الصحافة الإلكترونية تواجه تحدي تحقيق التوازن بين السرعة والدقة

TT

في الأسبوع الماضي، نشرت - بسرعة - على الموقع الإلكتروني لصحيفة «نيويورك تايمز» مقالا أظهر خوفا يسري داخل الغرف الإخبارية من أن الشبكة العنكبوتية، بتركيزها على المنافسة في سرعة النقل، قد تقوض من قيم الصحافة المطبوعة، التي تركز كثيرا على الدقة والأسلوب والمضمون. وتضمن المقال هجوما سياسيا مجهول المصدر على كارولين كيندى وبث مزاعم مبهمة، تبين أن فيها قدرا كبيرا من المبالغة، عن مشاكل ضريبية وأسرية تواجهها كيندي.

وظن المسؤولون عن موقع الصحيفة على شبكة الانترنت، التي تعد الأكثر قراءة على الشبكة العنكبوتية في الولايات المتحدة، أنني أخيّر ما بين السرعة أو الجودة. وقال جوناثان لاندمان، نائب مدير التحرير المسؤول عن تعاملات الموقع «تحدث أشياء غير مرضية عندما يكون الوقت مضغوطا». وقال إن عجز صحيفة «نيويورك تايمز» عن التعامل مع وجهة نظر إدارة بوش في الحرب على العراق بصورة نقدية أكبر، وتغطيتها حول وين هولي، الذي كان متهما بالتجسس قبل أن تتداعى القضية، لم يكن السبب فيه قرارات مفاجئة تتحكم فيها شبكة الانترنت. وكتب لاندمان في بيان نشرته «بابك إديتورز جورنال» «بالطبع يزيد العمل سريعا من احتمال الخطأ، وهذا بالتأكيد خطر يجب الاعتراف به والتعامل معه بحرص. ولكن، تلافي الخطأ ليس هو القيمة الوحيدة، وإذا كان الوضع كذلك، لقمنا - منذ وقت طويل - بهجر الصحف اليومية والأسبوعية والمجلات، وتحولنا إلى جرائد الأكاديميين التي يتم البت فيها. السرعة أيضا لها قيمتها، فالسرعة تعني وصول المعلومة إلى المواطنين في الوقت الذي يريدونه وعندما يحتاجون إليها».

وقال لاندمان «دائما ما كانت الكفاءة الصحافية تجمع بين السرعة والشمول والكشف عن الجديد والنقل عن المصادر والجدية والمرح، والكثير من الأشياء الأخرى التي يمكن أن تتعارض مع بعضها في بعض الأحيان. والقضية هي تحقيق التوازن الصحيح بين هذه الأمور».

تلك هي القضية. والسيد لاندمان على صواب، كما قال لي بعد ذلك، إن الانترنت يعرض «نوعا جديدا من فن التصوير به مزايا وعيوب». ويتضمن ذلك السرعة، ولكن مع ضعف التحرير؛ والقدرة على كتابة قصة في وقت قصير، ولكن مع الحاجة - في الوقت نفسه - إلى المزيد من المعلومات؛ ومنافسة شديدة، ولكن مع ضياع الوقت في السعي وراء انفرادات زائفة تنشرها مصادر لا يمكن الاعتماد عليها كثيرا؛ والقدرة على تصحيح الأخطاء سريعا ولكن بعد انتشارها في مختلف أنحاء العالم. قال لي أدام ناجورني، المراسل السياسي الرئيسي لصحيفة «نيويورك تايمز»، كيف كان الوضع في تغطية الحملة الرئاسية لمؤسسة إخبارية تعمل على مدار الساعة. قال إنه ظن أن الصحيفة قد تمكنت من تحقيق التوازن المطلوب بين السرعة والدقة والنزاهة، ولكنه أضاف أن المنافسة الشديدة - القصص غير الصحيحة على مواقع منافسة - كانت تتسبب في مطاردات تستهلك الوقت ولا تثمر في النهاية، وكان ذلك عائقا في بعض الأحيان أمام عمل تقرير أفضل وأكثر ثراء. وإذا كانت قصة كيندي مثالا قويا على الخطأ الذي يمكن أن يقع، فقد كانت تغطية صحيفة «نيويورك تايمز» للهبوط الاضطراري لرحلة «آير وايز» الجوية الأميركية رقم 1549 في نهر هودسون، قبل ذلك بستة أيام، مثالا مشرقا للوضع الصحيح الذي يمكن أن يتحقق. كان هناك اثنان من المحررين جالسان بجانب بعضهما البعض، ووصلهما في الوقت نفسه تقريبا خبر أن طائرة سقطت في نهر. وصل إلى المحرر إيان ترونتز، من مكالمة تليفونية من آل باكر، وهو مراسل الصحيفة في مقر الشرطة، وإلى المحرر باتريك لافوراج من رسالة نشرت على موقع تويتر. وخلال لحظات كان هناك خبر عن ذلك على الموقع الإلكتروني للصحيفة. بدأ ترونتز في إرسال الصحافيين والمساعدين. وقال «ما نقوم به عبارة عن إطناب لا قيمة له». وفي النهاية، كان هناك أكثر من 20 صحافيا ومصورا تابعين لصحيفة «نيويورك تايمز» في موقع الحدث، وأعداد أكبر في مستشفيات المنطقة؛ وفي تشارلوت، المكان الذي كانت تقصده الطائرة؛ وفي بيت الطيار في كاليفورنيا. كان هناك بعض الارتباك في بادئ الأمر. كان قد قيل إلى باكر إنها كانت طائرة بمحركين، في إشارة إلى أنها طائرة صغيرة. وسرعان ما قضى التلفزيون على هذه الفكرة. وكانت هناك شائعة بأنها كذلك كانت فيلما أو لقطة تلفزيونية، كما كان الحال من قبل مع حريق حافلة مدرسية في هارلم. ولكن، يقول ترونتز، «سريعا، قدرنا أن هذا كان حادثا حقيقيا».

ومع تدافع الأخبار القادمة من الصحافيين، بدأت الصحيفة في تغطيتها المكتوبة. وقد رتبت التحديثات على مدونة سيتي روم التابعة لكين بلسون مثل نشرة إخبارية. وكتب ليز روبنز مقالا إخباريا يتمتع بالبنية الإخبارية التقليدية للموقع. ويقول لافوراج، الذي كان يحرر ما يكتبه بلسون، وهو ينظر إلى ما يكتبه من وراء كتفه، إن المدونة للقراء المنشغلين بالقصة، الذين يضغطون على ذر التحديث كل دقيقتين. وكان مقال روبنز للقراء الأقل استيعابا للقصة. وفي هذه الأثناء كان روبرت ماكفادن يكتب مقالا إخباريا منمقا لطبعة اليوم التالي. استفادت صحيفة «نيويورك تايمز» من التفاعلية التي تميز الشبكة الالكترونية، فقامت بدعوة الشهود وإجراء مقابلات معهم وإدراج الصور التي لديهم. وباستخدام برنامج إلكتروني جديد للمرة الأولى، قام المحررون بعرض 17 صورة التقطها مواطنون، كان من بينها لقطة رائعة التقطها أحدهم باستخدام هاتفه الجوال لحظة ارتطام الطائرة بالمياه. وكان هناك رابط بين الصحيفة ومشهد فيديو من «إم إس إن بي سي». كانت قصة كبيرة، ولكنها كانت أيضا، كما قال لافوراج، قصة بسيطة، نموذجا للتغطية السريعة على شبكة الإنترنت. وإذا كان القليل من التفاصيل خاطئا، مثلما قالت السلطات في البداية إن الطائرة كانت تقل 151 شخصا، يمكن تعديلها سريعا، كما أنها لا تمثل خطرا محتملا لسمعة أي شخص، كما كان الحال مع القصة التي تناولت كيندي. وقامت صحيفة «نيويورك تايمز» بتغطية قصة أكثر مأساوية بنفس الأسلوب الأسبوع الماضي، كانت القصة تتعلق باصطدام طائرة «كونتيننتال كونكشن» بالقرب من بافالو. يهتم محررو «نيويورك تايمز» كثيرا بتحقيق التوازن الصحيح في الوقت الذي تتحرك فيه الصحيفة بصورة أكثر عدوانية على الانترنت، حيث يوجد لديها جمهور أكبر من جمهور النسخة المطبوعة. ومن العناصر التي تتبع في تحقيق هذا التوازن هو البت في أي من الأخبار سوف يتم التعامل معها كما حدث مع الرحلة 1549، وما الذي يحتاج إلى التريث حتى تتبين الحقائق ويكون السياق أكثر وضوحا. تصف سوزان إدجرلي، مساعدة مدير التحرير المسؤولة عن إدارة لجنة إعادة الابتكار في غرفة الأخبار، عملية إعادة تنظيم مستمرة تنشر المزيد من مصادر التحرير خلال اليوم للتعامل مع طبيعة الانترنت المستمرة على مدار اليوم كافة أيام الأسبوع. يتم تدريب محرري الطباعة على التعامل مع الانترنت، ويتعلم منتجو الانترنت تحرير الأخبار بصورة أكثر احترافية. تقول إدجرلي «توازن بين السرعة وما إذا كانت القصة جاهزة للنشر. يعلم الجميع أن جهوزية الخبر للنشر هي التي تفوز في النهاية».

ويقول بعض المحررين إن معايير «نيويورك تايمز» لا تتغير بتغير الوسيط الذي يتم التعامل من خلاله. ولكن الإنترنت يختلف كثيرا عن الصحيفة المطبوعة، والحق أن المعايير تختلف نوعا ما. تكون اللغة في بعض الأحيان أقل دقة، وقد يكون التحرير أضعف، ويمكن للقراء التعليق على ما هو مكتوب، ولا يكون ذلك بطريقة متحضرة دائما. كتب بيل كيلر، المحرر التنفيذي، مؤخرا، مقالا تناول فيه ما يقوم به في حياته، وانتهى الأمر بنقد من وزيرة الخارجية. كان أمرا مرحا على الانترنت، لم يكن من المحتمل حدوثه على الصحيفة المطبوعة. يقول كيلر «عادة لا يتكلم المحررون مباشرة إلى القراء». وعندما يقومون بذلك، يكون ذلك ذا صلة بمواضيع جادة. ولكن، يعد الانترنت «ثقافة تشجع علاقة أكبر مع القراء، خاصة، وغير رسمية بدرجة أكبر. لها ما يميزها وعليها بعض العيوب، في رأي».

تقدم صحيفة «نيويورك تايمز» للقراء خبرة تتميز بالثراء على شبكة الانترنت، حيث يوجد كلام مكتوب، وعروض جانبية ومقاطع فيديو وأخرى صوتية ووسائل تفاعلية وصفحات تتناول خلفية الخبر. ولكن، أساس هذا كله هو النطاق والعمق والاستشهاد الذي تتميز به كتابة التقارير على صحيفة «نيويورك تايمز». وفي الوقت الذي تؤسس فيه الصحيفة لمستقبلها على الشبكة العنكبوتية، يجب عليها أن تهتم بأن أيا من التغيرات لن يعرض ذلك للخطر.

* خدمة «نيويورك تايمز»