رفح المصرية تجتذب المراسلين العرب والأجانب

يلجأون إلى المدقات الجبلية حال منعهم من الوصول إلى المدينة.. والإيجار اليومي للشقة 500 جنيه

TT

اجتذبت مدينة رفح المصرية، على غير المعتاد منذ بداية القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، المئات من المراسلين والقنوات الفضائية ومحطات البث الفضائي، وذلك لتغطية الأوضاع داخل معبر رفح الحدودي، وعلى طوال الشريط الحدودي بين مصر وغزة، الذي يتعرض بشكل يومي لعمليات قصف جوي لمناطق الأنفاق.

هذا الوجود الإعلامي الكبير، برفح المصرية، يرجع إلى القيود التي فرضها الوضع الراهن على المراسلين العاملين بالجانب الفلسطيني.

ومن المشاهد التي أبكت الكثير من الصحافيين داخل معبر رفح، وصول جريح فلسطيني بنصف رأس فقط.

السلطات المصرية، في اليوم الثاني للقصف الإسرائيلي، وبعد تعرضها للهجوم من بعض وسائل الإعلام، حول عدم قيامها بفتح المعبر، قررت السماح للصحافيين بالدخول إلى ساحة المعبر من الداخل، لتصوير البوابات المفتوحة أمام الجرحى والمساعدات.

وفي عصر هذا اليوم، كان القصف الإسرائيلي، لأول مرة، لمناطق الأنفاق على الشريط الحدودي بين مصر وغزة. كنا جميعا داخل ساحة المعبر، بعد بدء وصول الجرحى فوجئنا بصوت انفجار هائل في منطقة قريبة جدا من معبر رفح، والكثير منا اعتقد أن الانفجار كان بمعبر رفح من الجانب الفلسطيني.

بعد صوت الانفجار، فوجئنا بجميع سيارات الإسعاف والشرطة التي كانت تنتظر داخل المعبر، تهرب من المكان، مما أفزع جميع الموجودين، وخرج الجميع جريا، بينما انشغل جميع الصحافيين بتصوير الانفجار، الذي تلته أربعة انفجارات أخرى متتالية، كانت تهز الأرض من تحت أقدامنا.

واستمر التوتر على الحدود بين مصر وغزة في هذا اليوم، حيث كان المئات من الفلسطينيين يحاولون اقتحام الحدود ودخول الأراضي المصرية، إلا أن الوجود الأمني المصري كان كثيفا للغاية، وكانت عشرات الشاحنات المحملة برجال الشرطة، تقف عند النقاط التي يحاول الفلسطينيون اقتحامها عند بوابة صلاح الدين، ونقطة البراهمة والبرازيل، والجندي المجهول.

على طول هذه النقاط في أثناء مرورنا عليها، كنا نسمع أصوات تبادل إطلاق النيران بين الجانبين المصري والفلسطيني، وعند بوابة صلاح الدين شعرنا أن الرصاص يمر فوق رؤوسنا، فقررنا الاحتماء داخل فناء احد المنازل، إلى حين هدوء عمليات إطلاق الرصاص، إلا أننا قررنا المغادرة، بعد أن علمنا أن بعض الفلسطينيين تمكنوا من دخول الأراضي المصرية بالفعل.

مساء هذا اليوم كانت الحركة داخل مدينة رفح، الهادئة جدا، غير عادية؛ أعداد كبيرة من الشاحنات الصغيرة تسير في الشارع مسرعة، تحاول نقل أكبر عدد ممكن من البضائع والسلع، استعدادا لطوفان الشراء القادم من غزة.

وفي أثناء تجولنا في المدينة، لاحظنا وجود ثلاثة فلسطينيين، أعمارهم لا تزيد عن 18 عاما، وسألناهم «انتم فلسطينية؟» فأجابوا «نعم»، وطلبوا توصليهم إلى العريش، أكدت لهم أن واجهتنا ليست العريش، فطلبوا المرور بهم حتى أول الطريق، بعيدا عن رجال الشرطة، وأخبروني أنهم تمكنوا من الدخول عبر تسلق الجدار الفاصل بين مصر وغزة، والالتفاف حول طريق زراعي ضيق بعيد عن رجال الشرطة. وألقت الشرطة المصرية، في هذا اليوم وحده، القبض على نحو 45 فلسطينيا، تمكنوا من التسلل ودخول الأراضي المصرية.. وفي هذا اليوم أيضا قتل ضابط مصري، وأصيب جندي برصاص فلسطيني، في أثناء وجودهما في منطقة بوابة صلاح الدين.

هذا الوجود الصحافي الكبير، داخل رفح، أدى إلى حدوث رواج في هذه المدينة، التي تعاني من نقص جميع الخدمات، فلا يوجد بها أماكن للإقامة أو مطاعم أو كافيتريات جيدة.وفي رفح كان جميع مراسلي الفضائيات العربية والأجنبية، يتجمعون في ديوان الشيخ عبد الساتر الغلبان، وهو شيخ الفلسطينيين، مقيم بسيناء، وعضو الأمانة العامة للشتات، الذي فتح منزله أمام جميع المراسلين، لتجهيز وإعداد تقاريرهم، كما سمح لإحدى شركات البث الفضائي بوضع أجهزتها داخل منزله.

وكان الشيخ عبد الستار يقدم أيضا الوجبات الغذائية لجميع المراسلين الموجودين لديه، بكرم زائد لفت انتباه الجميع، وكان يحرص على متابعة ضيوفه هو ونجله جواد، كما كان يوفر أماكن للمبيت للمراسلين، الذين قد يضطرون إلى البقاء لوقت متأخر من الليل داخل رفح.

وبعد نحو سبعة أيام من القصف، فوجئنا بالشرطة ترفض عبور أي مراسل صحافي، يكون في طريقه إلى رفح، وتعيده إلى العريش مرة أخرى، بدعوى عدم وجود موافقات أمنية على دخوله، وذلك على الرغم من أن العشرات من المراسلين الآخرين، الذين يتمكنون من الوصول إلى رفح، كان يسمح لهم بالدخول إلى المعبر دون أي اعتراض.

هذا الأمر دفع المراسلين إلى اللجوء إلى سائقي التاكسي من أهالي سيناء، لنقلهم إلى رفح، عبر مدقات وطرق جبلية للالتفاف على نقاط الشرطة، وبعضهم اضطر إلى استئجار شقق داخل المدينة، حيث قامت إحدى محطات البث الفضائي باستئجار شقة تسع ستة أفراد، بإيجار يومي بلغ 500 جنيه، بينما قامت بتأجير سطح إحدى العمارات، بنحو مائتي جنيه في اليوم الواحد، والغريب أن صاحب العمارة قد طلب في البداية 150 دولارا، إيجارا يوميا للشقة.

وكلما كان مكان الشقة قريبا من خط الحدود، ارتفعت القيمة الإيجارية اليومية لها.

* مراسل «الشرق الأوسط» في رفح المصرية