برامج «الخدمات» و«التدريب النفسي».. العصا السحرية للتلفزيون في زمن الأزمات

برامج من نوعية جديدة موجهة لمساعدة الأشخاص على حل مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية

المصداقية وإمكانية الاستفادة بنصائح ثمينة هما ما يجعلان الجمهور يقبل على برامج الخدمات
TT

وكأن مُهمتا الإعلام والتسلية لم تعدا تكفيانِه فقد راح التلفزيون في زمن الأزمات المالية وتدهور المستوى المعيشي للطبقات المتوسطة يتبّنى مهمات جديدة، أغلبها ذات طابع حواري اجتماعي وحتى نفسي، بإنتاجه لبرامج من نوعية جديدة موّجهة لمساعدة الأشخاص على حّل مشاكلهم الاقتصادية و الاجتماعية. هي الظاهرة التي وجدت طريقها إلى شبكات القنوات الفرنسية، حيث ظهر نوع جديد من البرامج يسمى «برامج الخدمات»: خليط من النصائح والإرشادات للاقتصاد في المصاريف، إلى التوعية بحقوق المستهلك مروراً بمساعدة الأشخاص المهّمشين على مواجهة مصاعب الحياة الاجتماعية. وكأنها العصا السحرية للتلفزيون ضد جميع الأزمات - أو هكذا يزعم المرّوجون لهذه البرامج -، فقد صُممت هذه البرامج لتعلمنا كيف نشتري سيارة بأقل الأسعار، كيف نحصل على أفضل القروض لشراء بيت أو كيف نختار أحسن عقود التأمين الصحّي، وكل ما من شأنه تخفيف وطأة الأزمة والتضخم على ذوي المحافظ الخفيفة. الشعبية المتزايدة لهذه البرامج جعلتها تحتل أفضل المواقع على شبكات البرامج، حيث وضعت القناة الثانية الحكومية (فرانس2) برنامجها الجديد الشبه يومي الذي يهتم بإرشاد المستهلكين والمسّمى «سرفيس مكسيمام» في فترة مسائية حيث يسجل أعلى نسب المشاهدة، ويمثل سابقة أولى، علماً بأن برامج التسلية كانت هي وحدها التي تستحوذ على مثل هذه الفترات. كما يحتل برنامج «بدون أدنى شك» ونظيره على نفس القناة (ت.ف.1): «بكم هذا..؟» فترة مناسبة أخرى هي فترة نهاية الأسبوع. قناة «م 6» الخاصة تَعّد من جهتها أكثر من 4 حصص من هذا النوع في شبكة برامجها الجديدة لهذا الموسم، وهي تخصص لها الفترات المسائية لنهاية الأسبوع.

أكثر من غرض الترفيه عن النفس، فإن المصداقية وإمكانية الاستفادة بنصائح ثمينة هما ما تجعلان الجمهور يُقبل على مشاهدة هذه البرامج الجديدة. فهي بالنسبة للمتابعين لها تحمل قيمة إضافية ملموسة، فهم غالباً ما يخرجون منها بمعلومات جديدة قد تفيدهم في مواجهة المصاعب اليومية للحياة: كيف يقتصدون في مصاريف الأكل؟ كيف يجهزون البيت بأرخص التكاليف؟ تقول بتريسيا بوتيار- روويل مديرة البرامج في القناة الثانية فرانس 2 «مع تدهور القدرة الشرائية للأشخاص، أصبح من واجب القطاع التلفزيوني الحكومي مساعدة الناس على إيجاد حيّل وتدابير للتخفيف من وطأة الأزمة، لكن هذا لا يمنعنا من التمسك بنفس الإطار الترفيهي المعهود في التلفزيون». والواقع أن طريقة تقديم وتناول هذه البرامج تجعلانها متّميزة عما عهدناه من قبل إبتداء من فرق العمل المشاركة، فهي لا تضم مجرد مجموعة صحافيين أو مذيعين يؤدون عملا ميدانيا فحسب، بل أن المقدم لهذه البرامج عادة ما يحيط نفسه بترسانة من الاختصاصيين والمحترفين: منهم محامون، أطباء، محققون، اختصاصيو جراحة تجميلية ومربون يستعان بهم لإسدال النصح والإرشاد لما يتمتعون به من شهرة وخبرة واسعة في مجالات اختصاصهم، وهو ما يضفي على هذه البرامج مصداقية كبيرة. ظاهرة تعدد اختصّاصات هذه البرامج وتشعب ميادين تدخلها يطبعان أيضا محتوياتها :الاقتصاد المنزلي،إدارة الأموال، الكشف عن خدع بعض مؤسسات الخدمات، نصائح مختلفة للمستهلكين، ومع تفاقم مشاكل البطالة والتفكك الأسري تظهر نوعية أخرى تسمى «برامج التدريب» أو «الكوتشينغ» التي تقوم على عمل خبراء هم بمثابة «أبطال خارقين» يساعدون الأفراد على تحسين ظروف معيشتهم، سواء بمساعدتهم على مراعاة المظهر للحصول على عمل، تربية الأطفال، حّل المشاكل النفسية والخلافات العائلية، التفاوض للحصول على قرض جيّد.. الخ. هذه البرامج تبقى قيمة ثابتة بالنسبة للقنوات الخاصة التي جعلت منها بقرتها الحلوب. فالقناة السادسة تعرف أكثر من 7 برامج من هذا النوع، علما بأن القناة الأولى تحضر عدة برامج من هذا النوع للموسم المقبل وشعارهم في ذلك «الأخذ بيد الأشخاص الذين يعانون مختلف المشاكل الاجتماعية لتجاوز هذه المرحلة»: «سوبر ناني» المربية المدهشة تساعد الآباء على ترويض الأطفال المتسلطين، في برنامج «أم تبحث عن الحب» و«الحب في الأرياف» يتّم مساعدة أشخاص يعانون الوحدة على إيجاد شريك للحياة. إذا كنت عاطلا عن العمل وتعتقد أن تحسين مظهرك وتغيير جانب من شخصيتك سيساعدك على الخروج من هذه الوضعية الصعبة فإن برامج مثل «سعيد في حياتي»، «القرية» و«وحدها الحقيقة تهّم» وأخرى قد صممت لمساعدتك، وإذا كان بيع منزل قديم قد أصبح مستعصياً عليك فإن خبير العقّار«بسكال» جاهز لمساعدتك. باحث الاجتماع المعروف جان كلود كوفمان يرجع شعبية هذه البرامج إلى: «حالة العزلة والضياع التي آل إليها كثير من الأفراد في هذا الزمن الصعب الذي كثرت فيه الأزمات والمشاكل، لكن حضور التلفزيون المتزايد في حميمية الناس وحياتهم الخاصة أصبح يؤرق، وكأن مصاعب هؤلاء أصبحت فرجة، وبدل أن يأخذ التلفزيون بيد هذه الشريحة المستضعفة فإنه يقوم بتجريدهم من حريتهم وإرادتهم و يجعل منهم دمّى في يد من يُسمون أنفسهم خبراء».

بصفة أكثر عقلانية شرع كثير من القنوات في الأسابيع الأخيرة في إنتاج «أعداد خاصة» بالأزمة محاولة منها لتفسير هذه الظاهرة وتناول أبعادها كخطوة أولى نحو مساعدة الأشخاص على مواجهتها. أغلب البرامج الإخبارية حققت نسب مشاهدة كبيرة بهذه الأعداد الخاصة: 39 مليون مشاهد للقناة السادسة لحصّة من مجلة كايبتال حول«طرق حماية مدخراتنا البنكية»، 3,6 مليون مشاهد لقناة فرانس 3 الحكومية لبرنامج بياس أكوفكتيون أو«دلائل إثبات» الذي خُصص «للمستفيدين من الأزمة»، و3,2 للقناة الأولى ببرنامج خاص حول «فّخ التّدين».