عبدالله النفيسة.. المصور الذي نقل للعالم بكاميرته نحو 15 عملية فصل توائم سيامية

تحول إلى مرجع وثائقي للإنجازات الطبية السعودية

عبد الله النفيسة مع كاميرته في غرفة العمليات («الشرق الأوسط»)
TT

نحو خمس عشرة عملية فصل توائم سيامية أجريت على يد الجراح السعودي الشهير الدكتور عبد الله الربيعة بمستشفى الحرس الوطني بالرياض، على مدى ست سنوات متتالية، كانت شاشات التلفزيون تنقل العالم الى داخل غرف العمليات لمتابعة عمليات الفصل النادرة للتوائم السيامية عبر عدسة مصور سعودي سخر احترافيته ليعيش العالم تلك اللحظات.

المصور عبد الله النفيسة رجل في عقده الرابع، ارتبط بكاميرا الفيديو منذ ربع قرن، أحبها كهواية ليعمل كمساعد مصور في بداية مشواره وبسرعة استطاع أن يطور أدواته ويوسع من مداركه وثقافته في المجال التصويري ـ على الرغم من اكتفائه بشهادة المتوسطة ـ ليكون أحد طاقم التصوير في مستشفى الحرس الوطني بالرياض، وعادة ما يقوم بتصوير المناسبات كالمؤتمرات والندوات والحفلات التي تقام في المستشفى، ولم يخطر في بال النفيسة أن يدخل يوما الى غرفة العمليات ويقف بجانب أحد كبار الجراحين مرتديا القفازات حاملا الكاميرا على كتفه ليصور عملية جراحية نادرة أمام كل الأعين حول العالم التي تنتظر هذا الحدث الطبي النادر، وستكون عدسة كاميرته فيلما وثائقيا علميا موثوقا به.

أول عملية فصل توأم سيامي كانت للتوأم الماليزي محمد وأحمد بتاريخ 17/9/2002م، يتذكر النفيسة تفاصيلها جيدا كأنها كانت قبل يومين، ويقول «اجتمع الدكتور الربيعة بالطاقم الفني لتغطية العملية قبلها بأربعة أيام ليشرح لنا مهمتنا، وأعطانا بعض التفاصيل عن العملية الجراحية، التي نسمع عنها لأول مرة في حياتنا »، حديث الدكتور مع طاقم التصوير من مخرج ومنتج ومصور يمتلكون الكثير من الحس الفني جعلهم في حالة من الذهول وهم يتخيلون منظر رأسين في جسد واحد وبعد ساعات يتحول هذا المخلوق إلى جسدين منفصلين، فكانت هناك الكثير من الأسئلة والاستفسارات التي انهالت على الربيعة والذي بطبيعته السمحة والطيبة وبابتسامته المعهودة يجيب عليها وكان بلهجته منبها أكثر من محذر بألا تلمس الأجهزة في غرفة العمليات لأنها حساسة جدا فالغرفة صغيرة جدا، «وكان هذا سبب قلقي»!! كما يقول النفيسة.

يا ليل ما أطولك، هذا المقطع من الأغنية مناسب لحالة النفيسة الذي ظل طوال ليلة العملية يقظا يفكر في العملية ويقول «غرفة العمليات وقعها على الأذن ثقيل ولها رنين مخيف فكيف بوقعها في النفس بينما تدخلها بقدميك، فالمريض فيها تحت رحمة الله»، وكلما حاول أن يغفو تراوده أحلام مزعجة وخيالات قريبة من لقطات لمشاهد أفلام أمريكية مرعبة كطبيب يحمل سكينا ومشرطا وهناك دماء «لم أستطع النوم إطلاقا على الرغم من تنبيه الدكتور الربيعة بأن نأخذ قسطا كبيرا من الراحة والنوم».

وما أن سمع آذان صلاة الفجر قام النفيسة وتوضأ لصلاة الفجر ورفع يديه إلى ربه متوسلا وراجيا منه نجاح العملية وأن يمنحه الصبر والقوة ليتحمل العملية الجراحية وينجح في أولى مهامه الرسمية.

قبل موعد العملية والتي بدأت الساعة السادسة فجرا كان على النفيسة أن يصور الطفلين محمد وأحمد برأسين في جسد واحد مع والديهما في غرفة العناية المركزة، فكان صباحا صعبا بدأ بدموع الوالدين وقشعريرة وبرد في جسد الصغيرين حملا في سرير واحد لغرفة العمليات، وكان قد استعد النفيسة مع الأطباء فيما يتعلق بالتعقيم وارتداء الروب الطبي الخاص والقفازات وغيرها يقول «أول ما دخلت الغرفة ذهب وقع هيبتها بينما كنت مركزا على التصوير فالخمس ساعات الأولى كانت سهلة فهي متعلقة بالتخدير، وبعدها بدأ العد التنازلي».

5‘4‘3‘2‘1 هذه الأرقام حينما يسمعها النفيسة تتسارع دقات قلبه بسرعة لأنها تذكره بصوت الربيعة بينما يهم في حمل المشرط الالكتروني لفصل التوأم، وهي ساعة الصفر الحاسمة التي طال انتظارها، ويقول النفيسة «وقتها حاولت كتم أنفاسي ولعلي كتمتها، وأنا أحاول أن أجد لعدستي مكانا بين أكتاف الجراحين لأصور هذه اللقطة الطبية، وأسمع دقات قلبي، وأقول في نفسي سبحان الله ولا إله إلا الله وبعد الفصل قلت الحمد لله أخذت نفسا عميقا، وانتظرت انتهاء العملية».

لا ينسى النفيسة في أول عملية فصل التوائم السيامية منظر الأحشاء بينما تحملها يد الأطباء فمنظر داخل الجسد سبب له لمدة ثلاثة أيام شيئا من الإزعاج عند النوم ويقول«لم أتخيل يوما أن كل هذا في جسدي، سبحان الله».

وبالرغم من كل تلك المناظر التي شاهدها لأول مرة وما يمتلكه من إحساس فني وجمالي إلا أنه كان أشجع من غيره من الأطباء وطلبة الطب الذين لا يتحملون رؤية تلك المناظر لأول مرة في أول درس تشريح، واستمرت العملية ثلاثة وعشرين ساعة بدأت الساعة السادسة فجرا وانتهت الساعة السابعة صباحا من اليوم الثاني يعلق النفيسة «يوم كامل من حياتي لم أره، شيء غريب».

واستطاع النفيسة وبنجاح كاميرته وعدسته أن يكرر تصوير 15 عملية فصل توأم سيامي من مجمل 20 عملية لتكون واحدة من أهم مراجع الصور الوثائقية للإنجازات الطبية النادرة السعودية. وهناك موقف واحد يبقى له أثر كبير في نفسه ويتكرر في كل مرة على اختلاف أجناس وديانات ذوي من أجريت لهم العملية كما يقول النفيسة «بعد فصل التوأم، دخلا بجسد ورأسين وخرجا برأسين وجسدين منفصلين كلاهما في سرير منفصلين، والداهما يبكيان فرحا وهما يشكران الربيعة على جهده، هذا المشهد يتكرر في كل مرة».

عقب انتهاء العملية يعود النفيسة حاملا عدته وما تحمله من مشاهد ولقطات تصويرية جامدة قد تكون خالية من الأحاسيس الدافئة إلا أن الواقع عكس هذا فهذه الكاميرا عاشت ساعات تحمل الكثير من المشاعر والأحاسيس بين موت وحياة معلقة هكذا منتظرة رحمة الإله، يعود النفيسة إلى البيت ليستقبله ابنه عبد العزيز وبناته الثلاث وتصر إحداهن أن تحضر العملية القادمة معه لتشاهد العملية بنفسها فسرد والدها المشوق للعملية زاد فضولها إلا أنه يرفض في كل مرة ويقول«أخاف عليها فهي مرهفة الحس».