عندما ترتدي الأخبار بزة عسكرية

جدل في أميركا بسبب خطط البنتاغون في مجالي الإعلام والعلاقات العامة

حرب العلاقات العامة هي الحرب الجديدة التي سيخوضها البنتاغون في الفترة المقبلة اعتمادا على نظرية الرئيس السابق بوش: «كسب العقول والقلوب»
TT

في الوقت الحاضر، يحارب البنتاغون ثلاث حروب: حرب العراق، وحرب أفغانستان، والحرب العالمية ضد الإرهاب. ويبدو أنه أعلن حربا أخرى: حرب العلاقات العامة، اعتمادا على نظرية الرئيس السابق بوش: «كسب العقول والقلوب». لكن، مثل حروبه الأخرى، تثير هذه الحرب أسئلة قلقة، أهمها: ما هو الفرق بين الدعاية والمعلومات؟

في الأسبوع الماضي، دقق كريس تومليسون، صحافي كبير مع وكالة «أسوشييتد برس»، في ميزانية البنتاغون لهذه السنة، ووجد أن البنتاغون سيصرف خمسة مليارات دولار، وسيخصص ثلاثين ألف شخص، مدني وعسكري، لتنفيذ هذه الخطة. وأن هذا هو نفس حجم كل الدبلوماسيين في وزارة الخارجية.

اهتمت وكالة «أسوشييتد برس» بالموضوع لسببين: أولا: لأنها وكالة أنباء. ثانيا: لأن البنتاغون أسس وكالة أنباء جديدة اسمها «هوملاند» (الوطن)، ربما ستنافسها. خاصة لان هذه وكالة عسكرية، ويدعمها البنتاغون. ودون ان يقول ذلك. وهي وكالة أنباء عسكرية سرية. وميزانيتها أضعاف ميزانية وكالة أنباء «أسوشييتد برس».

وكان روبرت غيتس، وزير الدفاع في إدارتي بوش وأوباما، اقترح ان يحول جزءا من ميزانية الوزارة الى وزارة الخارجية للتركيز على الدبلوماسية الشعبية. لكن، يبدو ان جنرالات البنتاغون يريدون ان يتولوا هم العمل الدبلوماسي، بالإضافة إلى العسكري.

قال شيلدون رامبتون، خبير في مركز الاعلام والديمقراطية التابع لجامعة ويسكونسن: «صارت الحرب غير شعبية، ولهذا يريد البنتاغون ان يجعلها شعبية بمحاولة اقناع الناس بصرف مليارات الدولارات».

ليس الموضوع فقط عن صرف مليارات الدولارات. ولكن عن مبدأ فصل العسكريين عن المدنيين، فصل حماية الوطن عن السياسة.

وفي هذا قال بول هودز، عضو الكونغرس: «ضاعفنا ميزانية البنتاغون خلال ثماني سنوات. لكننا يجب أن نكون حذرين من أن يتدخل البنتاغون في الموضوعات الداخلية. يجب ان نؤكد الخط الفاصل الذي وضعه الدستور الأميركي بين الذي يضع القانون والذي يحارب».

تحدث النائب هودز في مؤتمر، في الشهر الماضي في واشنطن، عن: «الدبلوماسية العامة». وناقش المؤتمر الفرق بين «دبلوماسية تقليدية» (اتصالات بين حكومات عن طريق سفارات ووفود رسمية)، و«دبلوماسية شعبية» (اتصالات مباشرة مع الشعوب).

ومن الذين تحدثوا في المؤتمر هنري جواسيم، خبير في مركز الدبلوماسية العامة في جامعة جنوب كاليفورنيا، قال: «عندما سمينا مركزنا «بابليك دبلوماسي» (دبلوماسية عامة) كان هدفنا هو ان نفرق بينها وبين «بروباغاندا» (دعاية). وبالنسبة للدبلوماسيين في الخارج، كان هدفنا هو ان نفرق بين توزيع المعلومات وبين هندسة المعلومات».

وأشار إلى أن هناك فرقا بين ان تؤسس سفارة أميركية في دولة أجنبية مكتبا ثقافيا (مكتبة أميركية) وان تؤسس وزارة الدفاع مكتبا عسكريا في تلك الدولة. وقال ان هذه ستكون مثل مكاتب التجنيد الموجودة في كثير من المدن الأميركية، التي تحاول إغراء الشباب بالتجنيد مع وعود جذابة عن العمل في الخارج. ومع شعارات مثل: «تعرف على ثقافات اخرى» و«تعلم مهنة لبقية حياتك»، الخ... دون الإشارة إلى حقيقة الحرب وما فيها من قتل ودمار.

وقال انه يخشى ان يؤسس البنتاغون مثل هذه المكاتب في الخارج، لانها «بدل ان تحسن صورتنا، ستزيدها سوءا».

عبر تاريخ أميركا، وربما تاريخ كل الدول، ليس سهلا وضع خط فاصل بين المعلومة والدعاية. لكن، يوجد اتفاق عام بين علماء الإعلام بان المعلومة المحايدة (سلبية وايجابية) تختلف عن المعلومة المعتدلة (ايجابيات فقط).

في سنة 1948، اصدر الكونغرس قانونا يمنع الحكومة (وخاصة وزارتي الدفاع والخارجية) من توزيع معلومات توزع للأجانب خارج الولايات المتحدة ان توزع داخل الولايات المتحدة. لم يضع القانون خطا فاصلا بين معلومة ودعاية، لكنه، على الأقل، وضع خطا فاصلا بين الأميركيين والأجانب. وكان له هدفان:

أولا: يجب ألا يتأثر المواطن الأميركي بدعاية الحكومة (التي ربما تكون جمهورية او ديمقراطية، محافظة او ليبرالية).

ثانيا: لا مانع ان يتأثر الاجانب بالمبادئ والمعلومات الأميركية، بصرف النظر عن اذا كانت محايدة او لا (ما دامت تخدم مصالح الولايات المتحدة).

في مؤتمر جامعة ويسكونسن، كان هناك رأيان عن قانون سنة 1948:

في جانب: عدم تعديله، لأنه ظل يؤدي الهدف منه لأكثر من نصف قرن. ولأنه يفصل بين السياسة الداخلية والعمل الدبلوماسي في الخارج.

في الجانب الآخر: تعديل القانون، لان تكنولوجيا المعلومات لم تعد تفرق بين الوطن والخارج، وبين الأميركي والأجنبي.

حضر المؤتمر جنرالات من البنتاغون. لم يتحدثوا، ولكن كان واضحا انهم يريدون تعديل القانون. في الشهر الماضي، مع أرقام الميزانية الجديدة، أرسل البنتاغون إلى الكونغرس بيانات لإقناع أعضائه بالخط الجديد. لكن، لا يحتاج البنتاغون لإقناع النائب ادام سيمت. عكس النائب هودز، قال هذا: «ليس هناك عيب في «بروباغاندا» أميركية، لان منظمة القاعدة وبقية المنظمات الإرهابية عندها «بروباغاندا». إنهم يقولون عنا أشياء كاذبة، ونحن يجب أن نصحح ما يقولون. الحقيقة معنا، فلماذا نخجل من نشرها» يجب عدم التقليل من أهمية كلام هذا النائب لأنه رئيس لجنة محاربة الإرهاب في مجلس النواب.

قبل إجازة الكونغرس لميزانية البنتاغون الجديدة، وصرفا من ميزانية السنة الماضية، وسع البنتاغون نشاطاته الدعائية، ليس فقط خارج أميركا، ولكن في الداخل أيضا.

في سان انتونيو (ولاية تكساس) أسس البنتاغون «قاعدة عسكرية إعلامية»: تتابع ما تنشر الصحف الأميركية عن البنتاغون. ليس ذلك فقط، بل وتنشر بعضها. تحت ستار وكالة أخبار «هوملاند» (الوطن). يوجد في القاعدة أكثر من مائة «صحافي عسكري»، يكتبون إخبارا إيجابية عن البنتاغون ويرسلونها إلى الصحف الأميركية. ينشرون أسماءهم، لكن بدون ألقاب عسكرية، ويقولون إنهم يعملون مع وكالة أنباء «هوملاند».

خلال هذه السنة، سوف توزع وكالة أنباء «هوملاند» اكثر من خمسمائة خبر وبيان وتعليق عسكري صحافي.

وتدخل في الموضوع المفتش العام لوزارة الدفاع (منصب شبه مستقل داخل كل وزارة أميركية). واصدر، قبل شهرين، بيانا قال فيه: «بعد مراجعة دقيقة، وجدنا ان وزارة الدفاع خلطت بين العلاقات العامة والدعاية. خلطت بين معلومات نزيهة ليحكم عليها الشعب الأميركي، وبين دعايات تنشرها في الخارج لمواجهة الأعداء».

لهذا، عندما اهتمت وكالة أنباء «اسوشييتد برس» بالموضوع، لم تهتم به فقط لأنه خبر، ولا أيضا لأن الوكالة الجديدة ربما تنافسها، ولكن، أهم من ذلك، القلق من فكرة أن يكون العسكريون الأميركيون بدأوا في التأثير في الحرية الأميركية.