رئيس «بي بي سي» العربية: لم نطلق محطتنا لسحب مشاهدي القنوات الأخرى

القناة التلفزيونية تزيد ساعات البث إلى 24 ساعة

حسام السكري (تصوير حاتم عويضة)
TT

عندما انطلق بث القناة التلفزيونية لخدمة الـ«بي بي سي» العربية العام الماضي، كان هناك العديد من التوقعات من القناة، خصوصا بعد تجربتها القصيرة التي انتهت في عام 1997، ولكن كانت هناك أيضا تساؤلات حول تأثر القناة بالقنوات الإخبارية المنافسة، مثل قناة الجزيرة والعربية. وبعد 9 أشهر من البث، أعلنت القناة عن مد إرسالها إلى 24 ساعة يوميا، وهو ما يطرح العديد من الأسئلة حول مدى نجاح التجربة حتى الآن، ورد فعل الجمهور حول الفترة الماضية. حسام السكري رئيس الخدمة العربية تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن تجربة القناة والخطط المستقبلية لها وردود الفعل حول تغطيتها للأحداث الأخيرة في غزة، وفي ما يلي نص الحوار: > ما هو تعليقك على موقف بي بي سي من منع اذاعة نداء لجمع التبرعات لصالح منكوبي غزة؟

هناك خلط فيما يتعلق بموضوع غزة ونداء المطالبة بالتبرع. المسألة تتعلق بوسائل الإعلام المحلية العاملة في بريطانيا وعلاقتها بهيئات الإغاثة والهيئات الخيرية هنا ولا تأثير لها على بث المحطات العالمية ومنها إذاعة وتليفزيون بي بي سي العربية. النداء يهدف إلى جمع التبرعات من الجمهور البريطاني وهو جمهور لا يخاطبه تليفزيون بي بي سي أو إذاعتها والقرار بإذاعة نداء جمع التبرعات من عدمه لن يؤثر على ما يبث من القسم العربي.

> أعلنتم أخيرا عن مد فترة الإرسال إلى 24 ساعة، فما خلفيات ذلك؟ ـ بدأنا فعلا في البث على مدار اليوم، بدءا من يوم الاثنين 19 يناير (كانون الثاني) منذ الساعة العاشرة صباحا، ولم نتوقف. وقبل ذلك مددنا فترة الإرسال بشكل خاص لتغطية الانتخابات الأميركية، حيث أطلقنا البث لأربع وعشرين ساعة، وذلك لفرق التوقيت، وخلال أحداث غزة قمنا في بعض الأيام بمد فترة الإرسال لساعتين أو أكثر، بسبب التطورات التي كانت تتشكل وقتها، مثل انعقاد مجلس الأمن، وقتها وصلتنا الأنباء عن انعقاد المجلس قبل نهاية البث بنحو الساعة، فقررنا مد البث حتى انتهاء الاجتماع.

> مد الإرسال لأربع وعشرين ساعة كان مقررا أن يبدأ الصيف الماضي، هل للتأخير أسباب؟

ـ كانت هناك عوامل خارج قدرتنا تسببت في ذلك، فعلى سبيل المثال، قواعد استخراج تصاريح العمل المعمول بها في بريطانيا تغيرت في الفترة الأخيرة، وذلك أثّر على إمكانية استقدام العاملين إلى بريطانيا في الوقت المناسب. بالنسبة إلينا كان الأمر الأهم هو أن نكون جاهزين للبث المتواصل، من أن ننطلق في الموعد المحدد.

> ما الخطط المستقبلية للقناة؟ وهل هي خطط مفتوحة أو محددة بجدول زمني؟ ـ هناك تغييرات تتعلق بالإدماج والاندماج داخل القسم العربي، حتى تستطيع أطقم العمل في قطاع الأخبار والراديو والأون لاين والتلفزيون، أن تعمل معا بشكل متكامل. وهناك تغييرات داخلية في الهيكل الإداري تعكس انتهاء مرحلة المشروع، وبداية مرحلة العمل الثابت. الآن تبدأ مرحلة إدماج الخدمات، والتأكد من تجانس الرسالة التحريرية بين الأقسام المختلفة. وبدأنا بالفعل في مشروع إنتاج الفيديو لأجهزة الهاتف الجوال، وفي السعودية بالتحديد أطلقنا خدمة «نشرة الدقيقة الواحدة»، التي يمكن مشاهدتها على المحمول. قمنا أيضا بالاتفاق مع «إي آر تي» (راديو وتلفزيون العرب) في الولايات المتحدة الأميركية لبث الإرسال المتواصل للقناة للجمهور العربي هناك.

بالنسبة إلى المشروعات القادمة، هناك مشروع وليد أحداث غزة، حيث طلبت منا بعض القنوات الترفيهية التي لا تقدم محتوى إخباريا، السماح بنقل التغطية الإخبارية من «بي بي سي»، على موجاتهم في أوقات معينة، مثل قناة «دريم» الفضائية التي طلبت بث تغطية الـ«بي بي سي» لاحتفالات تنصيب الرئيس الأميركي.

> ولكن تلك الاتفاقات تبقى مرهونة بالمناسبات، أي أنها ليست اتفاقات دائمة؟

ـ الأمر يتم حسب احتياجات القنوات والاتفاقات معهم، فمثلا قنوات «إي آر تي» بأميركا، عقدت معنا اتفاقا بموجبه تبث ساعة إخبارية يومية مساء، قبل أن نبدأ في البث على مدى أربع وعشرين ساعة، وينضم تلفزيون «بي بي سي» العربي، إلى مجموعة القنوات التي تقدمها «إي آر تي» للعرب في الولايات المتحدة. وهناك محطات أخرى تفضل أن يكون هناك بروتكول واتفاق معين، تستطيع بموجبه القناة نقل الأخبار الخاصة بالأحداث الجارية، وعند الحاجة. الاتفاقات التي نعقدها نقدمها بالتراضي، وبما يفيد الأطراف التي تتعاون معنا.

> تحدثت عن التجانس بين الأقسام المختلفة للخدمة العربية؛ هل هناك تعاون مماثل مع الخدمات الأخرى التابعة للـ«بي بي سي»، مثل البرامج الثقافية والوثائقية؟

ـ نحن نذيع البرامج الوثائقية التي تنتجها الـ«بي بي سي» الإنجليزية، وقمنا بإنتاج بعض البرامج الوثائقية الخاصة بنا، ولكنها عملية مكلفة، فلذلك نستعين بالوثائقيات التي تذيعها المحطة الأم. وفي إطار التعاون بين الأقسام المختلفة، نستعين أحيانا بمراسلين الخدمة الإنجليزية، ليغطوا لنا بعض الأحداث، وأحيانا نقوم نحن بالتغطية لهم. وكمثال على ذلك فقد قام مراسلنا في أحداث غزة شهدي الكاشف، بتغطية الأحداث هناك للخدمة الدولية للـ«بي بي سي». هناك تعاون أيضا في البرامج الحوارية ومقاطع الفيديو، التي يرسلها مستمعونا ومشاهدونا وزوار «بي بي سي أرابك دوت كوم». هذه المقاطع تستخدم في برامجنا مثل برنامج «نقطة حوار»، ويتم استخدامها أحيانا في «بي بي سي» الإنجليزية، وعندما نقوم بعمل لقاءات خاصة تذاع في الوقت ذاته، أو تؤخذ مقتطفات منها للخدمة الإنجليزية وبقية اللغات، كما أننا نعمل معا مع بقية الخدمات في بعض المكاتب، مثل بغداد وغزة والقدس، حيث يعمل طاقم التحرير من الخدمة العربية والإنجليزية معا.

> خلال أحداث غزة قال البعض إن الـ«بي بي سي» العربية لم تغطّ الأحداث بشكل كاف، مقارنة بالقنوات الأخرى، ما تقييمك لأداء القناة خلال الأحداث؟

ـ لو أن المقصود أننا لم نحرك المراسل في أماكن كثيرة، فسأتفق مع الانتقاد وأقول إن حياة المراسل لدينا أهم من أي خبطة إخبارية، فمراسلنا في غزة شهدي الكاشف، لم يكن يتحرك من مكانه إلا بعد أن تصله التعليمات من لندن. التعليمات الأمنية حكمت تحركاته. ومع ذلك فأنا أعتقد أن التغطية الخاصة بأحداث غزة، كانت متوازنة جدا؛ صورت القصف وتم خلالها إجراء اللقاءات مع مسؤولين إسرائيليين، وطرحت عليهم الأسئلة لتي كانت تدور في أذهان المشاهدين. كانت هناك أيضا تغطية للجانب الدبلوماسي والتحركات العربية، وكانت تأخذ المسافة ذاتها من كل الأطراف، دون تحيز أو ترجيح، وهذا ميزنا عن المحطات أخرى. أنا لا أتفق مع القول بأننا لم نغطّ الأحداث بشكل كاف، ولو كان السؤال أننا نطمح إلى أكثر، فنحن نطمح إلى أكثر، ولكننا في نهاية الأمر محكومون باعتبارات كثيرة من الأمن والسلامة، وأيضا بميزانية محددة.

> موضوع المنافسة مطروح على الساحة، وقد يكون وراء مقارنة تغطية غزة في الـ«بي بي سي» وتغطيتها في القنوات المنافسة.

ـ المنافسة موجودة على وقت وعين المتفرج، ولكن يجب أن أقول هنا بأننا لم ننطلق لسحب المتفرجين من أي قناة، فنحن نرحب بالتعددية، فهي مفيدة للعالم العربي، خصوصا أن عدد القنوات الإخبارية محدود مقارنة بعدد السكان. فلا يوجد ما يخيف في المنافسة، فنحن نكمل الإنتاج الإعلامي المعروض في السوق للمشاهد. بالنسبة إلي، المنافسة تتمثل في المكانة التي تحتلها كل قناة في عقول الناس، والثقة التي تحظى بها، وهذا بالتأكيد يتوقف على توقعات المشاهد، فإذا كان يتوقع منها أن تقدم له وجهة نظره أو أن يسمع منها ما يرغب في سماعة من هجوم على بعض الجهات، فهو بالتأكيد لن يجد ضالته في الـ«بي بي سي». فالأساس بالنسبة إلينا أن نقدم التعددية الموجودة، وأن يرى الجمهور معنا أكثر عدد من الآراء. وعموما فالمدارس الصحفية تختلف، فهناك محطات توجه العقول والأذهان في جهة معينة، وتستضيف وجوها معينة تعزز وجهات نظر معينة تراها صحيحة، وترى تلك القنوات عدم استضافة وجهات نظر مخالفة لا تتفق مع السائد. هذه طريقة للعمل لا يسوؤني وجودها، ولكنني اختلف معها مهنيا. أنا أرى أننا نثري الساحة ونعكس التعددية في العالم العربي، ودورنا أن نقدم منصة للحوار والتفاعل بين اللاعبين على الساحة السياسية، وأن نعطي مساحة أكبر للتفاعل مع الجماهير.

> مع زيادة مدة الإرسال، أعلنتم عن تعيينات جديدة في طاقم المذيعين، هل سيتبع ذلك زيادة في عدد المكاتب والمراسلين؟

ـ نعلن حاليا عن طلب عدد من المراسلين، وإن كان لدينا عدد كبير منهم، وبالنسبة إلى المكاتب، فيجب أن نتذكر أن لدينا مكاتب للخدمات الأخرى للـ«بي بي سي» نستفيد منها دائما. > هل يعني ذلك أنكم لا تحتاجون إلى مكاتب خاصة بكم في كل مكان؟

ـ الحاجة تختلف حسب المكان، فنحن لدينا مراسل في رام الله ومراسلان في القدس وآخر في غزة وثلاثة في بيروت، فهناك أماكن يكون الاحتياج التحريري فيها عاليا، ولا يستطيع مراسل واحد الوفاء بكل احتياجاتنا فيها. ومن ناحية أخرى هناك أماكن لا أحتاج إلى وجود مراسل فيها، ويمكنني في تلك الحالة الاستعانة بمراسل الخدمة الإنجليزية فيها. فلا نحتاج أن يكون لدينا مراسل في كوبا أو الأرجنتين على سبيل المثال. فكل مؤسسة تحدد أولويات الإنفاق لديها بما يخدم احتياجات جمهورها.

> مع أن ميزانية القناة زادت إلى 25 مليون جنيه مع زيادة ساعات البث؟

ـ لا توجد مؤسسة بها ميزانية غير محدودة، ونحن نراجع كيفية إنفاق ميزانيتنا باستمرار لنضمن أفضل تغطية ممكنة.

> ما تقييمك للفترة الماضية؟ ما الذي تحقق فيها وما الذي تطمحون إلى تقديمه؟

ـ داخليا اقتربنا من الأهداف التي وضعناها لأنفسنا، الخدمات التي قدمتها القناة كانت فيها عناصر لم تتوفر في أي مكان آخر، مثل المساحة التي تمنح للتفاعل مع الجمهور، سواء في التلفزيون أو الراديو أو على الإنترنت. يجب أن ننظر أيضا إلى الحرية التي تميز التغطية هنا، أيضا في موضوعات مثل المظاهرات المصرية في أبريل (نيسان) أو تغطية الأحداث في غزة، حيث لم نقدم جانبا واحدا من الأحداث، بل قدمنا وجهات النظر المختلفة، وهو ما كان واضحا، وينعكس ذلك في ردود الفعل التي تصلنا.

> هل تعتقد أن تتأثر القناة بالأزمة المالية التي تمر بها بريطانيا والعالم حاليا؟

ـ ميزانيتنا مقررة سابقا، ولا أستطيع التكهن بما سيتم إقراره في الميزانية القادمة، تأثير الأزمة المالية لن يكون على العاملين أو على الوظائف في المستقبل القريب. هناك تأثيرات على الخدمات التي تعاقدنا عليها بالدولار الأميركي. فإذا كانت الميزانية المخصصة للبث الحي والمباشر في أجزاء منها بالدولار، وإذا كان المبلغ المخصص للتغطية سيقل من ناحية قيمته، فمن المتوقع أن يقل ما نحصل عليه في المقابل، ولكن هذا لا يعني أن خدمتنا ستتأثر بأي شكل من الأشكال.

> ترددت أنباء عن ترشيح القناة العربية لجائزة دولية...؟

ـ رشحنا لجائزتين، إحداهما جائزة «يوتل سات» لأفضل محطة إخبارية، والجائزة الأخرى هي لاتحاد الصحافيين الأجانب في بريطانيا عن أفضل فيلم وثائقي عن الوضع في دارفور.