هل نجحت «أخبار المستقبل» في امتحان نهاية السنة؟

بعد عام على انطلاقة القناة الإخبارية.. أسئلة حول أدائها وقدرتها على تحقيق أهدافها

المذيعة سحر الخطيب.. نجمة أخبار المستقبل («الشرق الأوسط»)
TT

تسجل لـ«أخبار المستقبل»، بعد مرور عام على انطلاقتها، البصمة التي تركتها في عالم الإعلام الإخباري العربي، من دون إغفال بعض الثغرات الواضحة في التقويم العام لسير العمل الذي رجّحت كفة المحلي فيه على العربي. ففي سنتها الأولى، خاضت المحطة امتحانين صعبين، الأول بعد خمسة أشهر على انطلاقتها، عندما استهدفت مباشرة في أحداث بيروت في مايو (أيار) الماضي، فاقتحمت مكاتبها واستوديوهاتها وأوقفت عن العمل قسريا، الأمر الذي أدى إلى «خطوات ناقصة» في طريقة التعامل مع الموقف في المرحلة الأولى من عودتها إلى البث. أما الامتحان الثاني، فتمثل في تغطيتها حرب غزة، التي خرجت منها بمعنويات مرتفعة مهنيا. 28 برنامجا بين السياسي والاجتماعي تملأ هواء «إخبارية المستقبل» على امتداد 24 ساعة متواصلة، يتولى مهمة تقديمها إعلاميون، بعضهم كان قد بدأ مسيرته التلفزيونية سابقا، وبعضهم أطل للمرة الأولى على الجمهور عبر شاشتها، مع إشارة مهمة إلى أن نجاح هؤلاء في مهمتهم، مع تفاوت هذه النسبة بين إعلامي وآخر، لم تكرسهم نجوما في مكان ما، وإن استطاعوا الظهور في برامج تعتمد على أفكار جديدة ومبتكرة تقدم المواضيع السياسية في قالب مخالف للسائد. كما استطاعت سحر الخطيب أن تسبح عكس تيار هوية المحطة السياسية من خلال برنامجها «الحد الفاصل» الذي تستضيف فيه شخصيات معارضة لسياسة المحطة. ولم تغب عن شاشة المحطة الفقرات القصيرة ذات المضمون الهادف، مثل «فكّر فيها»، وهي الفقرة التي لا تتجاوز مدتها الدقيقة الواحدة، ويقدمها فيصل سلمان قبل نشرة الأخبار بأسلوبه الساخر، راصدا التحولات السياسية والاجتماعية اللبنانية والعربية. كذلك «الصورة تتكلم» و«هل تعلم».. أما البرامج السياسية والاجتماعية الأخرى فلم تخرج كثيرا عن السياق العام الذي تعتمده المحطات المحلية الأخرى.

مدير الأخبار في إخبارية «المستقبل»، حسين الوجه، يعتبر أنه «من غير الممكن إجراء تقويم لعمل المحطة من دون الأخذ بعين الاعتبار الحادث الذي تعرضت له خلال أحداث مايو (أيار) 2006، عندما دخلها مسلحون وخربوا ما فيها من محتويات وأوقفت عن البث». ويضيف «أمام كل ما حصل، نستطيع القول إننا نفذنا حوالي 70 في المائة من المخططات التي كنا قد وضعناها عند افتتاحها، وأهمها لناحية سرعة الخبر، وتغطية الأحداث، وتوزيع البرامج السياسية والاجتماعية». وعما إذا كانت هذه الحادثة ساهمت من ناحية، في إلقاء الضوء أكثر على المحطة، وفي تطرفها بشكل أكبر من ناحية أخرى، يقول «لا يمكن أن أجد أمرا إيجابيا قد يساعد محطة تغلق بعد الاعتداء عليها وأصبحت خبرا بعدما كانت مصدرا للأخبار، لكن بالتأكيد أن هذا الأمر دليل على أن صوت هذه الوسيلة كان يزعجهم. أما فيما يتعلق بالتطرّف، ففي المرحلة الأولى كان سلوكنا يتسم بالحدة التي تحركها العاطفة أكثر من العقل، لكن بعد ذلك حولنا العاطفة إلى عقلانية في العمل، واندفاع أكبر، من حيث مستوى الأداء والتغطية، وقررنا العمل بموضوعية ومهنية لإعطاء الحدث والخبر حقهما. كذلك جعلتنا تغطية حرب غزة الناجحة نعدل الهدف الأساسي الذي كنا قد وضعناه عند انطلاقتنا، الذي كان يرتكز على الأخبار المحلية بالدرجة الأولى، ليصبح البعد العربي هدفا أساسيا بجانب القضايا اللبنانية». أستاذ الإعلام الدكتور محمود طربيه، يعلق على عمل إخبارية «المستقبل» بعد سنة على انطلاقتها، فيقول: «ما من شك أن المحطة تعمل على مستوى من المهنية والاحتراف يظهر في نشرات الأخبار والبرامج السياسية، وهناك عوامل عدة ساهمت في إظهار هذه الصورة وأهمها، استقطاب طاقات إعلامية من وسائل إعلامية أخرى، والاستثمار المالي الذي وظف في المحطة». وعن طريقة تعامل المحطة مع الحدث الذي تعرضت له في مايو (أيار) الماضي ومدى مساهمته في شهرتها، يشير طربيه إلى «أن المحطات الإخبارية تزدهر عادة في الأحداث. ومما لا شك فيه أن تحول هذه القناة بحد ذاتها إلى حدث، أعطاها دفعا، وسلط الضوء عليها، وساهم في توسيع دائرة جمهورها في العالم العربي، رغم أن فورة الغضب التي ظهرت إثر هذا الحدث شكلت «دعسة ناقصة» في الفترة الأولى، لكن فيما بعد عادت وحافظت على الخط الذي بدأت به، وهو أنها قناة موجهة للجميع، لا سيما من خلال تنوع الضيوف وفي نشرات الأخبار».

من جهته، يرى أستاذ الإعلام الدكتور علي رمال، أن « الطابع العام للمحطة بقي في السياق المحلي، من دون أن يخرج إلى السياق العربي، ويحاكي الإخباريات العربية الأخرى، الأمر الذي يدخلها في مشكلة التكرار، إن لناحية الضيوف أو لناحية المواضيع المطروحة، مع الأخذ في الاعتبار المحاولات التي تبذل للابتعاد عن الأحادية في هوية الضيوف، واستضافة شخصيات من مختلف التوجهات السياسية اللبنانية، ومن الطبيعي أن يمرروا مواقفهم السياسية في بلد يعرف إعلامه بتوجهاته السياسية». أما الأمر الثاني الذي يراه رمال ناقصا في أداء المحطة، فهو عدم التركيز على التقارير الإخبارية الميدانية، التي تتطرق إلى المواضيع التنموية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والاكتفاء بالأحداث السياسية، على أمل أن يكون الإطار الوطني هو مستقبل «المستقبل».

فيما يتعلق بالموضوعية في التحليل، الذي يبرز منحازا في أحيان كثيرة إلى رأي سياسي واحد، على سبيل المثال، كما في «استديو 24» الذي يحل عليه المحّلل السياسي وسام سعادة ضيفا دائما، يؤكد حسين الوجه: «نحرص في كل البرامج السياسية على استضافة محللين بوجهات نظر مختلفة، لأن القضية الخاسرة لن تربح مهما حاول المدافعون عنها رفع أسهمها، لكن في بعض الأحيان يلعب الوقت عاملا أساسيا في عدم القدرة على توسيع دائرة الحوار، كذلك فإن الفقرة التي نستضيف خلالها سعادة في موقع المحلل للقضايا المحلية لا تتعدى الدقيقتين، وتقابلها استضافة محللين آخرين معروفين بوجهة نظرهم المغايرة، وهذه التجربة عامة في وسائل الإعلام الأوروبية والأميركية». ويرفض الوجه وضع «إخبارية المستقبل» في مواجهة قناة «المنار» التابعة لحزب الله. ويقول: «نحرص على العمل انطلاقا من مبدأ أساسي، وهو أننا لا نستطيع استغباء عقل المشاهد وإخفاء المعلومات أو الأخبار عنه، لأن ما لن يشاهده على محطتنا سيطلع عليه عند غيرنا، علينا عرض الوقائع كما هي وترك الحكم النهائي للمشاهد».

كذلك، يعزو الوجه سبب عدم عرض برامج وثائقية وتاريخية عربية على غرار المحطات العربية الأخرى والتركيز على برامج اجتماعية أجنبية مترجمة، إلى أسباب إنتاجية متعلقة بالوقت والتكاليف، ويقول: «لذا نختار البرامج الأجنبية التي تستوفي المعايير التي تهم جمهورنا العربي وتتطابق مع قضايانا، إضافة إلى بعض الأفلام الوثائقية التي أنتجتها المحطة».

وفيما يتعلق بعدم «سطوع نجومية» أي من الإعلاميين في الإخبارية، وبعضهم جاء حاملا نجوميته، على الرغم من كثرة البرامج الحوارية، فإن الوجه يرى «أن المهم أن تكون المحطة التي تحتضن كل هؤلاء الإعلاميين هي النجمة، خصوصا أن فريق المحطة يعمل بروح واحدة، مع الحرص على التنوع في هوية البرامج التي يتسم كل منها بخصوصية معينة، وإذا كان سيبرز أحد إعلاميي المحطة كنجم، فهذا لن يتحقق في سنة واحدة، لأن الأمر يحتاج إلى مزيد من الوقت».

ويوافق طربية الوجه فيما يتعلّق بـ«نجومية الإعلاميين»، ويقول: «القنوات الإخبارية لا تقوم على مبدأ one man show، ولا على برنامج واحد، بل على تنوع في المادة التي تبث على مدار 24 ساعة متواصلة، كذلك فان أمر «النجومية» في أي محطة إخبارية يحتاج إلى وقت، كي تتحدد وجهته، وقد يصل إلى مرحلة يبرز النجم ومن حوله مجموعة أقمار».

وفي حين يرفض الوجه الدخول في إحصاءات نسبة مشاهدة برامج المحطة، فإنه يقول: «المهم بالنسبة إلينا أننا نتقدم».