تغطية تنصيب أوباما: بين الوطنية.. والتجارة

الصحافيون يكتسحون واشنطن.. والمؤسسات الإعلامية تمني نفسها بنسب متابعة وقراءة عالية

مجموعة من أغلفة المجلات الأميركية التي تصدرها الرئيس أوباما.. والتي لم تستثن حتى مجلات المغامرات المصورة «سبايدرمان»
TT

قبل شهر كامل من فوز أوباما برئاسة الجمهورية، أوقفت اللجنة التي تشرف على تنصيبه قبول طلبات من الصحافيين لتغطية التنصيب، وذلك لحاجتها إلى وقت طويل للنظر في الطلبات، وإجازتها، وخاصة مراجعة الخلفيات الأمنية، في جو تنصيب غطت فيه الإجراءات الأمنية على كل ما عداها تقريبا.

وبسبب ذلك، قررت اللجنة ألا تمنح بطاقة مفتوحة لكل صحافي لتغطية كل جوانب التنصيب. ورتبت تقديم كل بطاقة لكل صحافي لكل مناسبة. وستكون أكثر الإجراءات الأمنية في المنصة التي سيقف عليها أوباما عندما يؤدي القسم. وفعلا، اقتصر عدد الصحافيين الذين سيكونون هناك على الذين يغطون أخبار الكونغرس فقط.

ويتوقع أن يغطي الحدث 5000 صحافي تقريبا، منهم أكثر من ألف من خارج الولايات المتحدة. لكن، يجب ألا يحصل كل صحافي على بطاقة رسمية لأن التغطية، في عهد الإنترنت والموبايل، يمكن أن تكون في أي وقت وأي مكان في واشنطن.

في الحقيقة، بدأت التغطية الإعلامية للتنصيب منذ الأسبوع الماضي، عندما وصل أوباما إلى واشنطن مع زوجته وبنتيهما: ماليا وساشا لإدخالهما المدرسة مع بداية فصل الشتاء. ومنذ وصوله بدأ في عقد سلسلة اجتماعات مع الوزراء الجدد، وإلقاء سلسلة خطب رسمية، منها الخطاب الذي ألقاه يوم الخميس في جامعة جورج ماسون في ضواحي واشنطن العاصمة، ورسم فيه ملامح سياسته الاقتصادية.

وعندما ظهر في مقابلة تلفزيونية يوم الأحد، غطى الصحافيون المقابلة نفسها. غير أن أوباما، يوم السبت، سيصل إلى واشنطن مرة أخرى، وسيكون هذا وصولا رسميا. وسيكون بداية تغطية التنصيب الرسمي. وسيسافر قبل ذلك بيوم إلى ولاية ديلاوير، ولاية نائبه بايدن. ومن هناك سيستقلان قطارا إلى فيلادلفيا، ثم إلى واشنطن. للرحلة رمزان: شخصي وتاريخي. شخصي لأن بايدن ظل، لأكثر من عشرين سنة في الكونغرس، يتنقل بالقطار من ولايته إلى واشنطن. وتاريخيا، لان فيلادلفيا كانت العاصمة الأولى قبل واشنطن، وفيها عقد المؤتمر الدستوري الذي أعلن استقلال أميركا.

يوم الأحد، سيقف أوباما إلى جانب تمثال إبراهام لنكولن، الذي كان، مثل أوباما، عضوا في الكونغرس من ولاية إلينوي قبل أن يفوز بالرئاسة. بالإضافة إلى أن التغطية الإعلامية لابد أن تشير إلى أن لنكولن هو «محرر العبيد».

يوم الاثنين، يوم مارتن لوثر كينغ، الذي صار عيدا فيدراليا. وسيخصصه أوباما والإعلام، للسود. وطبعا، سيكون لأوباما رمز خاص، لأنه أول أسود يصير رئيسا. وهكذا، خلال يومين، سيجمع الإعلام بين ثلاثة احداث تاريخية: تحرير العبيد، والحقوق المدنية، وأول رئيس أسود.

ويوم الثلاثاء، يوم التنصيب، يوم أداء القسم أمام الكونغرس، والموكب إلى البيت الأبيض، واستعراض القوات المسلحة والمنظمات الشعبية. وفي المساء، الحفلات التي لن تتوقف حتى الصباح.

وستكون للتغطية الإعلامية جانبها الاقتصادي، وذلك بسبب تأثر الشركات الإعلامية بالكارثة الاقتصادية، وانخفاض عائدات الإعلانات. لهذا، خططت شركات إعلامية، مثل: «تايم وورنر» و «يو إس توداي» لإصدار أعداد خاصة، وبرامج خاصة بهدف زيادة دخولها من الإعلانات.

وستعرض قنوات تلفزيونية برامج عن لنكولن، ومارتن لوثر كينغ، وأوباما. لكن أكثر البرامج الخاصة ستكون عن أوباما، ليس فقط من أجل أوباما، ولكن من أجل زيادة دخول الإعلانات التلفزيونية. حتى قناة «مارفيل» التي تقدم برامج كرتونية ستقدم «أوباما والرجل الوطواط»، مع إصدار كتب كارتونية عن الموضوع نفسه.

وستعرض قناة «إم تي في» (قناة الأغاني) برامج خاصة بهدف التقريب بين الشباب، وهم أكثر من يشاهدها، وأوباما، بناء على حقيقة أن ترشيح أوباما للرئاسة زاد اهتمام الشباب بالسياسة، وزاد تصويتهم في الانتخابات.

وقال ستيفن فريدمان، مدير «إم تي في»: «ستكون هذه أكبر تغطية إعلامية في تاريخنا». وأضاف: «لن تكون التغطية عن الحفلات، ولكن عن النشاطات الوطنية وسط الشباب، لأن انتخاب أوباما قدم رموزا ومعاني جديدة لم تكن موجودة في الماضي، وتصور قدرة الجيل الجديد على إحداث تغييرات تاريخية». طبعا، لم يقل إن التغطية ستزيد إعلانات القناة، لكن هذا هدف واضح.

الشيء نفسه بالنسبة لقناة «بلاك إنترتينمنت» (قناة السود) التي ستقدم برامج مثل: «يس وي كان» (نعم سنقدر) و «بلاك إز بيوتيفول» (السواد جميل).

قبل أسبوعين، اختارت مجلة «تايم» أوباما «رجل العام»، وهي عادة سنوية. لكن، هذه المرة، لم تكتف المجلة بإصدار العدد، وقررت أن تحول صورة أوباما على غلافها إلى ملصقة ذات أحجام مختلفة، منها ملصقات صغيرة توضع على مؤخرة السيارات، ومنها ملصقات عملاقة تعلق على الشقق والعمارات. وطبعا، سيزيد هذا دخلها، في وقت تعاني هي الأخرى من الكارثة الاقتصادية. هذا بالإضافة إلى عدد خاص عن التنصيب، غير العدد الأسبوعي.

وأيضا، ستصدر مجلة «رولنغ ستونز» الفنية عددا خاصا بالمناسبة. وكانت وزعت رقما قياسيا، قبل ثلاثة أشهر، عندما وضعت صورة أوباما على الغلاف (100,000 نسخة)، ثم عندما فاز أوباما (150,000)، والآن، مع التنصيب تتوقع ربع مليون نسخة.

حتى قناة «كيو في سي» التجارية، ستبيع ملابس وأشياء خاصة بالتنصيب. وقال دوغ روز، نائب الرئيس: «بصراحة، لو لم نفعل أي شيء لتنصيب أوباما، سنحس أننا قصرنا». أي إن الموضوع ليس تجارة أو إعلانات فقط. لكنه مناسبة تاريخية.

كل شيء تقريبا تحول إلى «أوبامانزم»: ملابس، أحذية، ساعات، راديوهات، تلفونات، مشروبات. حتى شركات المشروبات ستضع أوباما على علبها وزجاجاتها.

وهناك إعلانات الشركات والمصانع والاتحادات والجمعيات التي ستهنئ أوباما وأميركا يوم التنصيب. أعلنت جريدة «واشنطن بوست» أنها ستصدر أكثر من ملحق فيه إعلانات التهنئة. وحددت أماكن جديدة لبيعها، خاصة في مناطق وصول الحافلات من الولايات البعيدة. وذلك لأن المسؤولين عن الاحتفالات قالوا إنهم يتوقعون أن يزور واشنطن خلال أسبوع التنصيب ما بين مليونين وأربعة ملايين شخص. وأعلنت «واشنطن بوست» أن قيمة العدد يوم التنصيب سيكون دولارين (بالمقارنة مع نصف دولار للعدد العادي). وتتوقع أن يزيد هذا دخلها بأكثر من نصف مليون دولار. وقال مارك روزنبيرغ، مسؤول الإعلانات، إنهم، حتى قبل العدد التذكاري، حجزوا إعلانات درّت عليهم أكثر من مليون دولار.

وانضمت جريدة «نيويورك تايمز» إلى الأعداد الخاصة، على الرغم من أنها لا تصدر في واشنطن.