واجاب بالنفي، وقال ان لتخفيض الصرف فائدتين على الاقل: اولا: اقتصادية، بالتوفير. ثانيا: نفسيا، باعطاء الشخص احساس مواجهة المشكلة، وليس فقط الخوف منها.

وقال «د. فيل» نكتة عن «اوبرا» في هذا الموضوع، وهي ان نصائح مراقبة الصرف المنزلي ليست موضوعا نسائيا فقط.

«اوبرا»، نفسها، خصصت برامج لتشجيع التوفير في الصرف وأخيراً، كتبت جريدة «بيزنس جورنال» الاقتصادية: «حتى اوبرا تقدم دعاية لنظرية شعبية جديدة لم يتعود عليها الاميركيون، وهي التوفير في الصرف. ولاحظ هذا المسؤولون في اقسام العلاقات العامة في الشركات الكبيرة. واستغلوا الاهتمام بالكوبونات والاغراءات للزبائن. وقرروا التركيز عليها، خاصة مع اقتراب موسم الكرسماس ورأس السنة».

واشارت «اوبرا» نفسها الى اهتمام الشركات ومواقع الانترنت بما تقول للمشاهدين في برنامجها التلفزيوني.

مثل موقع «قروشاري ديل» (دليل شراء الخردوات). قبل سنتين، اسسه بول ديفز، وكان يجمع فيه كوبونات من الصحف، وينشرها على الناس، ويجمع اعلانات مقابل ذلك. قال أخيراً: «صارت الكوبونات موضة حديثة». واشار الى ان الموقع يستعد لتوزيع كوبونات واغراءات مع اقتراب الكرسماس. ويوفق بين شعار «لا للبذخ» وشعار «عيد ميلاد سعيد».

حتى «دكتور فيل» نفسه لا يقول ان برنامجه التلفزيوني وموقعه الانترنتي صارا يوزعان كوبونات. اسس قسما سماه «مجتمع دكتور فيل»، وقال ان جمع الكوبونات وتشجيع التوفير وتقليص الصرف ليس فقط هدفا اقتصاديا، لكنه، ايضا، يقلل الخوف والاحباط والقلق.

واضاف: «لا تنسوا الجانب الوطني. الابتكار والابداع في مواجهة المشاكل ظاهرة اميركية تاريخية».