مصر: صحافيون يطالبون بتجريم حاجبي الحقائق

قضية مقتل ابنة ليلى غفران تعيد مشروع «حماية تدفق المعلومات» إلى الواجهة

TT

أعادت قضية مقتل «هبة العقاد» ابنة المطربة المغربية ليلى غفران وصديقتها «نادين جمال» مطالبات نقابة الصحافيين المصريين بسن تشريع يحمي تدفق المعلومات، فالقضية الأخيرة التي تناولتها الصحف باختلاف توجهاتها كانت سببا في إثارة أزمة بين أهالي الضحيتين و52 صحافيا في41 صحيفة مصرية (شبه حكومية وحزبية وخاصة) بسبب ما اعتبر تجاوزات في النشر.

لكن هؤلاء الصحافيين وبعد اجتماع مع مجلس نقابتهم أرجعوا سبب الأزمة إلى أن مصادر أمنية وقضائية ضللتهم بتسريب معلومات خاطئة عن القضية «حفاظا على سرية التحقيقات»، وكانت النتيجة أن الصحافيين وأهالي القتيلتين كانوا الضحايا، وهو ما دفع النقابة - التي قدمت اعتذارها لأسرتي الضحيتين في مؤتمر صحافي- إلى المطالبة بسن تشريع يحمي تدفق المعلومات، ويحافظ على حق الصحافي في الحصول على المعلومة، كما يجرم المصدر الذي يحجب المعلومات والحقائق عن الصحافيين.

ورغم وجود عدة محاولات سابقة للاتفاق على مشروع هذا القانون لعرضه على البرلمان لإقراره، فإنه ما زال حبيس أدراج الحكومة، ينتظر الفرصة للخروج إلى المشهد السياسي والصحافي في مصر، ليحل الكثير من قضايا النشر المُتهم فيها صحافيون.

يقول مكرم محمد أحمد نقيب الصحافيين المصريين «الصحافيون دائما في سباق مع الزمن للحاق بالمطبعة، ورغم ذلك فبعض المصادر لا تقدر مهمة الصحافي وتعمد إلى إخفاء المعلومات أو الحقائق، الأمر الذي يفتح الباب أمام ترويج الشائعات».

ويضيف «في قضية مقتل ابنة المطربة ليلى غفران وصديقتها، أدى غياب المعلومات الصحيحة إلى اجتهادات من بعض الصحافيين، وبعضهم نشر ما قالته له مصادره الأمنية، وكانت النتيجة هي التشكيك في كون المتهم المقبوض عليه هو الجاني رغم وجود أدلة قوية تدينه». ويتابع قائلا: «في هذه القضية أولادي الصحافيون لم يخطئوا بل غرر بهم»، مشيرا إلى أنه طلب لقاء كل من اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية والمستشار عبد المجيد محمود النائب العام ليطلب منهما توجيه المصادر الشرطية والقضائية للتعاون مع الصحافيين وإمدادهم بالمعلومات اللازمة لأداء عملهم.

ويشدد نقيب الصحافيين المصريين على ضرورة سن تشريع يحمي حق الصحافي في المعرفة، ويجرم المصدر الذي يضلل الصحافة، ويقول «الهند بها قانون معلومات قوي وصارم، وتصل عقوبة المصدر الذي يحجب المعلومات إلى الحبس، فلنبحث التجربة الهندية ولنأخذ منها ما يناسبنا».

ويشير مكرم إلى «وجود عدة محاولات سابقة لإصدار هذا القانون»، موضحا أنه شارك في بعض هذه المحاولات التي قامت بها النقابة أو المجلس الأعلى للصحافة (الجهة الإدارية المشرفة على الصحف شبه الرسمية في مصر)، إلا أن «مشروع القانون لم ير النور في الدورة البرلمانية السابقة كما كان مقررا له».

من جانبه، يطالب القانوني البارز الدكتور شوقي السيد النائب بالبرلمان بسرعة إقرار قانون تدفق المعلومات لأنه «سينهي الذرائع ويمنع الحيل التي يتذرع بها البعض لحبس الصحافيين».

ويقول السيد «مثل هذا القانون سيغلق الباب أمام الأخبار غير الصحيحة أو الكاذبة التي تنشر بشكل عمدي، فالمصدر سيلتزم بتقديم معلومات صحيحة للصحافي، الذي سيلتزم بدوره بنشرها، فالقاعدة أنه لا يوجد صحافي يريد أن ينشر أخبارا مغلوطة قد تسبب له مشاكل أو ملاحقات قضائية».

ويضيف السيد «الصحافيون يواجهون صعوبات في عملهم بالعديد من الجهات، فأصبحت القاعدة أن أي مسئول حكومي يقول لا أعلم، أو لا معلومات لدي، وإن كانت بعض الجهات الحكومية بدأت مؤخرا تعين متحدثين إعلاميين وظيفتهم الرد على استفسارات الصحافيين وإمدادهم بالمعلومات».

ويشير السيد إلى أن أروقة البرلمان شهدت بعض المناقشات حول هذا القانون الذي كان مقررا أن يرى النور في الدورة البرلمانية الماضية، ويقول «شكل البرلمان لجنة بعضوية أساتذة الصحافة والقانون ونقيب الصحافيين وممثلين عن المجلس الأعلى للصحافة، وكنت أحد أعضاء هذه اللجنة إلا أن الحكومة لم تقدم مشروع القانون للبرلمان لإقراره حتى الآن».

ويرى السيد «ضرورة أن يتضمن القانون عدة نقاط أساسية مثل وجوب المصادر المختلفة على تزويد الصحافيين بالمعلومات التي تفيدهم في عملهم دون عائق، مع مراعاة أن هناك معلومات تمس الأمن القومي أو الأمن العام وبالتالي لا بد أن تخضع لدرجة من السرية، وتفعيل ميثاق الشرف الصحافي وتفعيل دور نقابة الصحافيين في محاسبة أعضائها عن طريق اللجان التأديبية ولجان التحقيق لتكون بديلا عن اللجوء للقضاء»، مشيرا إلى أن «القانون لا بد أن يتضمن أيضا بنودا تعاقب المصدر الذي يحجب الحقائق، وكذلك تعاقب الصحافي الذي ينشر أخبارا كاذبة أو غير صحيحة».

أما سيد أبو زيد محامي نقابة الصحافيين فيرى أن «المشكلة الأساسية هي غياب المعلومات الصحيحة، وهذا الأمر يعاني منه الصحافيون في العديد من الجهات، وخاصة الحكومية، بل إن الصحافيين في بعض الأحيان قد يلجأون للعب دور الحاوي في السيرك للحصول على المعلومة».

ويشير إلى أن «الأصل في الأشياء هو الإباحة، ولكن الذي يحدث في الواقع هو أن أصل الأشياء هو المنع.. لا يوجد أحد يؤمن بحرية الصحافة في مصر».

ويقول محامي نقابة الصحافيين إن الصحافي له الحق في الحصول على المعلومات، وبطاقة الهوية الصحافية التي تمنحها نقابة الصحافيين لأعضائها مكتوب عليها عبارة «تقدم السلطات المختصة لحامله المعلومات وتسهل مهمته» لكنه استدرك قائلا: «السؤال هو أي من السلطات المختصة تطبق هذه العبارة».

وضرب مثالا بقضية اتهم فيها صحافيون بجريدة مستقلة، بسبب نشر خبر عن تفتيش مكتب أحد الوزراء السابقين، وقال «رغم أن مكتب هذا الوزير هو الذي سرب الخبر، إلا أن الوزير قاضى الصحيفة بسبب الخبر».

لكن الدكتور فاروق أبو زيد أستاذ الصحافة بكلية الإعلام بجامعة القاهرة ومقرر لجنة الممارسة الصحافية بالمجلس الأعلى للصحافة كان له وجهة نظر أخرى، حيث يرى أن «الصحافي تقع على عاتقه المسئولية عما ينشر»، ويقول «كل خريجي أقسام الصحافة في الجامعات المصرية يدرسون كيفية التحري من المعلومات وكيفية نشرها، ولكن المشكلة أن بعضهم لا يطبق هذا الأمر». ويشير أبو زيد إلى أن «الحصول على المعلومات أصبح أسهل الآن بالنسبة للصحافيين عن ذي قبل، فمعظم الجهات الحكومية الآن لديها متحدث باسمها ومكتب إعلامي مهمته تسهيل مهمة الصحافيين على اختلاف جهات عملهم».

إلا أن د.أبو زيد قال «معظم ما يشد القراء هو الفضائح سواء السياسية أو الاجتماعية أو الجنسية، وهذه الفضائح أو القضايا المثيرة للقراء لن تجدها في المعلومات الرسمية، لذلك فالجهد الصحافي الرئيسي الذي يجب أو يوجه الصحافي جهده له هو التغطية الصحافية، وعمل المخبر الصحافي».