جدل حول أداء الإعلام المصري خلال الحرب على غزة

البعض يرى أنه تعثر.. والمدافعون يقولون «إنه يعكس الواقع ولا يصنعه»

جانب من تغطية الصحافة المصرية لأحداث غزة الأخيرة («الشرق الأوسط»)
TT

أثار الأداء الإعلامي المصري في فترة الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة جدلا في الأوساط السياسية والإعلامية المصرية.. ما بين مؤيد ومعارض، فالبعض يرى أن أداء الآلة الإعلامية المصرية شابه العديد من أوجه القصور، بينما يدافع عنه آخرون قائلين «إن الإعلام ما هو إلا مرآة تعكس الواقع ولا تصنعه»، لكن فريقا ثالثا تحدث عما يراه «نجاح حققته مصر في إدارة الأزمة إعلاميا».

وفسر البعض رد مصر على منتقديها ببيانات رسمية بأنه «دليل على فشل الأداء الإعلامي المصري»، ورد دبلوماسي مصري، طلب عدم تعريفه، على هذا الانتقاد موضحا «أن إدارة الأزمات والشؤون السياسية لا تكون عبر وسائل الإعلام»، وتابع قائلا «السياسة والدبلوماسية لهما طرق أخرى أكثر تعقيدا غير الإعلام».

وأضاف المصدر «مصر تعرضت لهجوم شديد وانتقادات من عدة أطراف، إلا أن مصر لم تعتد الرد على الصغائر، ونقصر تعليقنا على تجاوزات ومحاولة البعض التدخل في الشؤون الداخلية المصرية».

وقال «المزايدات الإعلامية لها ناسها، ومصر جاء ردها عمليا عبر وقف إطلاق النار وانعقاد قمة شرم الشيخ التي حضرها العديد من قادة العالم، وأثبتت أن الدور المصري لا يمكن المزايدة عليه، فهو مستمر منذ عام 1948، ولا يوجد دولة قدمت للقضية الفلسطينية ما قدمته مصر». من جانبه، أكد عبد الله كمال رئيس تحرير صحيفة «روزاليوسف» أن مصر حققت انتصارا هائلا في الحرب التي تم شنها عليها على كافة المستويات السياسية والاستراتيجية والأمنية والإنسانية والقانونية، معتبرا أن الثغرة الوحيدة في تلك الحرب كانت الأداء الإعلامي المصري، مشيرا إلى أن الدور الإعلامي للدولة لا يستخدم فقط على المستوى الداخلي، ولكن أيضا على المستوى الإقليمي والدولي. وقال «القصور في الأداء الإعلامي كان ملاحظا على أكثر من مستوى، بدءا من رجل الشارع حتى المتخصصين والمسؤولين الحكوميين»، مشيرا إلى أن الأمر طرح في اجتماع بالحزب الحاكم والبرلمان وفي اجتماع وزاري حضره وزير الإعلام المصري أنس الفقي، الذي أقر بوجود قصور، وبرره بنقص الإمكانيات والتمويل».

وأضاف «بينما كانت بوادر أزمة غزة تلوح في الأفق، كان الإعلام المصري مشغولا بالإعداد للحفلات الغنائية التي ينظمها ليلة رأس السنة، كما كان يستعد لإطلاق قناة جديدة متخصصة في الكوميديا، بينما كانت القنوات الفضائية الأخرى تجهز نفسها بسرعة لتحقيق أهداف مالكيها».

واعتبر كمال، وهو نائب مُعين في مجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان المصري)، أن أحد أوجه القصور هو أن القنوات التي قادت الحملة الإعلامية ضد مصر تبث إرسالها عبر القمر الصناعي المصري (نايل سات)، مشيرا إلى أن وزارة الإعلام بررت عدم إغلاقها هذه القنوات، التي يبلغ عددها نحو عشرين قناة، أنها في حال إغلاقها ستنتقل إلى أقمار أخرى، وقال «إن انتقال تلك القنوات إلى أي قمر آخر سوف يخفض من معدل مشاهدتها مصريا ولو بنسبة بسيطة».

وأضاف أن أحد أوجه القصور الإعلامي أن قناة الجزيرة نقلت خطاب الرئيس مبارك في قمة شرم الشيخ منذ بدايته، بينما تأخر التليفزيون المصري في إذاعة الخطاب، وفاته أول خمس دقائق منه من دون سبب واضح.

ورأى كمال أن المنظومة الإعلامية المصرية كان عليها أن تحرص على أن تكون هي المصدر الأساسي لمعلومات المصريين، بالإضافة إلى الإعلان الدائم والمكثف عن الموقف المصري وترسيخ رسالة مصر، والرد المباشر على الانتقادات التي توجه لمصر، معتبرا أن قناة العربية السعودية دافعت عن مصر أكثر مما دافع التليفزيون المصري. واعتبر رئيس تحرير روزاليوسف أن هناك حالة من عدم الانضباط، والصراعات المختلفة في المنظومة الإعلامية المصرية، مما أدي إلى ترك الأمور بلا ضوابط، مما أسفر عن هذه الممارسة الضعيفة.

من جانبه، اعتبر الدكتور صفوت العالم، أستاذ العلاقات العامة بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، أن المنظومة الإعلامية المصرية خلال الحرب على غزة عكست واقع السياسة الخارجية المصرية، وقال «لما كانت السياسة الخارجية المصرية خلال فترة الحرب تحكمها اعتبارات معينة، بعضها معلن وبعضها خفي، فقد عكس الأداء الإعلامي المصري هذه الاعتبارات بأشكال متفاوتة خلال فترة الحرب».

وأضاف «الكلمة المتلفزة للرئيس مبارك كانت هي نقطة التحول في الأداء الإعلامي المصري، فبدأ يتخذ مسلكا دفاعيا للرد على منتقدي مصر».

وردا على الانتقادات التي وجهت للإعلام المصري بالفشل بسبب انقسام كتاب الصحف والقنوات الفضائية المصرية حول الموقف من الحرب، واعتباره أن وجود أراء إعلامية مصرية معارضة للسياسة المصرية في التعامل مع أحداث غزة يعكس مستوى النضج والديمقراطية التي تتمتع بها مصر الآن، قال «لقد تجاوزنا مرحلة الإجماع العام إلى مرحلة التعددية في الآراء، بفضل وجود هامش من الحرية معقول في مصر».

وقال «إبراهيم عيسى رئيس تحرير صحيفة الدستور الخاصة، كتب مقالا دافع فيه عن حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، اعتبر فيه أن من حق نصر الله أن يخاطب الجيش المصري لأنه رمز عربي وليس لبنانيا فقط، وعلى الرغم من أن هذا الرأي يمس الأمن القومي المصري لأنه ليس من حق أي فرد أو جهة أن يخاطب جنود جيش دولة أخرى ويدعوهم للتمرد على قادتهم، فإن عيسى لم يضار نتيجة هذا الرأي».

ورفض العالم الاتهامات التي توجه للإعلام المصري قائلا «من يهاجمون الأداء الإعلامي المصري يغفلون أن الإعلام دوره هو أن يعكس الواقع وليس أن يصنع، فإذا كان الأداء الإعلامي خلال الفترة الأولى من الحرب كان باهتا، فهذا سببه أن السياسة الخارجية المصرية كانت باهتة، وعندما تدخل الرئيس مبارك وألقى كلمة أوقفت إطلاق النار، وعقد قمة شرم الشيخ عادت كفة الميزان مرة أخرى لصالحنا».