الإمارات.. جدل إعلامي ترقبا لقانون ينظم الأنشطة الإعلامية

الصحافيون: القانون لا يمثلنا >الحكومة: لا يتضمن أي عقوبات سالبة للحرية

جدل كبير تشهده الساحة الإماراتية بشأن قانون ينظم عمل وسائل الإعلام، لكنه لا يشكل رقابة على المؤسسات الصحافية العاملة في المناطق الحرة
TT

الحراك السياسي في الإمارات العربية المتحدة في مهده، لكنه هذه المرة ظهر بشكل مختلف، كشف فيه الإعلام المحلي عن تحولات جذرية في التعاطي مع الحكومة. بدا ذلك جليا من خلال اعتراض وجدل كبير، حول مشروع قانون للحكومة ينظم الأنشطة الإعلامية، لكن أرباب صناعة الإعلام في الإمارات اعترضوا، هذا القانون، خصوصا عندما أقره المجلس الوطني الاتحادي (البرلمان) الأيام الماضية، عندها شعر الوسط الإعلامي بأن تطبيق القانون أصبح قريبا من الإقرار رسميا، وهو ما فتح باب الرفض على أشده، فيما تصر الحكومة على أن هذا القانون هو الأنسب للإمارات، وأنه نقلة للصحافة، مقارنة بالقانون الحالي الذي أقر عام 1980.

ويحدد مشروع قانون تنظيم الأنشطة الإعلامية، الذي يأتي بديلا للقانون الحالي، الذي استمر لنحو ثلاثين عاما، نوعية الأنشطة الإعلامية في الإمارات، ويضع القواعد التنظيمية لممارسة هذه الأنشطة، بدءا من إصدار التراخيص، وشروط وضوابط التوظيف، والإعلانات، فضلا عن حرية الرأي والتعبير، والمناطق الحرة الإعلامية، وغيرها من الأمور المرتبطة بصورة مباشرة بالعمل الإعلامي.

ولعل باب الاستغراب الذي فتحه الإعلاميون، يأتي من أن أحدا لم يناقشهم، بحسب قولهم، وهم أكثر المعنيين به، قبل وضع مسودته، ومناقشته في المجلس الوطني، في بلد يرتفع فيه سقف حرية وسائل الإعلام بالمناطق الحرة، بشكل غير مسبوق، بينما يعاني منه الإعلام المحلي بشكل كبير.

ويرى الفريق المعترض على القانون، أن الحديث عن قانون الأنشطة الإعلامية بالدرجة الأولى، هو حديث عن الحريات العامة، باعتبار أن هذا القانون ما هو إلا جزء من مسألة أوسع، وهي الحريات العامة، ويتخوف الوسط الإعلامي من أن صدور قانون يصفونه بهذا الضعف «قد يكون في غير مصلحة الحكومة، لأن الحكومة، في اتجاهها الأخير، تحاول قدر الإمكان، أن تتجه نحو الإصلاح والديمقراطية».

محمد يوسف رئيس جمعية الصحافيين في الإمارات، يؤكد أن مشروع قانون تنظيم الأنشطة الإعلامية «لا يمثل الجسم الصحافي بالإمارات.. فنحن لم نُستشر فيه ولم نناقَش، وذهبت مقترحاتنا التي قدمناها منذ سنوات هباء منثورا ولم يؤخذ بها». ويضيف أن القانون بشكله الحالي «يمثل انتكاسة للصحافة المحلية، وإن الوسط الصحافي المحلي صدم من مواده التي تضم مادة للتعريفات و5 للأحكام الختامية و10 للعقوبات و28 مادة للتراخيص»، متسائلا: «أين قانون الصحافة؟».  لكن ما وجه الاعتراض لدى صحافيي الإمارات على القانون المنتظر، والذي يأتي ليحل بدلا من قانون مضى عليه نحو ثلاثين عاما؟ ألم يفتح مجالات أوسع لحرية الصحافة؟ ألا يعد بديلا لقانون يتضمن من العقوبات ما يثقل كاهل أي صحافة في العالم؟ يرد رئيس جمعية الصحافيين بالقول: «كننا ننتظر قانونا للمطبوعات والنشر، قانونا للصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة والإنترنت، لكننا وجدنا فكرة جديدة تتمثل بتنظيم الأنشطة الإعلامية، ولا علاقة لها بالصحافة إطلاقا».

ويشير محمد يوسف بالقول إن القانون محل الجدل لا يتضمن توصيفا لمهنة الصحافي ولا المهمات التي يقوم بها، «باختصار لا يوجد شيء يوضح ماهية الصحافة، مثلا هل مهمة الصحافي كشف الفساد أم المشاركة في التنمية؟ لا نعرف»، ويضيف أن القانون لا يتضمن الأطر التي تحدد العلاقة بين الصحافة والدولة والمجتمع، مبينا أن القانون يشرح العقوبات المفروضة على الصحافي، «بينما في الأساس لم توضح له الإيضاحات الخاصة في عمله، فكيف تعاقبه وأنت لم تشرح له طبيعة عمله؟». ويقول: «هناك 10 مواد عقوبات بالقانون، والمفترض أن الإباحة هي الأصل والحظر هو الاستثناء، وفي أضيق الحدود، لكننا فوجئنا بأن القانون يجعل الحظر والإجراءات التنظيمية هي الأساس.. علما بأن القانون لا يتضمن مادة صريحة تمنع حبس الصحافيين.. فقط لدينا توضيح من رئيس المجلس الوطني للإعلام، وليس بندا مكتوبا وواضحا».

رئيس جمعية الصحافيين في الإمارات يقول إن جمعيته كانت أرسلت مقترحات لمشروع قانون مكون من 40 مادة، منها 18 مادة تتحدث عن توصيف المهنة، «لكن للأسف كل مقترحاتنا لم يؤخذ بها، والأدهى والأمرّ أن المجلس الوطني الاتحادي وافق على هذا القانون دون أن يأخذ هو الآخر بمقترحاتنا». ويختتم محمد يوسف حديثه بالقول: «لا بد من إعادة النظر في هذا القانون، الذي لا يتزامن مع التقدم الذي تشهده الإمارات في المجالات كافة، فإذا أتينا إلى السلطة الرابعة، عدنا بها إلى الخلف من خلال هذا القانون!».

غير أن إبراهيم العابد مدير المجلس الوطني للإعلام، وهي الجهة الحكومية التي حلت بديلا لوزارة الإعلام بعد إلغائها، يرفض الانتقاص من القانون الجديد «للدرجة التي لا نرى الإيجابيات الكثيرة التي تضمنها»، مؤكدا في الوقت ذاته أنه لا يتضمن أي عقوبات سالبة للحرية في وسائل الإعلام، ومنها عدم جواز حبس الصحافيين بسبب عملهم، مضيفا أن القانون أيضا يتضمن مادة تحمي مصادر معلومات الصحافيين، بحيث لا يفشي مصدر معلوماته لأي كان، «علما بأن هذه المادة ألحقت بالقانون بناء على مقترحات جمعية الصحافيين، كما أضافت مادة أخرى، وافقت عليها الحكومة، تنص على أن تقوم الجهات الحكومية بتيسير تدفق المعلومات للصحافيين، وهذا لم يكن موجودا في القانون السابق».

ويلفت المسئول الإماراتي إلى أن وجهة نظر الحكومة تذهب في أن يكون لكل الأنشطة الإعلامية قانون ينظم عملها، لا قانون للمطبوعات أو للصحافة فقط، وقال: «معظم العقوبات المنصوص عليها في القانون السابق تم إلغاؤها، بل حتى في الحالات التي تطبق العقوبة وهي الحبس، يتم ذلك عن طريق القضاء الذي يحكم في العقوبة، بل ويحق لصاحب العلاقة الاستئناف في حال رفض حكم المحكمة».

ويؤكد العابد أن مشروع القانون الجديد لا يتضمن أي إشارة للرقابة في العمل الإعلامي، «بل ترك الأمر منوطا بالمحتوى الإعلامي كما يظهر بعد النشر أو البت، ويتم التعامل معه في إطار نصوص مشروع القانون».

ولعل ما أصاب الوسط الإعلامي في «مقتل»، كما يقول عدد من أقطاب جمعية الصحافيين في الإمارات، هو أن مشروع القانون مر مرور الكرام على المجلس الوطني الاتحادي (البرلمان)، الذي أمل الصحافيين من خلاله أن يسهم في إيصال مقترحاتهم المغيبة، لكن المفاجأة كانت حاضرة في إقرار المشروع دون غالبية المقترحات، وفيما تؤكد الدكتورة أمل القبيسي رئيسة لجنة التربية والتعليم والإعلام والثقافة والشباب، التي ناقشت المشروع، إضفاء تعديلات وصلت إلى 60% من المشروع، يرد محمد يوسف رئيس جمعية الصحافيين بالقول: «اكتشفنا أن الـ60% لم تكن سوى إضافة حرف أو تعديل جملة أو تقديم جملة على أخرى أو وضع كلمة (على) بدل (إلى).. وهكذا عدت هذه جميعا تعديلات.. لكننا لم نرها على أرض الواقع».

وهنا ترد ميساء راشد غدير، عضو المجلس الوطني الاتحادي وكاتبة العامود اليومي في صحيفة «البيان»، بصفتها كاتبة صحافية ونائبة في المجلس الوطني، بأن القانون «لا يرتقي إلى تطلعات الإعلاميين والمثقفين في دولة الإمارات، خصوصا أن القانون يأتي بعد مرور تسعة وعشرين عاما ليكون بديلا لقانون المطبوعات والنشر». وتضيف غدير: «لسنا ضد القانون، لكننا كنا نأمل لو تم عرضه على مختلف المسئولين في القطاع الإعلامي في الإمارات، والتشاور مع المعنيين بقانون كهذا والأخذ بوجهات نظرهم، لاسيما أنه لم تكن للاستعجال في إصداره حاجة. فالقانون، رغم التعديلات الطفيفة التي أدخلها المجلس الوطني عليه، ما زال بحاجة إلى إعادة دراسة، حتى وإن اعتقد بعضهم أن اللائحة التنفيذية ستغطي تلك الجوانب التي غلبت عليها العمومية التي تتيح الاحتمالات والتأويلات». وتعتقد عضوة المجلس الوطني الاتحادي أن القانون لم يمنح المؤسسات الإعلامية سقفا أعلى من الحريات التي تتطلع إليها، «في الوقت الذي أصبحت تجد منافسة كبيرة وقوية من قبل نظيراتها في المناطق الحرة، التي لا تمارس عليها أيا من تلك القيود، بدليل أن القانون أشار إلى المؤسسات الإعلامية في المناطق الحرة، دون تفاصيل، وكأنه يمنحها قوة ودعما يفوق ما منحت إياه المؤسسات المحلية، وهو الأمر الذي قد يضعف المؤسسات الإعلامية في الدولة، بعد كل السنوات التي مضت والخبرات التي اكتسبتها والتي يفترض أن تتعامل معها بمسؤولية أكبر، دون التشكيك في صدق نواياها، تلك التي يحرص عليها المواطنون العاملون في تلك المؤسسات. وهو الأمر الذي ينطبق على قضايا النشر عبر مواقع الإنترنت، التي أصبحت تزج بالكثير من الصحف الإلكترونية القائمة بذاتها، والتي يتم تأسيسها في الإمارات، وآلية بث الأخبار عبر الإرساليات القصيرة (الرسائل النصية القصيرة) وأجهزة الهاتف المتحرك التي تتيحها مؤسسات وشركات الاتصالات في الإمارات، والتي ربما أتاح لها القانون حريات أكبر من تلك التي أتاحها للمؤسسات الإعلامية التي استحقت، بعد كل ما قامت به من جهود، ثقة تمنحها حرية أكبر.

لكن أين دور قبة البرلمان من إضافة المزيد من الحريات للقانون؟ تجيب ميساء: «حاولت كنائبة الدفاع عن وجهة نظري أمام المجلس الوطني في معظم مواد القانون، بل إني اقترحت الكثير من التعديلات التي تم الأخذ بها وإضافتها إلى القانون، لكن ديمقراطية المجلس الوطني لا تتيح لي أكثر من ذلك، خصوصا أن القرار في مشروع هذا القانون وغيره حق أصيل للمجلس، الذي صوت أغلبية الأعضاء عليه. بقى أن نشير إلى أن القانون الجديد يقتصر دوره على وسائل الإعلام المحلية فقط، أما وسائل الإعلام التي تتبع المناطق الحرة، وهي بالمئات، فلا ينطبق عليها القانون المنتظر، بانتظار لائحة جديدة تحدد كيفية التعاطي مع وسائل الإعلام هذه، علما بأن من شروط وجود وسائل الإعلام العالمية، عدم وجود رقابة مسبقة على عملها، وهنا يعود المعترضون على القانون، ليلفتوا كيف يتم تشديد الرقابة على الإعلام المحلي بهذه الدرجة، فيما لا تكون على وسائل الإعلام الأجنبية رقابة من أي نوع!