انطلاقا من دبي: مبادرة عربية للصحافة الأخلاقية.. هل تكون الأخيرة؟

المبادرات لا تتوقف.. ومواثيق الشرف بالمئات

TT

ليست هي المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة بالطبع، فالمبادرات التي تسعى لتأسيس قواعد أخلاقية لمهنة الصحافة العربية لا تتوقف، والمبادرات التي يطلقها أهل مهنة المتاعب لا تنتهي، كلهم يبحثون عن مثالية عالية، وأخلاقيات غير موجودة بالكامل، إلى حد ما، في حقل الإعلام، بل حتى المقاييس التي يعمل في ظلها الصحافيين، تبحث لها عن ملجأ يعينها على إتمام عملها، وبين سندان الحقيقة ومطرقة القوانين الحكومية، تبقى الاتهامات مستمرة بغياب أخلاقيات العمل الصحافي عن وسائل الإعلام والعاملين فيها.

هذه المرة أطلقت المبادرة من أقصى المشرق العربي، وتحديدا من دبي الإماراتية، التي أطلقت «مبادرة الصحافة الأخلاقية»، عبر جمعية الصحافيين في الإمارات بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحافة، وبمشاركة ممثلي نقابات 20 دولة، منها باكستان وأفغانستان أيضا، التي تركز على الترويج للقيم الأخلاقية في العمل الصحافي، وتقويتها وإعادة الالتزام بها، التي تتضمن التنمية الديمقراطية، وتتطلب الحرية والازدهار المستقبلي في أن يحصل الناس على المعلومات اللازمة ليتمكنوا من المشاركة في إدارة شؤونهم، إضافة إلى الاستقلالية، لحماية الإعلام من الخضوع لتأثير المصالح الاقتصادية.

كل هذه العناوين البارزة لن يختلف عليها أحد بكل تأكيد، فمن يرفض هذه المثالية العالية، والشعارات البراقة؟! غير أن تجارب سابقة أثبتت، على قاعدة ليس كل ما يلمع ذهبا، أن ليس كل ما يطلق يستمر، ألم تطلق عشرات المبادرات المشابهة وانتهت إلى حقيبة النسيان الصحافية، بل أين مواثيق الشرف الإعلامية التي جمعت كثيرا من الصحف المحلية؟، لكنها كانت حبرا على ورق، ولم يلتزم بها أحد ممن وقعها وبصم عليها، فما الجديد الذي يمكن أن تقمه «مبادرة الصحافة الأخلاقية» التي ستأتي بما أتى به الأولون؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال العريض، حري بنا أن نشير إلى أن إطلاق المبادرة، تزامن مع مؤتمر يحمل الاسم ذاته، واستمر يومين في مدينة دبي، حيث يسعى المؤتمر إلى تبني خطوطا إرشادية ومقترحات لتأسيس أبنية وهياكل من أجل ضمان الشفافية والانفتاح داخل قطاع الإعلام، كما سيساعد المهنيين الإعلاميين في جهودهم الرامية إلى تعريف، وتحديد، والموافقة على تطبيق مقاييس أخلاقية ملائمة على المستوى الوطني.

ويقول المنظمون، إنه من ضمن المقاييس الأخلاقية هذه «أن يقوم الإعلام بتحاشي الخطابات التي تتضمن كرها لأديان أو لإثنيات معينة، أو عنصرية، وأن تكون مستقلا وغير منحاز، وأن تروج للمسؤولية الاجتماعية المهنية، وأن تكون منفتحا، وشفافا، وخاضعا للمحاسبة من قبل جميع زملاء المهنة، وأن تعمل من أجل الصالح العام».

ويبقى السؤال الذي يبحث عنه إجابته الجميع، هل ستطبق هذه المبادرة الجديدة، أم أنها ستكون حبرا على ورق كما ذهبت عشرات المبادرات المماثلة هباء منثورا؟ يرد سامي الريامي رئيس تحرير صحيفة «الإمارات اليوم» ونائب رئيس جمعية الصحافيين في الإمارات، بأن المسؤولية تقع الآن على عاتق المؤسسات الإعلامية، «التي أعتبر أن التزامها بهذه المبادرة سوف يمنحها سقف حرية أوسع»، بحسب تعبيره، معتبرا أن المبادرة هذه «ستحمي الصحافيين ذاتهم من القوانين الحكومية متى ما التزموا بها».

لكن كيف سيتم تطبيق هذه المبادرة من قبل المؤسسات الإعلامية؟ يجيب سامي الريامي بالقول، إنه تم تشكيل لجنة تنسيق مشتركة مع الاتحاد الدولي للصحافة، عبر مقره الإقليمي الجديد في البحرين، ستكون مسؤولة عن وضع هذه الآليات، وتنفيذها على المستوى الإقليمي، غير أن الريامي يؤكد أن هذه اللجنة ستضع الخطوط العريضة لآليات التطبيق، مضيفا «لكن يبقى على كل نقابة أو جمعية صحافيين في كل دولة أقرت المبادرة أن تضع خطوطها الخاصة بضمان تطبيق المبادرة».

وحول الجديد الذي تحمله هذه المبادرة، وما الذي يجعلها مختلفة عن مواثيق الشرف الإعلامية، يقول نائب رئيس جمعية الصحافيين في الإمارات أن مبادرة الصحافة الأخلاقية «أشمل بشكل أكبر من المواثيق الشرفية السابقة، كما أنها تحتوي على العديد من المحاور التي نضمن من خلالها أن تغطي كافة قضايا الصحافة بكافة تحولاتها»، ويشير الريامي هنا إلى أن المبادرة تشمل التعددية والتنوع الطائفي والأخلاق وقت الحروب « على الرغم من أننا في الإمارات ليس لدينا تنوع طائفي أو أزمات حروب، ومع ذلك فهناك بعض المؤسسات الإعلامية التي من الضروري أن تغطيها هذه المحاور».

ويقول مطلقو المبادرة إنها ترسخ الأسس والقواعد الأخلاقية التي يعمل الصحافيون بها في إطار ممارساتهم لمهنتهم، وستشرف جمعية الصحافيين في الإمارات، بالتنسيق مع الاتحاد الدولي للصحافيين على نشر المبادرة في الدول الإقليمية وتعميم مبادئها للعمل بها، بالإضافة إلى تدريب وتأهيل الصحافيين القدامى والجدد للعمل بموجب هذه المبادئ.

ومن المنتظر أن تراعي جمعية الصحافيين بالتنسيق مع الاتحاد العالمي للصحافة إطلاق الحوارات الإقليمية التي تدعم المبادرة، وتوفر المطبوعات والنشرات التي تساعد الصحافيين على أفضل الممارسات الصحافية ونشر مبادئ الصحافة النوعية، عبر شبكة معلومات متخصصة وتنظيم البرامج التدريبية على تطبيق الأخلاق في الصحافة ومراقبة الخروق الصحافية وإعداد تقارير حول قضايا أخلاقية مهمة.

من جهته، يؤكد ايدن وايت الأمين العام للاتحاد الدولي للصحافيين، على أهمية إطلاق المبادرة بأي ثمن، بقوله «نحن في عصر نحتاج فيه إلى الصحافة الأخلاقية الجيدة أكثر من أي وقت مضى». مشيرا إلى أن «الأخبار السيئة في الفترة الحالية لها نصيب الأسد، وتحيط بنا من كل جانب، فنحن نعاني من الأمراض والفقر وعدم مساواة متزايدة، وهناك قلق وخيبة أمل واستياء داخل المجتمعات المحلية، خاصة بين الشباب في العالم العربي، وكثيرون منهم يواجهون مستقبلا غامضا، إضافة إلى استمرار التمييز ضد المرأة والأقليات».

أما منير زعرور منسق الاتحاد الدولي للصحافيين في الشرق الأوسط، فيقول، إنه من الصحيح أن المؤتمر لم يخرج ببيان ختامي، «ولكننا اتفقنا على ما هو أهم من البيان الختامي، وهو أن نبدأ العمل في تنفيذ برامج وأنشطة لجعل الصحافة الأخلاقية ممارسات عملية نطبقها على الأرض».

* ميثاق شرف خليجي

* لأن مواثيق الشرف الإعلامية لا تتوقف عن الإطلاق، كشف على هامش المؤتمر، عن إطلاق ميثاق شرف خليجي صحافي بالتعاون مع منظمة «ايركس»، وهي منظمة أمريكية بريطانية للصحافة، ومن المتوقع أن يرى هذا الميثاق النور خلال الأشهر القليلة المقبلة. وكان ايدين وايت الأمين العام لاتحاد الصحافيين العالمي، وعيسى الشايجي رئيس جمعية الصحافيين في البحرين، قد أبرما اتفاقية تعاون بين الجمعية والاتحاد الدولي، حيث تقرر افتتاح مكتب إقليمي للاتحاد في المنطقة العربية وإيران وباكستان وأفغانستان، ومقره البحرين، في الحادي عشر من أبريل (نيسان) المقبل.

وقال عيسى الشايجي إنه بناء على توقيع الاتفاقية سيبدأ الإعداد لتعيين الطاقم الفني للمكتب الذي سيكون داعما لأخلاقيات الصحافة في المنطقة ودعم الديمقراطية.

وأكد الشايجي أن المكتب سوف يعمل بشكل مهني بحت في تطوير المهنة بالمنطقة من خلال عقد ورش عمل لإعداد وتأهيل الصحافيين بعيدا عن السياسة.

وأشاد بالمبادرة الأخلاقية التي تتبنى إطلاقها جمعية الصحافيين في الإمارات موجها الشكر لجميع أعضائها، لافتا إلى أن المكتب الإقليمي سيعمل على تنفيذ المبادرة «خاصة أن المنطقة تشهد في الوقت الحالي تراجعا في مستوى الصحافة على الرغم من الكم الكبير لها».

* «الصحافة الأخلاقية» في أول اختبار لها: وصفة تقنية لفك المواقع المحجوبة

* وضعت مبادرة الصحافة الأخلاقية في المحك بشكل لم يخطر على بال المشاركين في المؤتمر، فقد أقدم صحافي أمريكي، وهو ايريك جونسون، من وكالة «إنترنيوز» الأميركية، على مفاجأة جميع المشاركين، والمنظمين كذلك، بعد أن انتشل حضور المؤتمر من الجلسات التنظيرية، ليفاجأهم ويقدم لهم الوصفة التقنية المناسبة لكيفية فك شفرات المواقع الإلكترونية المحجوبة في بعض الدول.

وبرر ايريك قيامه بذلك بحق متصفحي شبكة الإنترنت في الحصول على المعلومات وتداولها، مؤكدا في الوقت ذاته أنه ليس هناك قوانين دولية تمنع الدخول على المواقع المحجوبة.

وعلى الرغم من أن الوسيلة التي أعلن عنها الصحافي الأمريكي لفك هذا الحجب، وهي التحول عبر موقع إلكتروني وسيط واستخدام برنامج محدد، لم تكن وسيلة جديدة، كما حاول الصحافي أن يبين ذلك، إلا أن هذا العرض فاجأ الحضور حول قانونية مثل هذا الإجراء، وهل يتنافى مع الصحافة الأخلاقية أم يتواكب معها؟ كل هذه الأسئلة اختفت بعد انتهاء الصحافي صاحب فكرة الحجب من حديثه، لكن بالتأكيد وضع المبادرة في أول اختبار حقيقي لها، غير أن الحضور لم يستطع أن يحسم أخلاقية العمل الذي جرى أمامه بالصوت والصورة.